بين الفعل والفعل المضاد.. الانفصال أضحى ممارسة منهجية وسلوكا طبيعيا تلى إعلان الوحدة

> تحليل / جلال السعيدي

> كثيرة هي الأحداث التي يحفل بها الواقع اليمني المثقل بالمخاطر والتحديات، منذ سنوات خلت، جنوبا كانت أم شمالا، لكن الأحداث العاصفة التي حلت في العقد الأخير، حملت معها متغيرات كبيرة وهائلة، وأحدثت تأثيراتها الشديدة خللا حادا في هيكل «المنظومة» السلطوية المتكاملة والمتجذرة الولاء والطاعة، في تفاصيل الحياة بكل معانيها الفكرية والعفوية.
ولا يوجد أدنى تحفظ إن أردنا القول صدقا وتجردا إن مهددات بقاء وديمومة هذه «المنظومة» كانت تكمن حقا في أساسها الركيك المرحل الهش.. وغير المتين، المحمي بمنطق الجبروت وهيمنة الفساد المطلق.
من أول يوم تلى إعلان توقيع الوحدة، بين دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية وشقيقتها وجارتها الجمهورية العربية اليمنية، والانفصال هو السمة السائدة التي تتجسد عمليا على أرض الواقع، وفي شتى مناحي الحياة، بل هو الفعل الدال على كل الأحداث المقترنة بالماضي والحاضر والمستقبل.
الانفصال أضحى وما يزال ممارسة منهجية، وسلوكا فطريا وطبيعيا، لا يخضع للتطويع ولا يحتكم لنظم الحياة ولا قوانينها النافذة.
لسنا في وارد الحديث عن ملفات الماضي وتفاصيلها المضنية، حتى نقيس على هذه الحقيقة التي باتت تفقأ عين الشمس في كبد السماء، أو أن نخوض الآن في كل مجريات التاريخ وجزئياته الشائكة، لكننا سنكتفي بإيجاز أهم منعطفات الفصل الأخير من تجليات وأسرار حكاية هذا الانفصال:
المنعطف الأول: الحراك السلمي جنوبا مقابل القمع الوحشي المسكوت عنه شمالا.
المنعطف الثاني: ثورة 2011 القادمة من خارج الحدود والتي تكللت بتقاسم السلطة مناصفة بين الثائر والمثار عليه مقابل إسقاط المناطق الجنوبية بيد القاعدة.
المنعطف الثالث: حرب 2015 تم فيها تسليم الدولة للحوثيين شمالا مقابل المقاومة والاستبسال ضدهم جنوبا.
المنعطف الرابع: التحرر جنوبا مقابل الانحناء والخضوع شمالا.
المنعطف الخامس والأخير: اختزال الشرعية شمالا مقابل الإلغاء والتهميش جنوبا.
لقد ظلت كل التنقضات تلتقي مع كل مرحلة من مراحل حقبة «الوحدة» المزعومة بين الدولتين، ليمضي الزمان في طريقه، وتمضي معه الأشياء كلها في ذات الطريق، وقد أصبح من الطبيعي أن يحدث ما حدث في خضم رحلة السير هذه، وأن يصل الحال حتما إلى ما وصلنا إليه بكل تلقائية.
وعطفا على ما تقدم كان لابد من إدراك أن الزمن لن يتوقف لأجل أحد أبدا، ولن يعود بأحد أيضا إلى الوراء حقيقة قطعية - بعيدا عن شعارات الاستهلاك - وكم هي التجارب كفيلة بضرورة التدبر وإمعان التفكير، بعد أن ولد الفعل وردة الفعل واقعا أقرب إلى الانفصال مما سواه!
فمن لم يسر مع الزمن، فإن الزمن سيواصل السير دونه، وكفى بسالف الأيام أن تظل تحمل في كنفها ذكريات وشواهد وأحداثا أبهجت وأسرت أناسا من القوم وساءت وأتعست منهم أناسا آخرين.
تحليل / جلال السعيدي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى