ونحن لن نبدأ من الصفر

> محمود المداوي

>
محمود المداوي
محمود المداوي
مع وصول السيد "مارتن جريفيث" المبعوث الأممي المعين كوسيط دولي جديد إلى اليمن والتي ابتدأها بزيارته إلى صنعاء مطلع هذا الأسبوع كزيارة متوقعة، ومنتظرة من جميع الأطراف شمالا وجنوبا.. وليس صدفة أن تأتي هذه الزيارة اليوم متزامنة مع دخول الحرب في هذا البلد عامها الرابع. ولكي يتسنى لنا هنا أن نقيم الأمور تقييما صحيحا لابد من أن نتعاطى مع هذا الحدث تعاطيا حياديا، وهذا صعب جدا، لا لشيء إلا لأننا هنا كجنوبيين نحن جزء من الحدث إن لم نكن نحن هو ذات الحدث، ونحن القضية، وكل ما حدث وما يحدث، وتحديدا بعد انطلاق الحراك السلمي لشعب الجنوب.. بمعنى آخر أن القوى النافذة - وهذه حقيقة - لجأت إلى مختلف الأساليب واعتمدت سيناريوهات عدة بما فيها إشعال حروب صعدة ودماج إلى الحرب الأخيرة لتمييع قضية شعب الجنوب وحقهم في استعادة دولتهم، ولا يستبعد أن تكون واحدة من مخرجات ما يعرف بمؤتمر الحوار السرية المتوافق عليها ومع أطراف إقليمية معروفة.
لذلك فالنظر بعين الحياد إلى ما يجري هنا وما يتم الترتيب له في الفترة المقبلة يعد مسألة مستعصية في حالنا الجنوبية، والتي جرى ويجري تصويرها في الخطاب الاحتلالي اليمني وكانها جزء لا يتجزأ من الحالة اليمنية. وهذا محض كذب وافتراء درجت عليه قوى النفوذ اليمني وتضلل به الرأيين المحلي والخارجي، بل وتؤثر في أي مسار، إن سلما أو حربا.
أعود إلى موضوع زيارة الوسيط الدولي، وأقول مؤكدا بأن الأسباب والدوافع التي بسببها اندلعت هذه الحرب مازالت قائمة، بل إنها قد تعقدت وبشكل دراماتيكي لدى كل الأطراف التي سيقابلها “مارتن جريفيث” في مهمته هذه.
وقد قال جريفيث “إنها تأتي للإصغاء والاستماع لكل الأطراف”، وهنا علينا أن نضع أكثر من خط تحت عبارة كل الأطراف، لأن الرجل قد قالها قصدا، كما قصد أن يقول في ذلك التصريح وعناه بأنه “لن يبدأ من الصفر”، وهي جملة لابد من الإمعان فيها بعيدا إلى عمق المشهد شمالا وجنوبا.
حقيقة.. لا أدعي أنني أفهم كثيرا في السياسة الدولية، وما استحضره هنا ما هو إلا نتاج مقاربات واستقراء واقع يكاد يلامس عين الصواب وكبد الحقيقة التي أريد لقارئي النبيه أن يصل إليها بعيدا عن التهويش والتشويش والتخبط المتعمد من قبل الأطراف التي ترى في هذه الجولة الأممية خطرا محدقا بها، لأنها تعرف أنها ليست لصالح مشروعها في الإبقاء على الحال كما هو عليه، وعلى المتضرر أن يرمي بنفسه في البحر..
إن هذه الجولة غير كل الجولات، وهي وإن كانت جولة مكوكية إلا أنها ربما تكون محكومة بسيناريو الحل النهائي الذي ترتضيه جميع الأطراف.. كلام دبلوماسي جميل، إلا أنه مطلوب منا قراءة ما في ثناياه وسطوره جيدا، وهم كطرف أكثر فهما لهذا الكلام، لأنهم، وهذه هي الحقيقة التي يلعبون عليها، يعرفون أن الطرف المقصود به في هذه المرة سيكون الجنوب الحقيقي وليس الجنوب الذي هم اختاروه.
الجنوب الذي يمسك بكل أدوات اللعبة الجنوبية ومفاتيحها على الأرض.. الجنوب الذي وقف إلى جانب شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، ودافع عنها وحرر الجنوب وما زال يواصل مشاركته دول التحالف في تحرير باقي المناطق من الإرهابيين وفضح وكشف داعميهم في الخفاء، وأيضا من الانقلابيين على حد سواء.
بكل تأكيد يمكن لكل ذلك أن يصبح حقيقة واقعة ويمكن له ألا يكون، وهذا هو ما يعمل ويسعى إليه الطرف الذي يرى أنه سيخسر الحرب بلا فيد أو غنائم كعهدنا به كجنوبيين في أكثر من مرحلة، وهو الطرف الذي نراه اليوم يلملم شتاته ويعمل عبر كل وسائل الحيلة والغدر أن يجمع نفسه في معسكر الشمال ضد معسكر الجنوب، ويعيد مسار المفاوضات إلى المربع الأول.
وهنا علينا أن نتوخى الحذر، ونستبعد المصوغات السقيمة التي كثيرا ما يستعين بها ذلك الطرف الذي أعنيه، وهي مصوغات ألفها الشارع الجنوبي، ولكن لا يمكن لها أن تمر هذه المرة، لأن الشعب الجنوبي قد وعاها جيدا.
ورغم كم التفاؤل الذي أراه في زيارة الموفد الدولي إلا أن أكثر ما يقلق في كل ما تقدم هو هذا الصمت الذي أرى أنه ليس في محله من الطرف الآخر الذي هو الطرف الجنوبي الذي تعنيه كثيرا زيارة المبعوث الدولي.
ينبغي لصمت القيادات الجنوبية ألا يطول، وأن تدرك أنها فرصة تاريخية نادرة لا يمكن لها أن تتكرر، وإن تكررت ستكون مكلفة، لأنها ستأتي بعد فوات الميعاد، وحتما سنعود وسيعود الجنوب إلى لحظة الصفر.. وحينها سيحق فينا القول “ويا أبو زيد كأنك ما غزيت”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى