حرب الجواسيس ! بين الغارة الجوية والضربة المدفعية والتصفية بـ«مسدس».. الصماد لغز محير

> تقرير / وهيب الحاجب

> تقرير/ وهيب الحاجب
معركة التحالف العربي مع الحوثيين دخلت مرحلة جديدة بتكتيكات مختلفة كشفت عنها طريقة اغتيال رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد.
فالرجل - وفقاً للرواية الرسمية التي أعلنتْها جماعة الحوثي - قُتل أو اغتيل بغارة جوية لطيران التحالف العربي في محافظة الحديدة، يوم الخميس 19 أبريل 2018م.. غير أن صحيفة «الثورة» الصادرة من صنعاء، والخاضعة لسيطرة الحوثيين، نشرت أمس الأول الإثنين 23 أبريل خبرا رئيسيا في صفحتها الأولى تحت عنوان (القائد الأعلى للقوات المسلحة يطلع على إنجازات التصنيع العسكري)، وجاء في تفاصيل الخبر، المدعم بصور الرجل أثناء الزيارة، أن «الصماد زار ورشة التصنيع أمس»، أي في اليوم السابق للنشر وهو يوم الأحد 22 أبريل، ما يعني أن الصماد بعد زيارته للحديدة (التي كان متواجدا فيها يوم الخميس 19 أبريل) عاد إلى صنعاء سالما، وأنه كان بعد 19 أبريل على قيد الحياة.
اللافت في الأمر أن إعلام الحوثي نشر أمس الأول الاثنين روايتين مختلفتين ومتناقضتين عن تحركات الصماد ومصيره، ففي الصباح ذكرت صحيفة «الثورة» أنه زار ورشة التصنيع العسكري يوم الأحد 22 أبريل، وفي المساء أذاعت قناة المسيرة بيان النعي وذكرت أنه قُتل الخميس 19 أبريل في الحديدة، ما يشير إلى فرضيات أخرى وروايات قد تتجاوز الغارة الجوية.
مصادر مسؤولة في حزب المؤتمر الشعبي العام قالت إن الصماد حضر يوم السبت 21 أبريل جنازة أحد عناصر الجماعة في جامع الصالح بصنعاء، وهو ما أكده أيضا محمد المسوري محامي الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
ناشطون ومدنيون يمنيون في صنعاء ذكروا في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أن «‏الصماد لم يُستهدف يوم الخميس 19 أبريل ولم يقتل في الحديدة، فقد كان في جنازة «القوبري» السبت 21 أبريل وتمت تصفيته مساء اليوم نفسه (السبت) برصاص الرزامي، بحضور أبو علي الحاكم ومحمد علي الحوثي في منزل الشامي بشارع بيحان»، وهو الاتجاه نفسه الذي ذهب إليه القيادي المؤتمري د.عادل الشجاع، الذي قال إن الصماد «تمت تصفيته على أيدي مسلحين حوثيين داخل صنعاء». غير أن مثل هذه التكهنات تتراجع أمام ما استُجِدَّ بعد ساعات من إعلان مقتل رئيس المجلس السياسي، وهو الكشف عن مقتل عدد من الوزراء والمسؤولين في حكومة الحوثيين بينهم كل من: علي حمود الموشكي، نائب رئيس هيئة الأركان، فارس مناع، محافظ صعدة السابق، صادق أبو شوارب، ضيف الله رسام، حسن مقبولي، وزير المالية، أحمد عبد الله دارس، وزير النفط، نبيل الوزير، وزير المياه والبيئة، ما يعني أن الصماد قُتِل في ضربة صاروخية استهدفت جمعا من المسؤولين الحوثيين، وبغض النظر إن كانت الضربة بغارة جوية قامت بها مقاتلات التحالف العربي أم من مدفعية أطلقت من مكان ما في الحديدة أو صنعاء.
طريقة إعلان مقتل الصماد في قناة «المسيرة» والتفاصيل التي وردت على لسان عبدالملك بدرالدين الحوثي تتشابه تماما مع تعاطي وسائل إعلام الحوثي عند اغتيال علي عبدالله صالح، يوم 4 ديسمبر 2017، وبالأسلوب ذاته الذي فبرك مكان قتل «صالح» وأنتج الصور المزيفة لنشر مشهد مخالف لواقعة المواجهات مع قوات صالح في منزله.
المؤكد حتى الآن فقط هو أن الصماد قتل مع عدد من الوزراء والمسؤولين في حكومة الانقلاب، لكن الكيفية والمكان وبقية التفاصيل ستظل قيد التكهنات وربما ستبقى لغزا محيرا ردحا من الزمن نظرا للآلة الإعلامية والإمكانية الدعائية الرهيبة التي تمتلكها جماعة الحوثي في الفبركة وتزوير الحقائق وقلب الوقائق واختلاق الأحداث وبثها بشكل سريع وملفت، وهي قدرات وإمكانات يشرف عليها ويديرها خبراء إيرانيون أرسلتهم طهران إلى صنعاء ضمن دعمها اللوجستي والعسكري للحوثيين.
صالح الصماد يمثل الطرف الأكثر اعتدالا داخل الجماعة الحوثية، ولم يبدو متعصبا للمذهب وزعمائه الروحيين في صعدة، كما هو حال الغالبية من قادة الجماعة، واتسمت خطاباته وآراؤه بالاتزان السياسي غير المتعصب، وكان منفتحا على بقية الأطراف والأحزاب والشخصيات في صنعاء ومناطق شمال الشمال.. ويبدو أنه الوحيد من قيادات الصف الأول للجماعة الحوثية الذي يحمل مؤهلا جامعيا، ووصل إلى رئاسة المجلس السياسي الأعلى بمؤهله العلمي وبمكانته الاجتماعية وليس بانتمائه للمذهب الحوثي والعقيدة التي يسيرون عليها أو بنسبه المناطقي وانتمائه كأحد أبناء صعدة، فهو ليس مقربا كثيرا من سلالة مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، وهذا يكفي لئلا يكون الصماد من قيادات الصف الأول، غير أن ظروفا بينها المؤهل الجامعي والقدرات والمكانة دفعت بالرجل إلى مركز القيادة دون ارتياح كثير من أطراف الحركة الحوثية لاسيما سلالة السيد وأتباعهم، وبالتالي ظل هدفا للإطاحة به، ولا يستبعد أن يكون في الفترة الأخيرة أصبح هدفا للتصفية الجسدية والتخلص منه حتى وإن كان بطائرات التحالف. ولعل ما يعزز هذا الطرح هو الإسراع في تعيين مهدي المشاط خلفا للصماد، والمشاط هو صهر عبدالملك الحوثي ومدير مكتبه وأحد أبرز الشخصيات الحوثية تعصبا وتشددا وعداء للسلفيين، فهو من قاد الجماعات المسلحة التي اقتحمت معهد دماج السلفي.
وشهدت الفترات الأخيرة خلافات حادة بين الصماد وزعيم الجماعة عبدالملك بدر الدين الحوثي على خلفية رؤى طرحها رئيس المجلس السياسي بشأن الإيرادات المالية والمقدرات التي يسيطر عليها الحوثيون، بينها عائدات الجمارك وإيرادات ميناء الحديدة، إضافة إلى موقف الصماد من عمليات التجنيد الإجباري للأطفال، الذي يبدو أنه كان موقفا معتدلا بعض الشيء، على خلاف توجهات الحوثي نحو الزج بصغار السن إلى الجبهات.
فرضيات التصفية لا تقتصر فقط على الفعل المباشر باغتيال الصماد، بل تتعداها إلى ضلوع قيادات حوثية بإعطاء طيران التحالف العربي إحداثيات المكان عن طريق تسريب تحركات الصماد إلى قيادات في جيش الشرعية وضباط الربط والغرف المشتركة بين التحالف العربي وقوات الشرعية اليمنية، فالصور الفضائية التي بثتها قناة «المسيرة» للضربة الجوية قبل أن يبثها التحالف العربي نفسه تشير إلى ترتيبات من هذا النوع، وتحمل فيما تحمله من مشاهد أن الضربة قد تكون بطائرة مسيرة (دون طيار) رصدت هدفها عن طريق شريحة إلكترونية زرعت في سيارة الصماد.
وفي كل الأحوال، فإن مقتل الصماد وعدد من القيادات الحوثية، إن كان فعلا بضربة جوية، لا يخلو من عمل استخباراتي دقيق عمدت إليه قوات التحالف العربي لملاحقة هدفها، وإن العملية لا تخلو من تقدم حقيقي وصل إليه التحالف في مساعيه لاختراق الحوثيين استخباراتيا وضربهم من الداخل، وهو ما أكده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي قال الشهر الماضي لصحيفة أمريكية إن لدى التحالف استراتيجية جديدة للتعامل مع الحوثيين بحرب استخباراتية تعمل على اختراق الجماعة وضربها من داخلها.
وأي كانت طريقة التصفية التي استهدفت قياديا حوثيا بحجم الصماد قتل أو اغتيال، مدفع أو طائرة، بطيار أو بدون طيار، فإن النتيجة ستكون مؤلمة وقاسية على الجماعة الحوثية ومعنويات مقاتليها وتماسك جبهاتها واستمرار عملياتها بنفس الروح.. ولا محالة، فإن الجماعة باتت أكثر عرضة للتفكك من داخلها، وستشهد خلال الفترة القادمة انشقاقات واسعة وعمليات تصفية مماثلة وخيانات قد تصل إلى المواجهات العسكرية بين بعض أطراف الحركة في صعدة وصنعاء وعلى مستوى القياديين الميدانيين في جبهات القتال على الحدود ومعسكراتهم في الداخل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى