شاب يمني تلقى رصاصة ضالة فاكتشف الأطباء في جرحه خطراً صحياً قاتلاً.. القطاع الصحي في اليمن كان ضعيفا فأتت الحرب لتدمره كليا

> «الأيام» عن «نيويورك تايمز»

> «الأيام» عن «نيويورك تايمز»
بدأت الحكاية بجرح عادي بطلقة نارية عادية في مناطق الحروب. لكن رائحة غريبة نبهت الأطباء إلى ما يمكن وصفه بالأسوأ في خبراتهم. فبعد يومين من إجراء جراحة لشاب يمني على أيدي أطباء منظمة «أطباء بلا حدود»، انبعثت رائحة غريبة من جرح.. واكتشف الأطباء أن الرصاصة التي أصابت ساق طالب جامعي (22 عاماً) في أحداث العنف الدائرة في اليمن، فتّت عظامه وأحدثت ثقباً في نسيجه الرخو.
وبدأت تلك الرائحة الكريهة تنبعث من الجرح ما يشير إلى حدوث التهاب خطير، ربما يكون قاتلا. هنا أدرك الأطباء أنَّ المضادات الحيوية العادية لم تعد تأتي بمفعول، فأرسلوا عينات من اختبار مزرعة دم إلى معمل الأحياء المجهرية الجديد التابع لهم في المنطقة لتحليلها.
وكشف الاختبار عن وجود بكتيريا من نوع راكدة بومانية، المقاومة لأغلب أنواع المضادات الحيوية العادية، كما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية. ولا يعرف الأطباء من أين جاءت هذه البكتريا. نجوان منصور كبير الأطباء في برنامج إدارة المضادات الحيوية التابع لمنظمة أطباء بلا حدود قال للصحيفة إنَّ كيفية إصابة هذا الطالب بهذه البكتيريا المقاومة للدواء مجهولةٌ حتى الآن، لكنّ هذه البكتيريا منتشرة جداً في اليمن، ومن المحتمل أن تكون قد أصابته من الرصاصة نفسها أو من الرمال التي وقع عليها حين أصيب.
بدأ الأطباء علاج الشاب اليمني بمضادات حيوية خاصة وقوية نادراً ما يتم استخدامها بسبب آثارها الجانبية عالية المخاطر. كما خضع المصاب لسبع جراحات، وطالت فترة بقائه في المشفى إلى 3 أسابيع، تم عزله فيها حتى لا ينقل العدوى إلى المرضى الآخرين.
الطالب اليمني - الناجي من الموت - كان محظوظا، حسبما يقول نجوان منصور: «فأغلب المستشفيات في اليمن تفتقر إلى الإمكانيات والإجراءات اللازمة لكشف العدوى المضادة للأدوية وعلاجها، وإذا كان المريض قد دخل أي مستشفى آخر، لربما كانت ساقه قد بُترت أو تُوفي».
لكنهم يعرفون أن اليمن صار مرتعا للبكتيريا المقاومة.. ما أصاب الشاب اليمني وآلاف من اليمنيين غيره كان نتيجة لحملة القصف التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، والتي خلفت حوالي 10 آلاف قتيل وعدة آلاف من المصابين. ولا يعرف أحد حتى الآن الكُلفة الحقيقية للحرب على المستوى الضحايا من البشر، لأن الإصابات قد تظهر في فترات بعيدة، حيث صار اليمن مرتعا لأنواع من البكتيريا التي تقاوم المضادات الحيوية، بسبب انهيار البنية التحتية للمجال الطبي، وتدني مستوى النظافة في البلد الذي يعد الأفقر في العالم العربي.
وبحسب آنا ليتيسيا نيري، المنسقة الطبية لفرع منظمة أطباء بلا حدود في اليمن فإن أكثر من 60 % من المرضى المحتجزين بمستشفيات المنظمة الطبية الدولية في مدينة عدن تحمل أجسادهم بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية. وأن الشرق الأوسط يواجه «انتشاراً مرعباً» لهذه البكتيريا.
واليمن ليس وحده الذي يواجه مشكلة البكتيريا المقاومة لأن منطقة الشرق الأوسط تشهد منذ عقود صراعات مسلحة. وقد تم اكتشاف مشكلات مماثلة في مناطق أخرى من الشرق الأوسط من بينها العراق وسوريا، بل وفي الدول التي تستقبل الهاربين من جحيم الحروب مثل الأردن. وتقول آنا: «يشهد الشرق الأوسط انتشاراً مرعباً جداً للبكتيريا المقاومة لعدة أدوية». وتطبق منظمة أطباء بلا حدود إجراءات من شأنها تقليص اثر البكتريا، لكن الإجراءات التي تتبعها المنظمة عند استخدام المضادات الحيوية في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، غالباً ما تكون غير فعالة في اليمن- كما تقول آنا- أو أي من دول الشرق الأوسط التي تمزقها الحرب، نتيجة الانتشار الواسع للبكتيريا المقاومة للأدوية.
ويزيد من حدة المشكلة أن منطقة الشرق الأوسط تعاني مما يمكن تسميته بهوس استخدام المضادات الحيوية . حيث كشفت دراسةٌ تم اجراؤها في عام 2014 عن انتشار استخدام المضادات الحيوية بدون وصف الطبيب بنسبة 48% في السعودية، و78% في اليمن. وكانت سوريا من كبار منتجي المضادات الحيوية سواء للاستخدام المحلي أو للتصدير.
*الوضع أكثر خطورة
وربما يرجع السبب في عدم تحسن حالة المرضى، على الرغم من تعاطي المضادات، إلى أن اليمن تعرض في الحملة الخليجية لتدمير النظام الصحي الذي كان موجودا فيه.
صحيح أن النظام الصحي كان ضعيفا لكنَّ الحرب دمرته مثلما دمرت البنية التحتية للمياه والصرف. فبسبب هذه الحرب يعاني نحو 17 مليون شخص يمني الجوع، بحسب تقارير للأمم المتحدة من اليمن.
وتشير تقديرات متحفظة إلى أن 10 آلاف مدني يمني لقوا حتفهم، بينما أصيب 52 ألفاً آخرون، ما يعني أن اليمن التي كانت تعرف قديما باسم «اليمن السعيد» صارت أرضا خصبة لتكاثر العدوى المقاومة للأدوية. كما تكشف الأرقام الدولية انتشار الكوليرا في اليمن وظهور الأمراض المرتبطة بسوء الرعاية وضعف مستوى النظافة مثل التيفود.
هذا المشهد يصور الكارثة: خدمات صحية فقيرة في بلد مازالت المضادات الحيوية متاحة فيه على نطاقٍ واسع دون إشراف طبي، وعدد هائل من المصابين في المستشفيات، مع سوء النظافة الشخصية وممارسات مكافحة العدوى.
وبسبب زحام المرضى في المشافي يلجأ الأطباء في اليمن إلى استخدام مضادات حيوية قوية حتى في حالات العدوى البسيطة، مما يهدد بـ«خلق جيل جديد من البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة»، على حد قول منصور.. لافتاً إلى أن ذلك يمهد دون قصد إلى انهيار الصحة العامة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى