اقتتال وفقر وبؤس ومعاناة.. الحديدة.. الموت يحصد الأبرياء بلا هوادة

> تقرير خاص

> الضجيج سيد الشارع في الحديدة، تشاجر بين المواطنين، ونساء وأطفال، ورجال يفترشون الأرصفة، وأزمات في شتى مناحي الحياة، جعلت ملامح الريف ظاهرة يومية في أحياء مدينة الحديدة وحاراتها.
الوقت صباحا، مصطفى ذو العشرة أعوام يكافح في ظل الحرب بأسطوانة غاز بطابور يمتد على طول الشارع.. وجوه شاحبة ارتسمت على ملامحها أوجاع حرب اجتاحت الوطن، وأحرقت خيراته، وسفكت دماء أبنائه.. إنه ذات الوجع الذي تعاني منه أغلب المحافظات اليمنية منذ صفقت الحرب بجناحيها ونثرت رمادها على ترابها الطاهر.
أيقظته أمه صباحا.. إخوانه بحاجة لوجبة فطور تعدها الأم كل صباح، قلابة عدس يحصلون عليه من منظمة تعمل في المحافظة، وخبز يتصدق به صاحب فرن قريب منهم، كان قد طلب من عماله في الفرن إعطاءهم بمائة وخمسين ريالا كل صباح، قليلا من الخبز أو الروتي، نظرا لظروفهم المادية القاسية.
خرج مصطفى بأسطوانة الغاز وخلفه صراخ إخوانه وحاجة أمه للغاز، ذهب ليلتحق بطابور من المواطنين الذين خرجوا لذات الحاجة، كان الطابور طويلا، إلا أن مصطفى صمد حتى وصل إلى النهاية، الوقت ظهرا، لم يكن أمامه إلا أن يصبر حتى يصل، وإن أكل إخوانه الخبز الذي تصدق به خباز الحارة دون عدس.. فجأة نشب حريق في المحطة، تفرق الجميع، واعتلت صرخات النساء، وضجيج الرجال، تركوا أسطوانات الغاز مربوطة في سلاسل حديدية، منهم مصطفى، ساهم كثير منهم في إخماد الحريق، وتمت السيطرة عليه دون أضرار، عاد الجميع لمواصلة سير الاصطفاف، وعاد مصطفى لمكانه، حينها الوقت ما قبل العصر، أتت أمه غاضبة بيدها سوط، كانت تصرخ باكية «أينه مصطفى؟.. متنا جوع وهو ماجبش امغاز، إخوانه ذبحوني من امبكى».
قامت بضربه بالسوط، كان خائفا يحاول الهروب بجسده من ضربات السوط يحاول تبرير تأخره «أمي.. وربي زحمة كيف اهب أنا؟!».
تدخل الجميع وذهبت منزلها، تركت مصطفى ممرغا بالتراب بجانب أسطوانة الغاز، فجأة أتى نافذون مسلحون مدججون بالبنادق، أوقفوا محطة الغاز وطلبوا من المواطنين مغادرة المحطة مع أسطواناتهم، كان مصطفى غاضبا، أخبرهم أنه لن يتحرك إلا بعد تعبئة أسطوانته التي يصطف بها منذ السابعة صباحا، وكزه أحدهم بمؤخرة البندق «خذ حقك الأسطوانة وإلا ما بيحصل لك خير».. غضب مصطفى وبدأ يهاجمهم ببراءة طفل، غضب أحدهم ووجه بندقيته نحو مصطفى وأطلق النار عليه.. رصاصة اخترقت رأس مصطفى، فأردته قتيلا بجانب أسطوانات الغاز المتراصة، سال دمه دون ذنب، فقد أراد أن يعيش بتلك الأسطوانة، فقط من أجل البقاء، هرب الجميع، منهم من أخذ أسطوانته ومنهم من فرّ دونها.
بقي مصطفى على أرض الحديدة التي لطالما أنّت من ويلات الحرب ووجعها، ومحطة الغاز وأسطوانات تركها أصحابها هلعا.
بات الدم اليمني رخيصا للغاية، وأصبح الموت ليس مكلفا على خلاف البقاء الذي أصبح باهظ الثمن، اقتتال وأزمات فجرت حرب بجانب الحرب، حتى الحطب هو الأخير ارتفع سعره وتزاحم المواطنون على شرائه، لم يعد في الحديدة شيء رخيصا ولا متوفرا، في شارع الربصة حزم الحطب متراصة لكن ارتفاع سعرها تركها كما هي، قبل أن تشتعل أزمة الغاز كان سعر حزمة الحطب بـ600 ريال، أما الأن فقد وصل سعرها إلى 2000 ريال.
كثير من المواطنين لجأوا إلى الكراتين ونحوها كبديل عن الحطب الذي ارتفع سعره، إلا أنها لم تفِ بغرض الطهي، ارتفاع درجة الحرارة زادت المعاناة، لم تتمكن ربات البيوت من طهي الطعام بالنار.
اشتعال أزمة الغاز فجر أزمة نقل في الحديدة، حيث إن أغلب باصات الأجرة والنقل تعمل بالغاز، الأمر الذي أوقف الكثير من مركبات الأجرة، كثير من المواطنين يحثون الخطى مشيا تحت خيوط الشمس اللاذعة، بعد أن وجدوا مبلغ المشوار يغطي وجبة يوم لأسرهم.
في شوارع الحديدة، تكثر الدراجات النارية التي تعد مصدر دخل كثير من الأسر، وكذلك باصات الماشي التي بات المواطنون يعتمدون عليها في مشاويرهم بالدرجة الأولى، تزامنا مع ارتفاع مشاوير المركبات الخاصة.. فمائة ريال، أفضل من أربعمائة ريال قد يوفرها المواطن لوجبة العشاء أو مصاريف لأبنائه للمدارس.
أحد سكان مديرية الحوك في الحديدة، ويدعى «محمد سالم»، قال: «إن أزمة واحدة تفجر مئات الأزمات، ويذهب ضحيتها المواطن إلى الجحيم.. وحدها الحرب تعي ذلك، ووحده المواطن في الحديدة يعي ما تخلفه الحروب على الأوطان ومواطنيها».
وأضاف سالم لـ«الأيام»: «إن الحديدة تعيش أزمات، وتشرد، وضياع، وفقر، وبطالة، واقتتال، وهدر دماء ومواطن يموت جوعا وعطشا».
تقرير خاص

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى