الأبعاد الاستراتيجية والتبعات السياسية لصواريخ الحوثي على الرياض.. الحوثيون ابتلعوا طعما مخابراتيا استدرجهم إلى مغامرة غبية

> تحليل / يحيى غالب الشعيبي

> هل كانت الرياض على علم مسبق بإطلاق صواريخ الحوثي؟
هل حقق الحوثي مكاسب سياسية من إطلاق الصواريخ عشية ذكرى انطلاق عاصفة الحزم وزيارة المبعوث الأممي لصنعاء؟
هل موضوع إيقاف ومنع الصواريخ نحو المملكة أصبح أولوية سياسية دولية أهم من موضوع إعادة الشرعية إلى اليمن؟
ثلاثة أسئلة تقتضي طرحها، ثم محاولة البحث فيها والإجابة عنها كفرضيات لتناول الأبعاد والتبعات السياسية للصواريخ البالستية التي تطلقها جماعة الحوثي على المملكة العربية السعودية الشقيقة، ولبحث هذه الفرضيات بأسئلتها الثلاثة نلاحظ الآتي:
*أولا:
هل كانت الرياض على علم مسبق بلحظة انطلاق صواريخ الحوثي نحو المملكة؟ قد يكون الجواب من البعض بسرعة البرق: (لا).. لكن الإجابة المنطقية: نعم، كانت على علم مسبق وفق تقنية معلومات رصد وعمل استخباراتي عميق لدول عاصفة الحزم ومنظومة رادارات الدفاع الجوي، وهذا ما أظهرته وأكدته صحيفة سبق الإلكترونية السعودية أن موقع «Flightradar24» المتخصص بتتبع الطائرات حول العالم، أظهر أن كل الرحلات المتجهة إلى الرياض كانت تدور قرب العاصمة السعودية الرياض قبل انطلاق صواريخ الحوثي، وأنه تم إشعار رحلات الطيران بتأجيل الهبوط حتى تتم السيطرة والتعامل مع الصواريخ، وهو ما تم بالفعل بنجاح وكفاءة عالية.
هذا الدليل لظاهر الأمور، أما واقع الأحداث يثبت أن الحوثيين ابتلعوا الطعم ووقعوا في الفخ وفي مصيدة استخباراتية عميقة كبرى استدرجتهم لهذه المغامرة الغبية غير المحمودة العواقب سياسيا على مستقبلهم، ومطالبتهم بوقف الحرب، وأصبح هذا المطلب بعد صواريخ ليل أمس (أمس الأول) غير مقبول في أذهان الساسة ودهاليزها وصانعي القرار الدولي.
*ثانيا:
هل حقق الحوثي مكاسب سياسية من إطلاق الصواريخ عشية ذكرى انطلاق عاصفة الحزم وتزامنا مع زيارة المبعوث الأممي لصنعاء؟
من خلال المتابعة لزيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء لاحظنا حفاوة واهتماما وترويجا إعلاميا والجدول الرسمي الذي تم إعداده باحترافية ومراسيم سياسية، ومنح صفات وألقاب دبلوماسية لزعامات المليشيات ومواعيد لقاءاتهم بالمبعوث الأممي، وردود أفعال قيادات سياسية حوثية بالقنوات الفضائية، أظهرت تلك اللقاءات تجاوبا سياسيا من الحوثيين لعملية السلام واطمئنانهم للمبعوث الأممي، واستبشروا خيرا بقدومه ومرحبين وموجهين انتقادات لسلفه ولد الشيخ بأحاديثهم، ومؤكدين استعدادهم بالتجاوب مع خطة عملية السلام.. لكن خطاب زعيمهم عبدالملك الحوثي جاء مغايرا، وهدد بإطلاق صواريخ نحو المملكة، وهو ما تم بالفعل، وهذا يدل أن هناك تناقضا وخلافات داخل مؤسسة الحوثي السياسية.. قد يقول البعض لتفسيره بأنه توزيع أدوار، لكن بالعكس أثبتت واقعة إطلاق الصاروخ مع وجود المبعوث الأممي الذي وضعه الحوثيون بإحراج سياسي كبير جدا، بل إن إطلاق الصاروخ بهذا التوقيت أثبت غباء سياسيا كبيرا، وقدم عبدالملك الحوثي دليلا دامغا وواضحا بتهديده، وتنفيذ تهديده دليل صريح على رفضه لعملية السلام، بعكس ادعاءات ومطالب اتباعه السياسيين، وهذا مكسب سياسي لدول التحالف، كانت تبحث عنه بعد أن بدأت تتعرض لضغوط سياسية دولية قوية، ولكن غباء الحوثي خفف تلك الضغوط على التحالف وعزز ثقة المجتمع الدولي بأن جماعة الحوثي تشكل خطرا على أمن واستراتيجية المنطقة، ويضع تساؤلا: كيف لو تمكنت هذه القوى من السيطرة على باب المندب وميناء عدن والجنوب والموانئ البحرية ولم يتم دحرها؟ ماذا كانت ستعمل بدول الخليج من دمار وبأمن البحر الأحمر؟ بل إن إطلاق صاروخ الحوثي بهذا التوقيت بذكرى انطلاق عاصفة الحزم يثبت أن انطلاق عاصفة الحزم كان ضرورة موضوعية، وتدخلا إيجابيا لا مفر منه، ويثبت مشروعية القرارات الأممية ويقدم كل المبررات على ضرورة دعم الدول الكبرى للسعودية بالسلاح وصفقات البيع والشراء بهذا الخصوص، بعد أن كانت بعض الدول مثل ألمانيا وغيرها منعت ذلك، وبهذا خسر الحوثي سياسيا، بل قدم دليلا بنفسه ضد نفسه.
*ثالثا:
هل موضوع إعادة الشرعية إلى اليمن أولوية سياسية دولية على موضوع وقف الصواريخ، ووقف الخطر القادم من صنعاء نحو المملكة؟
الشرعية مفهومها السياسي واسع لدى دول التحالف والعالم اليوم، فهي صحيح ممثلة بالرئيس هادي بصفته السياسية، وأيضا بكل القوى السياسية اليمنية المناهضة للتوسع الإيراني بالمنطقة.
موضوع إعادة الشرعية إلى اليمن وتعهد دول التحالف للمجتمع الدولي بذلك، تم تنفيذ ذلك الالتزام وإعادة الحكومة والرئيس ونائبه وقاداتها ووزرائها إلى عدن والجنوب المحرر، ولكن حصل هناك خلل في علاقة الحكومة الشرعية في التعامل مع دول التحالف، وفتحت الشرعية جبهة خلاف مع التحالف من جهة ومع القوى المسيطرة على الأرض التي حققت الانتصارات بالجنوب، فقد أساءت الحكومة التعامل وأثبتت بأنها غير مؤهلة قياديا باختلاقها خصومات داخل صفوفها وتفكيك عناصر النصر، وإيجاد خلافات عميقة بمنظومة التحالف وارسال رسائل غير ايجابية سياسيا وغير مطمئنة لدول التحالف مثل رسالة التأييد لدولة قطر التي نشرتها وكالة سبأ وتم بعد ذلك سحب الرساله.
ظهور تيار الإخوان المسلمين في الشرعية وتقديم نفسه سياسيا بأنه المسيطر والبديل السياسي لحكم الجنوب والشمال زرع مخاوف لدى الاقليم والعالم، وتعزز الخوف برفض جماعة اخوان الشرعية التقارب مع تيار عفاش المناهض للحوثي، بل ان الشرعية اغفلت جبهات الحوثي سياسيا وعسكريا ونقلت المعركة الى عدن، واثبتت الحكومة عدم قدرتها الادارية والمهنية لادارة مؤسسات الدولة في المناطق المحررة وعجزها عن ادارة البنك المركزي، الذي رحبنا واستبشرنا بقرار نقله الى عدن، بل تم ادخال المناطق المحررة في نفق مظلم من الافقار وانعدام خدمات الحياة (كهرباء ومياه ومرتبات) وغيرها. كل هذه العوامل منفردة ومجتمعة تعتبر عوامل غير محفزة لدول التحالف بجعل اعادة الحكومة الشرعية في سلم أولوياتها بعد ان جربت ونجحت بذلك ولكن الفشل السياسي كان من الحكومة ذاتها.
بعد تقرير لجنة خبراء مجلس الأمن الدولي التي اكدت على تآكل منظومة الحكومة الشرعية وعدم قدرتها على التواجد بالمناطق المحررة وفشلها في إدارتها.. والأمر الأهم لدول التحالف العربي بأن القوى السياسية المسيطرة على الجنوب هي قوى فاعلة وموثوقة مؤتمنة ويعتمد عليها وقاتلت وانتصرت ولازالت تقاتل الغزو الحوثي الى الساحل الغربي وحدود صعدة؛ لذلك فإن أولويات دول التحالف العربي والعالم لم تعد بشأن اعادة الشرعية الى اليمن بل بموضوع تأمين اليمن جنوبا وشمالا من المد الايراني، واصبح موضوع وقف الصواريخ ووقف الخطر القادم من صنعاء نحو اراضي المملكة العربية السعودية اولوية سياسية، وهذا الموضوع محور تباينات ونقاشات وتوصيات مجلس الأمن الدولي ونقاشات الرئيس الأمريكي ترامب مع ولي عهد المملكة محمد بن سلمان، وهذا الأمر اصبح يشكل قلقا دوليا، ما اجبر واشنطن على التراجع عن قرار وقف بيع الأسلحة للمملكة، حيث وافقت وزارة الخارجية الأمريكية الخميس الماضي على بيع أسلحة للمملكة، تبلغ قيمتها مليارا و76 مليونًا و800 ألف دولار، بموجب صفقة تشمل 3 بنود، بحسب بيان صادر عن وكالة التعاون الدفاعي الأمريكية التابعة لوزارة الدفاع «البنتاغون».
تحليل / يحيى غالب الشعيبي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى