"سأقتل أيَّ شخص حتى لو كان أخي".. واشنطن بوست: بعد 3 سنوات من الحرب في اليمن الكل عدو للكل

> «الأيام» عن الواشنطن بوست

> 3 سنوات مرت على الحرب في اليمن ولم تخلف حتى الآن إلا القتل والاعتقال والدمار والمرض لليمنين بكافة أطيافهم، ولم يكتب النصر لأحد رغم مرارة كل ما سبق، حتى أصبح القتل هو عنوان البلاد. وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الذي رصد الأوضاع في اليمن، فإنه لا يوحي هذا المُخيم الذي يغطي رقعةً قاحلة في العراء بأنَّه مأوى. ولم يكن هناك شيءٌ يُلهي النازحين الذين يقبعون في الخيام، لا توجد ملاعب، أو متاجر، أو مقاه؛ لا شيء يصرف انتباههم أو يمنعهم من التفكير في الحرب والقتلى. مرت ثلاث سنوات على مقتل والده على يد الحوثيين، لكنَّ عزام الشليف لم يهدأ غضبه بعد على ما حدث لوالده. اختطف الحوثيون والده المدرس من أمام منزله. وكانت هناك مفاوضات طويلة وأليمة لاستعادة جثته، لدرجة أنَّه لم يُصدق عودة جثة والده أخيراً إليهم، وكانت مشوهة بشكلٍ يصعب التعرف عليها.
*مناطق العدو
الشليف، الذي هرب إلى منطقةٍ تسيطر عليها الحكومة، ينظر الآن إلى المناطق التي يهيمن عليها الحوثيون على أنَّها "مناطق العدو"، وهو تصنيف يشمل مسقط رأسه وحتى أقاربه الذين انضموا إلى الحوثيين المتمردين. وقال الشليف عندما سُئِلَ عن كيفية انتهاء الحرب: "العدو لا يفهم كلمة حوار. لدينا عدو لا يريد أي حل". وبحسب الصحيفة الأميركية تجمَّع كل هذا الاستياء في مأرب، وهي عبارة عن جيب من الاستقرار النسبي الصعب استقبل عشرات الآلاف من الأشخاص الفارين من ساحات المعارك في اليمن خلال أكثر من ثلاث سنوات من الحرب الأهلية. وتشكلت معالم الحرب عبر العنف الرهيب الذي ألحقه المقاتلون بالمدنيين، والأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم التي نجمت عنه. ويخيم على الحرب صراعٌ بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران تسبب في إثارة الذعر على نحوٍ متزايد في العواصم الأجنبية، بما في ذلك واشنطن، حيثُ أدانت مجموعة من المشرعين الأسبوع الماضي تورط إدارة ترمب في هذا الصراع المدمر من خلال توفير المساعدة العسكرية والاستخباراتية للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين. كانت الضغوط على المجتمع اليمني أقل وضوحاً؛ الانقسامات والكراهية التي ستجعل من الصعب على الناس العيش معاً مرةً أخرى حتّى إذا توقفت الجيوش. وبحسب الصحيفة الأميركية، نظمت القوات المسلحة السعودية رحلةً إلى مأرب للصحفيين في شهر مارس، وكان يُؤمل من ورائها إظهار ما تقول الحكومة السعودية بأنَّه جهدٌ لتقديم المعونة والمساعدات المالية إلى اليمن. وكان الهدف من هذه الزيارة أيضاً مواجهة الانتقادات الضعيفة بأنَّ التحالف العسكري بقيادة السعودية الذي يدعم الحكومة اليمنية يتحمل الكثير من المسؤولية عن الكارثة الإنسانية، بسبب فرضه حصاراً جوياً وبحرياً وبرياً.
*الهدوء الخادع
وتعرضت مدن اليمن للإيذاء أو الدمار بسبب الغارات الجوية السعودية أو القصف الحوثي. لكن هناك طفرة في البناء في مدينة مأرب عاصمة محافظة مأرب، والكهرباء متوفرة بصورةٍ منتظمة، وهناك الكثير من الوقود. وفُتِحَت المطاعم، والفصول ممتلئة في جامعة المحافظة. وهناك مستشفى جيد التجهيز، وهو واحدٌ من القلائل القادرين على العمل بشكلٍ طبيعي في البلد بأكمله. وقال عبدربه مفتاح نائب المحافظ إنَّ مأرب “استفادت بتدفق اليمنيين إلى المدينة واستثمارهم فيها، ومنهم رجال الأعمال. ووجد آخرون ممن نزحوا وظائفَ في البناء. وهم معاً "يشعرون أنَّهم جزء من المدينة" حسب قوله. لكنَّ الهدوء يمكن أن يكون خادعاً. إذ لا تزال الصواريخ تسقط على المدينة، تُطلق من الخطوط الأمامية الثابتة على بعد بضعة عشرات من الأميال. ودمر كمين للحوثيين مؤخراً شاحنة كانت تسير على الطريق السريع على مشارف المدينة. والضغوط التي تُلقي بثقلها على القادمين الجدد لمأرب كانت واضحة، من قبيل الانفصال المؤلم عن العائلات والمنازل، والعداء المتصلب تجاه اليمنيين الذين أصبحوا على الجانب الآخر من النزاع، بحسب الصحيفة الأميركية. عمران عمار، الجندي ذو الوجه الطفولي الذي يحرس أحد مواقع خطوط المواجهة على قمة جبل يُطل على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون، قال إنَّه كان في نفس الموقع منذ عامين تقريباً، عندما كان عمره 18 عاماً. وتمكَّن عدة مرات منذ اندلاع الحرب من السفر إلى مسقط رأسه عبر الخطوط الأمامية إلى أراضي المتمردين. لكنَّه كان سعيداً في الجبهة، وهو يعرض على الصحفيين اطلاعهم على الجثث المتحللة للمقاتلين المتمردين.

*سأقتل أي شخص حتى لو كان أخي
وبحسب الصحيفة الأميركية، جاء عمار من عائلة مزارعين ، لكنَّهم جميعاً قاتلوا إلى جانب الحكومة. كان واجبه كما يراه هو "الدفاع عن دينه وشرفه" ضد المتمردين. ومن أجل ذلك يقول: "سأقتل أي شخص. حتى لو كان أخي". أما بدر شريف (30 عاماً) الذي كان يدرس إدارة النفط والغاز في الخارج قبل الحرب، فكان يقف في مكانٍ قريب بينما عمار يتحدث. وقال: "نشعر بالأسف. لا نريد أن نكون في هذا الموقف. لكن ماذا يمكنك أن تفعل؟". يرافق شريف شقيقه المسؤول اليمني الآن في زياراته المنتظمة إلى خط المواجهة. وعلى مرمى البصر كانت صنعاء، العاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون، وهي هدف عسكري لهؤلاء الجنود، وربما تصبح مدينة يمنية أخرى منكوبة. ويقول شريف: "لا نريد سحق صنعاء. الكثير من الناس يعانون". في مأرب، كانت هناك تعبيرات متكررة عن الامتنان للحكومة السعودية، التي طالما كانت تدعم المحافظة وقبائلها مالياً. وقال أحمد الضباع العضو في حزبٍ إسلامي كان يُعارض الحوثيين بشدة بينما كان يجلس في خيمةٍ بسيطة في أحد المعسكرات التي تمولها السعودية: "إنَّهم الأشخاص الوحيدون الذين ساعدونا”، بحسب الصحيفة الأميركية. كانت هناك نداءات للوحدة أيضاً، لكنَّها كانت مجرد نداءات عابرة. كان الناس مغرمون بقول "كلنا يمنيون"، قبل أن يُصروا على أنَّ المتمردين “حيوانات” يرون أعداءهم إرهابيين.
تقسيم اليمن أمر حتمي
وبحسب واشنطن بوست خلُص الكثيرون إلى أنَّ تقسيم اليمن -ربما إلى دولٍ اتحادية- أمرٌ حتمي، بل هو الحل الأفضل لمواجهة مظالم جميع الأطراف المتنافسة. وفي جنوب اليمن، تتجدد الدعوات إلى الانفصال عن حكام الشمال المتهمين بعقودٍ من القمع والإهمال. جديرٌ بالذكر أنَّ شمال وجنوب اليمن كانا دولتين منفصلتين حتى عام 1990، وبعد أربع سنوات، خاضتا حرباً أهلية قصيرة. لكن حتى التقسيم الرسمي يتطلب نوعاً من الاتفاق الوطني. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، جعلت فاتورة الأخطاء المزعومة من هذا الاتفاق أمراً صعب المنال، أصعب من أي وقتٍ مضى. ويكمن الخوف الأكبر من أنَّ الطائفية الدينية بين المسلمين السنة والشيعة - وهو العداء نفسه الذي دمر العراق- يمكن أن تترسخ في اليمن، حيثُ هذه الانقسامات غير مألوفة إلى حدٍ كبير، وكذلك أن تكون للطبيعة الطائفية للصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران آثارٌ على اليمن. دعم زعماء السنة في المملكة العربية السعودية قوات الحكومة السُنّية في اليمن، بينما دعمت الحكومة الشيعية الإيرانية الحوثيين، وهي جماعة شيعية زيدية. تتراكم المخاوف مع كل اغتيال أو غارة جوية أو انفجار سيارة مفخخة أو عملية خطف. وبالقرب من خط المواجهة على الطريق المؤدي إلى صنعاء، كتب أحدهم "لا للطائفية" على جانب جبل، فيما بدا كتحذيرٍ للجنود الذين تستهلكهم أبشع المعارك، بحسب الصحيفة الأميركية. ويقول محمد الصابري أستاذ اللغة الإنكليزية في الجامعة المحلية المنحدر من مدينة تعز في غرب اليمن: "عندما يأخذ هذا الصراع المنحى الديني، لا يمكن تسويته". يشجع محمد طلابه مؤخراً على التحدث عن الصراع. ويقول: "إنَّهم قلقون بشأن أقاربهم.. وقلقون بشأن وطنهم". كان محمد أيضاً يُدَّرِس رواية "مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل، التي يبدو أنَّها وجدت صداها بين التلاميذ الذين سئموا من فشل السياسيين اليمنيين، الذين يُقيم العديد منهم بشكلٍ مريح في الشقق الفارهة خارج البلاد. وأضاف: "يقول هذا الحزب إنَّه يقاتل من أجلنا، ثم يقول ذاك الحزب إنَّه يقاتل من أجلنا”. فقد بعض طلابه اليائسين الأمل. ويقول محمد محسن (24 عاماً): "لقد غيّروا أحلامنا، ودُمِّر كل شيء. لم يبق شيءٌ على حاله. لم تكن هناك فائدة لهذه الحرب".
«الأيام» عن الواشنطن بوست

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى