معرض عدن الثالث (التنوع الطبيعي و البيئي.. موارد وفرص اقتصادية مستدامة)

> تقرير / رعد الريمي

> شهدت ساحة منارة عدن التاريخية، بمدينة كريتر، بالعاصمة عدن، خلال الأيام الخمسة الماضية فعاليات "معرض عدن الثالث للصور" الذي نظم تحت شعار (التنوع الطبيعي والبيئي.. موارد وفرص اقتصادية مستدامة)، ونفذه عدد من أبناء عدن، بمساهمة إدارة مؤسسة الملح ونقابة المهندسين وهيئة حماية البيئة بعدن.
هدف المعرض بنسخته الثالثة إلى إبراز التنوع الحيوي للأراضي الرطبة والغطاء النباتي البري لعدن والطيور البرية المقيمة والمهاجرة، وكذا أراضي المملاح بعدن والمحميات الطبيعية كمحمية الحسوة ومحمية الأراضي الرطبة، وكذا إبراز الحِرَف التقليدية المعتمدة على الموارد المحلية.
كما هدف المعرض إلى تحقيق التراكم الكمي والنوعي للمادة الموثقة عن مدينة عدن من خلال الصور الاحترافية والمادة العلمية، بالإضافة إلى تشجيع السياحة البيئية والرياضية وتوعية الجمهور بالمقومات والمكونات البيئية الطبيعية لعدن.
«الأيام» زارت المعرض وشاهدت ما حظي به من حضور ملفت، حيث زاره عدد كبير من المواطنين المهتمين وأساتذة جامعيين ومسؤولين حكوميين وممثلين ومثقفين وإعلاميين وناشطين.
احتوى المعرض على عدد من الأركان: ركن (البيئة البحرية) وركن (الأراضي عدن الرطبة) وركن (جيولوجية عدن) وركن (هضبة بركان عدن) وركن (نباتات عدن الطبيعية) وركن (بيئة عدن الساحلية) وركن (ملاحات عدن.. النشأة والتاريخ)، بالإضافة إلى مجسم يشرح طرق ومراحل صناعة الملح، وركن (الحرف التقليدية المعتمدة على الموارد الطبيعية).
وصرح لـ«الأيام» الاستشاري الجيولوجي ورئيس الجمعية الجيولوجية بعدن، معروف إبراهيم عقبة، قائلا: تهدف الفعالية اجمالا إلى نشر الوعي بين اوساط الناس، خاصة بما توفره من مادة علمية لكي يطالع الزائرون مكنونات المدينة التي تستحق الحفاظ عليها والدفاع عنها، وإبراز الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية لهذه المدينة ولمواقعها الهامة.

وأضاف عقبة: ليس فقط لفت النظر إلى الأهمية بل وتدعو إلى وجوب إعادة النظر في طبيعة استخدام الأرض وفق هذه الدراسات التي عملت عن عدن، وخاصة أنها مدينة غنية بالدراسات سواء الرسمية منها أو الأكاديمية بالإضافة إلى الابحاث الشخصية على المستوى المحلي والإقليمي.
وأشار عقبة الى انه وعلى مرور عقدين من الزمن زار عدن عدد من الباحثين أكدوا أن لهذه المدينة مكونات ليست محلية بل عالمية، متناولين طبيعة النشأة فيها، وأنها على فوهة بركانية، وعلاقة الجبل بالسهل والبحر التي كونت بيئة محددة فيها غنى وتنوع من ضمنها العنوان الأبرز الذي تعرف به بأنها مدينة الميناء.. منوها بأن عدن تحظى بالعديد من المكونات المذهلة منها نباتات طبية نشأ اسمها العلمي من مدينة عدن، وكذا الطيور سواء المتوطنة والمهاجرة والتي بعضها مهدد بالانقراض عالميا.
«الأيام» بدورها تسهم في تحقيق هدف المعرض من خلال نشر المادة العلمية والمعرفية التاريخية التي تضمنها المعرض بأركانه المختلفة بغرض نشر الوعي بين أهالي عدن عن مدينتهم المتفردة.
*جيولوجية عدن
على الشواطئ الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية تنتشر عدد من المراكز البركانية المكتشفة من غربي عدن حتى باب المندب، ويسمى ذاك التسلسل بـ(سلسلة براكين عدن) (series aden volcanic)، وتشمل براكين: عدن، عدن الصغرى، راس عمران، جبل خرز، أم بركة وجزيرة ميون، التي نتجت عن الانفتاق الأخدودي لخليج عدن (gulf of aden rift system)، ويعود عمرها الجيولوجي إلى فترة العصر الثلاثي (tertiary)، علاوة على ذلك في مدينة أقيمت على فوهة بركان.
تلك التكوينات الصخرية، تتخللها مساحات واسعة من الرواسب (الطينية - الرملية والحصوية) التي تعود للعصر الرباعي - الحديث (quaternary-recent)، والتي تكونت بفعل رواسب الأودية وعوامل التعرية الريحية والبحرية.

بركان مدينة عدن القديمة كريتر ذاك الذي تبلغ اعلى قمة فيه (553) مترا عن سطح البحر يشكل آخر تلك المراكز؛ ويتكون من صخور التراكيت والاندزايت مع بقايا صخور بازلتية إضافة إلى تكوينات حجر الخفاف (pumice) وغيرها والتي تشكل تضاريس متباينة، معظم التراكيب ضمن ذلك المركز تظهر نتيجة لشدة تأثير العوامل والتكوينات، والتي أبرزت اجزاء كبيرة من التكوينات البركانية الداخلية.
جليا يظهر التباين في تضاريس تلك المراكز البركانية التي ترتبط ببقية المناطق المنبسطة بواسطة لسان رملي، حيث يقع مطار عدن الدولي في منطقة خورمكسر ليشكل أحد أهم القطاعات للمناطق الرطبة التي تشمل مساحات واسعة من السبخات (sabkhah) التي نشأت نتيجة لوجود رواسب طينية صلصالية في أطراف ذلك الجزء من قطاع الدلتا للوادي الصغير، حيث تتميز بالرواسب المحلية المسماة بالمتبخرات (evaporites) والتي تحتوي ملاحات عدن الشهيرة تاريخيا، إضافة إلى القطاعات الواقعة شمالي شبه جزيرة عدن والمجاورة لساحل أبين حيث تشير الكثبان الرملية المكونة غالبا لرواسب ريحية (Aeolian deposits)، في حين تتداخل رواسب الدلتا (الوادي الكبير) المكونة من الأطيان لتغطي مساحة كبيرة من منطقة الحسوة التي تكثر فيها أشجار “دوش” الطاري.
*أراضي عدن الرطبة
بالنسبة لموقعها المتوسط بين قارات ثلاث تزور عدن أعداد كبيرة جدا من الطيور المهاجرة "المتنقلة بين تلك القارات” والقادمة إليها مرتين في العام، حيث تمثل الأراضي الرطبة في مدينة عدن والتي تبلغ مساحتها الاجمالية حوالي (25) هكتارا، أحد أهم الأراضي الرطبة على مستوى شبه الجزيرة العربية، ممثلة بذلك أهمية وطنية ودولية، حيث وثقت وأدرجت كمنطقة مهمة للطيور في كتاب “المناطق المهمة للطيور في الشرق الأوسط والعالم".
وقد أكدت الدراسة الميدانية والتحليلية للمنطقة الدولية لحماية الطيور والحياة الفطرية (bird life international)، بعد التحديد والحصر، أن هناك (361) موقعا حيويا لتجمع الطيور في بلدان الشرق الأوسط.

من ضمن تلك المواقع عدن والتي تعد موقعا متميزا وفريدا بينها وتكمن أهميتها بأنها منطقة انطلاق وارتحال وتشتية هامة متميزة للطيور المائية المهاجرة الزائرة لها سنويا وبانتظام بأعداد تزيد على (16000) من الطيور المهمة إقليميا، والتي تتراوح أنواعها بين (200-140) نوع لاسيما الساحلية والنوارس والخشرنة ومنها (12) نوعا من الأهم عالميا وأخرى مهددة عالميا بالانقراض، كما تتواجد أيضا تجمعات الطيور في الأراضي البرية ذات البيئة الطبيعية وكذلك المواقع الجاذبة لأنواع معينة من الطيور المستوطنة كـ(منطقة البساتين، مقالب ردم القمامة، جبلي شمسان والتواهي وبعض المساحات الحرجية والخضراء في ضواحي عدن).. محميات الأراضي الرطبة في عدن تم إعلانها وإنشائها بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (249) لعام 2008م والتي بموجبها حددت (5) محميات في محافظة عدن:
1 - محمية الــممــلاح، مـســاحتـــــها (947) هكتار.
2 - محمية الحسوة الطبيعية، مساحتها (185) هكتارا.
3 - محمية خور بئر أحمد، مساحتها (1175) هكتارا.
4 - محمية الوادي الكبير، مساحتها (175) هكتارا.
بالإضافة إلى الترتيبات الجارية لإعلان محمية جزيرة العزيزية في منطقة عمران. وتعتبر هذه المحميات المتفردة كل واحدة منها عن الأخرى تراثا طبيعيا وغنيا وذات أهمية اقتصادية واجتماعية، وأما الأهمية الحيوية والبيئية فذلك لكونها مراكز لمراقبة التلوث ولاسيما البحرية وأنها موئل للعديد من الطيور المهاجرة والمستوطنات، وهي مصادر متجددة للموارد الطبيعية وغنية بالأحياء البحرية بالإضافة للتنوع الحيوي للنبات الملحي لها.
*هضبة بركان عدن
سلسلة كالديرا الطويلة (tawilah caldera) هذا ما يطلق عليها اصطلاحا، وهي عبارة عن تكوين جيولوجي يتوسط فوهة بركان عدن توسطا مركزيا، حيث تلتقي بحواف "كالديرا شمسان” لتشكل القوس الخلفي لأعتاب سلسلة المخروط الرئيسي لبركان عدن فوهته التي تتخذ شكلا مميزا كحذوة الحصان.
يبلغ قطر محورها حوالي (2.0) كم، يتراوح متوسط ارتفاعها ما بين (220-180) متر، يتمثل أعلى مرتفع فيها التكوين المخروطي، الشبيهه بسنام الجمل، الذي يطلق عليه (spion kopp) ويعتبر آخر مركز مراحل نشاط الزخ البركاني، حيث لا زالت تموضع بقايا فتات رواسب الخبث البركاني (متعدد الألوان) حول ذلك المركز.

وتتميز الهضبة بوجود نطاق من رواسب "حجر الخفاف" (pumice) الذي تموضع في معظم حواف محيط الهضبة حيث تتواجد كهوف/مناجم البوميس التي تمثل شاهدا تاريخيا على صناعة التعدين التاريخي (extrativeL mininq activity historical) في مدينة عدن والتي وفرت المادة الخام الأساسية لخلطة الملاط التقليدية المستخدمة في مباني عدن التاريخية والتراثية.
عبر أزمان جيولوجية مثلت الهضبة المستجمع الأوسط لمياه الأمطار (ment area cath) ضمن فوهة بركان عدن، حيث شكلت تلك الخصائص إمكانية لإقامة أحد أكبر نماذج أنظمة الحصاد المائي في العالم (water harvestinq system catch) المتمثل بمنظومة السيطرة والتصريف لمياه الأمطار والسيول "صهاريج الطويلة التاريخية"، كما تكتنف البرك الطبيعية أشهر بركة عنبر والغيول بالإضافة إلى البحيرات التي تحتجر خلف سلسلة سدود الهضبة وشعابها.
شكلت الطبيعية الجيومرفولوجية لبركان عدن أهم الخصائص الطبيعية لاستيعاب مدينة محصنة “ما بين البحر والجبل” ومثلث المحددات الأساسية للتخطيط المدينة وتوزيع أحيائها ومرافقها التاريخية كشواهد تاريخية تدل على مدى الرقي في استخدامات الأرض، لذلك سميت بمدينة الميناء المحصنة (the fortress).
تحتضن فوهة بركان عدن وهضبتها العديد من المعالم الطبيعية والأثرية والتاريخية التي عاصرت تاريخ مدينة عدن (المدون وغير المدون) منها القلاع الحصون والدروب وغيرها من الاستحكامات الدفاعية، شكلت طبيعتها البرية بيئة حاضنة وموائل للعديد من النباتات والطيور والزواحف والحشرات.
*نباتات عدن الطبيعية
تقع عدن في الركن الجنوبي الغربي من قارة آسيا والجزيرة العربية، ومدينة عدن الساحلية تقع بين دائرتي عرض (57 12 و43 12)شمالا وبين خطي طول (44 44)، و(07 45) شرقا فيحدها من الشمال والغرب محافظة لحج ومن الشرق محافظة أبين ومن الجنوب خليج عدن.
وتبلغ مساحتها حوالي (750) كيلومترا مربعا، وتتراوح درجة الحرارة فيها ما بين (21.6م - 32.5م) وتبلغ ذروتها إلى (41.8م) في شهر يونيو وتصل نسبة الرطوبة الجوية إلى (70.4%) خلال السنة، وذلك جعلها ذات مناخ مناسب لنمو الأنواع المختلفة من النباتات الطبية والاقتصادية وتلك ذات الاستخدام الشعبي والأخرى التي تستخدم كزينة.

وقد قام العديد من العلماء والباحثين الأجانب والعرب والمحليين بدراسة الغطاء النباتي لعدن، ومنهم (henry) في عام (1809م) (edqeworth) في عام (1846م) (roth) في عام (1847) وزارها العالم (hooker) كما زارها العالم (brardis) ليوم واحد عام (1855) وجمع منها 46 نوعا من النبات، واستمر الدارسون بالتوافد إليها، فقد زارها العالم الفرنسي (delfers) مرتين في عامي (1885 - 1886) وجمع العديد من الأنواع التي تم حفظها في معشبة كيو في بريطانيا، أما العالم (blter) صاحب كتاب (flora of aden) فقد زارها بين عامي (1914 - 1916) كما زارها عالم تصنيف النبات الشهير (a.miller) عام (1989) ورافقه فيها المهندس محسن بازرعة.. وعاد لزيارتها في عام (2010) ورافقه فيها المهندس إبراهيم منيعم.
ومن العلماء العرب العالم المصري لطفي بوليس الذي جمع 120 نوعا نباتيا عام (1987) ومن الباحثين اليمنيين الأستاذ الناصر الجفري درس الحياة النباتية فيها وسجل حوالي (264) نوعا من النباتات وذلك في عام (1992). محافظة عدن من المحافظات التي تميزت بتنوع تضاريسها والبيئات التي تساعد على وجود تنوع نباتي جدير بالاهتمام وسجل فيها نوعان متوطنان في اليمن.
بيئة عدن الساحلية
تمتاز المنطقة الساحلية في محافظة عدن بتنوع حيوي كبير ومنها بيئة الشعاب المرجانية الجميلة والغنية بأنواع الأسماك والكائنات البحرية وأحد اهم مواقع الشعاب المرجانية في خليج عدن.

وتعتبر الشعاب المرجانية من الاماكن المفضلة لكافة انواع الاسماك المرجانية. ولقد استطاع آباؤنا واجدادنا في الماضي الحفاظ على بيئة الشعاب المرجانية والاستفادة من ثروتها السمكية المختلفة.
وقد لا يعرف البعض منا ان الشعاب المرجانية تنمو بصورة بطيئة وتأخذ فترات طويلة في نموها لذلك تولى باهتمام خاص من الحماية في كثير من مناطق العالم، وظهرت العديد من القوانين والاتفاقيات الدولية التي تدعم حماية وصون الشعاب المرجانية من المخاطر والتهديدات التي تواجهها.
فمع النمو السكاني والتوسع العمراني المتسارع في المنطقة الساحلية ازدادت مخاطر التدهور البيئي للشعاب المرجانية وذلك من خلال ممارسة الصيد التقليدي والفردي والممارسات غير الرشيدة بالإضافة إلى العديد من مصادر التلوث التي تصرف إلى البحر وتلحق الضرر بالمرجان.
وسجل في عدن تواجد لـ 86 نوعا من المرجان الصلب الباني للشعاب منها 26 نوعا تم تسجيلها لأول مرة في عدن تتبع 33 جنسا تنتمي لـ13 عائلة معروفة في الجزء الشمالي لخليج عدن والتي لم يسجل تواجدها في عدن من قبل، منها انواع لم تسجل في الجزء الشمالي لخليج عدن. وتواجد هذه الأنواع من المرجان الصلب يرفع من أعداد الأنواع في الساحل الجنوبي للبلاد وعلى خليج عدن إجمالا.
ولأهمية موقع عدن البحري قامت عدد من البعثات برحلات غوص علمية لدراسة ومسح مواقع الشعاب المرجانية في عدن وهي بعثة البحار العربية في العام 1998 التي ضمت لفيفا من العلماء من المانيا وايطاليا وجنوب افريقيا وبعثة الغوص العلمية لشركة توتال الفرنسية في العام 2009م.
ويعتبر العديد من انواع المرجان في عدن من الانواع المسجلة تحت التهديد في القائمة الحمراء الخاصة بالانواع المهددة عالميا التابع للاتحاد الدولي لصون الطبيعة (lucn) منها على سبيل المثال:coniopora minor.favis. favus favia pallida.herpolitha limax.
ملاحات عدن .. النشأة والتاريخ
تشكل الملاحات معلما بارزا من معالم المدينة وترسخ هويتها وتفردها الطبيعي كونها حاضرة البحر.
ويمثل انتشارها ونجاحها في عدن دليلا واضحا وقاطعا على نموذج ناجح للاستخدام والتوظيف الامثل للأرض والموارد الطبيعية المتاحة محليا. خلال تاريخها الذي يعود إلى عهد الدولة الايوبية في عدن (قبل حوالي الف عام) ترسخ ذلك الإرث المتمثل بالتراكم النوعي للخبرات والكفاءات عبر الأجيال، حيث اكتسبت ملاحات عدن التاريخية شهرة عالمية لمنتجاتها وحازت على العديد من الجوائز العالمية.
خلال عمرها الجيولوجي من نشوء براكين عدن (ما بين 6.5 - 5.5) مليون سنة تباينت الطبيعة الفسيوجرافية لمدينة عدن (ومحيطها)، ما بين مراكز بركانية شكلت شبه جزر ومسطحات بحرية متداخلة فيما بينها، مما أدى إلى نشوء بيئات ساحلية مثل الخلجان والشواطئ والسبخات.
شكلت المناطق المنخفضة الواقعة في النطاق الذي يربط بين تلك المراكز البركانية باليابسة، حيث تنتهي تدفقات سيول وادي تبن عبر الوادي الكبير والوادي الصغير “دلتا” عند وصولها إلى القطاع المحاذي للمنطقة الساحلية، تمثل تلك الرواسب الطينية في عدن مواقع ارضية لنطاق من الاراضي الرطبة حيث تتخذ هيئة سبخات عادة ما تكون عرضة للغمر بواسطة مياه البحر.
تقع هذه المناطق في الجانب الشمالي لشبه جزيرة عدن وعدن الصغرى (ما بين ضاحيتي خورمكسر والمنصورة، وتمتد إلى الضفة الشمالية الشرقية من خور بئر أحمد، على مدخل مدينة عدن الصغرى البريقة).
مثلت تلك الملاحات نشاطاً ذا بعد تاريخي يتوافق مع طبيعة استخدام الارض والموارد البيئية بحسب خصائصها الطبيعية. تشير المراجع التاريخية، وابرزها المؤرخ العدني الفذ "ابو الطيب ابو مخرمة"، إلى ان الاستفادة من الخصائص الطبيعية لتلك الاراضي الرطبة في صناعة استخراج الملح (البحري) يعود إلى عهد الدولة الايوبية في عدن (قبل حوالي الف عام) واقاموا من اجل تلك المهنة العديد من المنشآت اهمها الملاحات.
تشكل الملاحات معلما بارزا من معالم مدينة عدن وترسخ هويتها وتفردها الطبيعي كونها مدينة حاضرة البحر، حيث يمثل انتشارها دليلا واضحا على نموذج ناجح للاستخدام والتوظيف الأمثل للارض والموارد الطبيعية المتاحة محلياً.

خلال تاريخها ترسخ الإرث المتمثل بالتراكم النوعي للكفاءات العلمية والعملية المحلية عبر الأجيال، والذي تحقق بمعايشة تفاصيل واسرار تلك الصناعة البيئية المستوطنة في عدن، حيث اكتسبت ملاحات عدن التاريخية شهرة عالمية لمنتجاتها وحازت على العديد من الجوائز العالمية.
لا تقتصر أهمية الملاحات في عدن على الجوانب الاقتصادية فقط بل تتعداها إلى غيرها من الوظائف الاستراتيجية والبيئية:
اقتصاديا: تمثل صناعة اقتصادية وطنية تعتمد على موارد طبيعية متجددة، يمكن تطويرها وتنويع منتجاتها الطبيعية والكيميائية.
بيئيا: تقوم تلك المسطحات المائية بتنقية وتلطيف المناخ المحلي خصوصا للتجمعات السكانية المجاورة، وتمثل موئلا بيئيا لعدد كبير من الطيور وأنواع متعددة من الكائنات البحرية يمكن توظيفها في مجالات السياحة البيئية والبحث العلمي.
استراتيجيا: تلك المسطحات تمثل فضاء واسعا لامتصاص أي “موجات مد” نتيجة لأي حدث طبيعي كارثي في البحار المجاورة.
سياحيا: يعتبر معلما طبيعيا وتاريخيا لا تتمتع بمثله سوى مدن معدودة في العالم يحوي العديد من المنشآت التراثية والتاريخية ابرزها طواحين الهواء القناطر المبنية من الآجر الأحمر، و “البوميس”.
*علامات مميزة في صناعة الملح بعدن
- بتاريخ 25 مارس 1886م انشئت اول شركة للملح في عدن. وهي (شركة الملح الإيطالية) ولا زالت مباني الملاحات قائمة حتى اليوم، ثم توالى إنشاء الشركات تباعاً.
- عام 1908م: أنشئت الشركة الهندية العدنية للملح، في الموقع الحالي للمؤسسة (بمنطقة خورمكسر بجانب مطار عدن الدولي) ولا زالت منشآتها قائمة في الموقع ومنها مبنى الإدارة.
- عام 1923م: أنشئت الشركة المتحدة لأعمال الملح والصناعات المحدودة في منطقة كالتكس ولا زالت اثارها باقية حتى اليوم.
- في نفس العام 1923 أنشئت شركة الملح (الفارسي) في مدخل مدينة عدن الصغرى (البريقة).
- في بداية عام 1970م أنشئت المؤسسة العامة للملح وعندها تم تطوير الطاقة الإنتاجية للمملاح إلى حوالي 150 الف طن في العام.
- في يناير 2006 تم ضم المؤسسة العامة للملح إلى المؤسسة الاقتصادية اليمنية، بتوجيهات رئاسية، وشملت القرارات اللاحقة اعتبارها محمية اقتصادية - بيئية - طبيعية يجب الحفاظ عليها، ورافقت تلك القرارات اعتبار البحيرات في منطقة خورمكسر وملحقاتها حتى منطقة خور بئر احمد “محميات أراض رطبة” بحسب قرار رقم (249 لعام 2008).
يعتبر ملح عدن من افضل انواع الملح في العالم نتيجة للارتفاع الكبير لملوحة خليج عدن وخلوه من الملوثات، وقد اكتسب شهرة عالمية وجوائز دولية.
*ملاحات عدن .. والتعديات المدمرة
أسهمت عوامل عديدة في إغلاق ملاحات "كالتكس" و "الفارسي" كنشاط انتاجي - تجاري إلا أن أحواض تلك الملاحات ماتزال في حالة جيدة وقابلة للاستخدام ولكنها تركت كالوقف دون تشغيل خلال العقود السابقة، عندما جاءت مافيا الاستحواذ على الاراضي وتم التشريع للبسط والتقاسم بحجج الاستثمار والتطوير والعمراني والسطو على احواض صناعة الملح التي تمثل اصولا تنموية مستدامة، وللأسف شاركت فيها بعض مؤسسات الدولة، واكتمل المشهد عندما تجرأ الصغار لإكمال المخطط من خلال التعدي بالبناء العشوائي على اجزاء من مساحات ملاحات عدن.
وتسببت تلك التعديات بالاضرار بالملاحات كمورد اقتصادي مستدام من خلال اقتطاع مساحاته وتهديد جودة منتجاته نتيجة لقرب مصادر التلوث، بالإضافة إلى التسبب في ارتفاع تكاليف النقل عبر القنوات البحرية الطبيعية.
الدورة الطبيعية لإنتاج الملح
تمر دورة انتاج الملح بعدة مراحل تبدأ بدخول مياه البحر من خليج التواهي بتركيز ملحي 35000 جزء في المليون بانسياب طبيعي عند ارتفاع المد عبر بوابات إلى الخزان الرئيسي الواقع شمال شرق طريق الجسر البحري CAUSEWAY ثم تنقل بواسطة مضخات إلى أحواض التركيز ومنها إلى بقية الأحواض عبر المراحل المختلفة من عمليات الإنتاج.
أحواض التركيز - عددها حوالي (70) حوضا ترتفع كثافة مياه البحر فيها إلى (140000) PPM.
أحواض التكثيف - عددها (10) ترتفع كثافة مياه البحر إلى (250000) PPM.
أحواض التبلور - عددها (51) ترتفع كثافة مياه البحر إلى (270000) PPM.
تجمع بواسطة الغرافات ثم تكوم لتجف ثم تعبأ في عبوات خاصة أو يباع كملح خام.
تقرير / رعد الريمي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى