تفجير مطبخا يرتاده فقراء وبسطاء.. هل هي هزيمة أم أياد إرهابية واعدة؟

> تغطية: ذويزن مخشف - ونجيب المحبوبي

> صباح دام جديد يضرب سكينة وهدوء العاصمة عدن، غير أن الإرهاب هذه المرة استهدف مطبخا لتحضير الوجبات لمنتسبي الحزام الأمني، يرتاده عدد من المساكين والفقراء الذين يبحثون عن وجبه غداء أو فطور، اعتاد عمال المطبخ أن يتصدقوا بها على كثير من الفقراء.
هذا النوع من العمليات الإرهابية الذي يستهدف مطبخا ويقتل عمالا وفقراء ومساكين ومدنيين وأطفالا كانوا بالقرب من المكان يؤكد حقيقة أن الضربات التي تلقتها الجماعات الإرهابية مؤخرا حجمت دورها، وباتت قاب قوسين أو أدني من الانحسار والهزيمة.

قبل أن تلوثه أدخنة البارود ووحشية الإرهابيين وتلونه حمرة دماء الأبرياء.. هلّ الصباح على حي الدرين بمديرية المنصورة كعادته جميلا باسما مشرقا.. الأطفال دخلوا مدارسهم الخمس المجاورة لموقع الانفجار، الموظفون ذاهبون إلى مقرات أعمالهم، الباعة في محلاتهم وبسطاتهم، أطفال يلعبون ويمرحون بالشوارع، الكل يسعى بعد عمله ومعيشته آمنا مطمئنا.
سيارة يقودها انتحاري تأتي من طرف الشارع باتجاه مطبخ تمويني لمنتسبي الحزام الأمني والمقاومة الجنوبية، لم تكد تصل أمام البوابة حتى انفجرت وغيرت كل ملامح ذلك الصباح إلى مأساة.. قتلى.. جرحى.. أشلاء متناثرة.. أطراف بشرية مبعثرة في كل مكان.. رعب عم ساكني المنطقة.. هلع أصاب أطفال المدارس القريبة من مكان التفجير.. أنين.. استغاثة!.

بقى الطعام وأدوات الطهي، وارتقى طباخون وعمال بسطاء ومارة إلى العالم الآخر.. هذه باختصار نتيجة الهجوم الإرهابي الذي استهدف مطبخ «التموين الغذائي» لقوات الحزام الأمني في عدن نهار أمس، الذي أوقع ستة قتلى هم من وصلت جثامينهم ثلاجة مستشفى الجمهورية إضافة إلى طفل قتل برصاص راجع أطلقه جنود الأمن أثناء محاولات تفريق المتجمعين في موقع التفجير، وكان الطفل واقفا بجانب مباني الحريش التي تبعد عشرات الأمتار.
في تمام الساعة التاسعة والنصف صباح أمس هز انفجار ضخم العاصمة عدن، ضرب منطقة الدرين الصناعية والأحياء المجاورة لها بمديرية المنصورة، حينما فجر انتحاري سيارته المفخخة أمام بوابة مطبخ يعد غذاء قوات الحزام، يقع في ذلك الحي الذي تحيطه عدد من المنشآت التعليمية العامة والخاصة.
لم يدر بخلد طباخين قليلي الحيلة وعاملين بسطاء وآخرين ممن يسوقون سيارة توزيع الطعام المخصص لجنود الحزام الأمني أن الإرهاب سينالهم، إذ قال أحد الناجين بصوت مبحوح: «صحيح من قال الإرهاب لا دين له!».

شهود عيان قالوا لمراسلي «الأيام» الذين تواجدوا في موقع الحادثة إن سيارة صغيرة الحجم نوع (كيا) توقفت فجأة أمام بوابة مطبخ ومطعم الخير الذي يديره القيادي بالمقاومة الجنوبية مدرم فطيسي، بينما كان شخصان قد بدآ للتو في نقل وجبات الغذاء إلى الحافلة الصغيرة (باص تويوتا) لتوزيعها على نقاط وألوية الحزام الأمني في عدن وأبين ولحج، فيما آخرون كانوا داخل المطبخ منهمكون في الإعداد والطهي، وغيرهم يجلسون عند مغسلة (محل مكوى وغسيل الملابس).
*مشهد مأساوي
دمر الانفجار المدوي وبشكل كبير مبنى المطبخ الذي كان قديما مخزنا للأخشاب، وكذا المنازل المجاورة وسيارات المواطنين.

في موقع الانفجار كان يحاول الكثيرون انتشال جثت تفحمت، وعلى مساحات واسعة ومتباعدة تفرقت اشلاء الانتحاري حتى وصلت إلى مسافة 100 متر من موقع التفجير.
وبينما التهمت النيران الواجهة الأمامية من المطبخ أتت نيران أخرى على المبنى المقابل، وهو مخزن تابع لمحل الآثاث الأيطالية المنزلية، وكذلك مغسلة وسكن للعمال.
وبذل مسعفون ورجال المطافي جهودا مضنية في عملية انتشال عامل بالمطبخ لقي حتفه في الحمام المجاور للمبنى الذي تهدم على رأسه واستخرجت جثته متفحمة، كما انتشل آخرون جثتين متفحمتين من حافلة توزيع الطعام، ورابعة من تحت أنقاض مبنى المطبخ.

وبينما هرعت سيارات الإسعاف لنقل الضحايا والمصابين تسابق آباء وأمهات نحو 5 مدارس تحيط بموقع التفجير للتأكد من سلامة أبنائهم الطلاب والطالبات، وإنهاء يومهم الدراسي المفزع، الذي تكرر للمرة الثانية أمام بصرهم وسمعهم وهز قلوبهم، بعد التفجير الانتحاري الأول الذي طال مبنى قوات حراسة المنشآت التابعة أيضا للحزام الأمني في 11 نوفمبر العام الماضي، الواقع في المنطقة نفسها. إضافة الى أن مكان التفجير كذلك يقع على بعد شارعين من منزل نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية المهندس أحمد الميسري، ومنازل عدد من قيادات الدولة ومسئولي الحكومة.

*أم مفزوعة
ومن المشاهد الأكثر ايلاما التي رصدها محرر «الأيام» أن امرأة في العقد الخامس من العمر كانت تركض بشدة من على مسافة بعيدة باتجاه موقع التفجير وهي تصرخ «ابني ابني ابني.. يا رب احمي ابني!». وكانت المرأة قد خرجت من منزلها فزعة عقب الانفجار للبحث عن ابنها الذي يعمل حارسا بالمطبخ، معتقدة أنه قضى في الانفجار.
وبين تجمع السكان وعشرات الجنود استجاب الابن لصراخ أمه وظهر فجأة أمامها، فعانقته وأجهشت ببكاء الفرح ولهفة الحياة، تقبله من رأسه حتى أخمص قدميه.
وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤولية تفجير المطبخ، وقال في بيان نشره موقع وكالة أعماق التابع له إن الانتحاري يدعى حمزة المهاجر. ونشر الموقع صورة للانتحاري.

وجاء التفجير وهو الثاني من نوعه منذ بداية العام عقب مرور نحو 20 يوما على هجوم بسيارة ملغومة ومسلحين انغماسين استهدف معسكر قوات مكافحة الإرهاب بمنطقة جولدمور في التواهي.
*ناجون يتحدثون
التقت «الأيام» أحد الناجين من التفجير، فقال: «كنت في الورشة المقابلة للمطعم، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا ملقى على الأرض بسبب قوة الانفجار، بعدها خرجت إلى موقع التفجير وشاهدت ضبابا أسود وأشلاء بشرية متناثرة هنا وهناك وصراخ من كل اتجاه».
أحد الجرحى
أحد الجرحى

وقال أحد ساكني الحي إنه شاهد من شرفة منزله لهبا ثم دوى انفجار قوي لم يشعر بعده بنفسه إلا وهو يركض إلى مكان التفجير، حتى وجد حمام دم وأعضاء بشرية متناثرة. وأضاف قمت بالمساعدة بإسعاف الجرحى ونقل القتلى، ورأيت شخصا قد انفجر رأسه، وربما كان يعمل على إصلاح حافلة توزيع الطعام قبيل التفجير».
ونقلت سيارات الإسعاف عشرات الجرحى إلى مشافي 22 مايو والصليب الأحمر القريبين من موقع منطقة التفجير.
وصرح لـ«الأيام» د. أوسان محمد محمود ناصر مدير مركز 22 مايو الجراحي التخصصي بعدن بأن المركز استقبل 35 جريحا.
جريح اخر
جريح اخر

وأشار إلى أن جثتين وصلتا المركز بينما تنوعت الإصابات بين متوسطة وكبرى وإصابات خطيرة.
وقال د. أوسان إن طاقم مركز 22 مايو بذل جهودا جبارة في إسعاف وتقديم العلاج وإجراء العمليات الجراحية العاجلة بنجاح.
وأوضح أن مكتب مقاومة الساحل الغربي التابع لقوات التحالف العربي قدم المساعدة والدعم لمركز 22 مايو وساهم مع طاقم المركز في استقبال الجرحى وتقديم العلاجات لهم.
*ثلاجة الموتى
عند بوابة مستشفى الجمهورية جاءت سيارات الإسعاف تحمل جرحى وجثثا. أحد الجرحى شاب في العقد الثالث كانت آثار الانفجار بادية على جسده، في وجهه حرق كبير ويداه محروقتان أيضا.

وقال لمراسلة «الأيام»: «لا ندري ما حصل، شعرنا بالانفجار ونحن في الداخل ولا ندري ما الذي حصل في الخارج، أصبت بالجروح كما ترين»، ثم اعتذر بأنه لا يستطيع متابعة الكلام، فقال مرافقه «هناك آخر في الغرفة الثانية هو أخوه» اتجهت للغرفة الثانية كان شاب في نهاية العقد الثالث من العمر رفض في بداية الأمر الحديث، ثم قال «ليس لي قدرة على الكلام».
وعند ثلاجة الموتى كان الأمر موجعا، عدد كبير من الرجال والشباب يقفون وكأن على رؤوسهم الطير، أيديهم فوق رؤوسهم وفي عيونهم دموع قهر تتقاطر بمعاينة الجثث والتعرف على المتوفين بالحادثة.

يقول أحد الواقفين أمام الثلاجة «فقدت اخي» وهو يبكي أوجع بكاء!.
وقال مراقبون إن الهجمات الانتحارية المتكررة تستهدف قوات أمنية محددة في عدن تحمل رسائل سياسية بحتة للجنوب وقضيته الشعبية، أكثر منها عمليات انتقامية ذات طابع إجرامي.
* شارك في التغطية / ذويزن مخشف ونجيب المحبوبي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى