الإرهاب.. أوروبي المولد - أمريكي التهجين (6)

> أ. د. علوي عمر مبلغ*

> أنواع الإرهاب وأشكال تعدده
أ. د. علوي عمر مبلغ
أ. د. علوي عمر مبلغ

يختلف الإرهاب في الأذهان مع صور أخرى من أعمال العنف، التي تقف معه في بعض الخصائص إلا أنها تختلف معه اختلافًا جوهريًا في بقية الخصائص. ولم يقتصر هذا الخلط على غير المتخصصين من الباحثين، بل تجاوز إلى بعض ذوي الخبرة العلمية، أو الدارسين للعنف السياسي، حيث يذكرون الإرهاب في مواضع يقصدون بها صورًا أخرى من العنف، إلا أنها ليست إرهابًا وفق التعريف الذي سبق وإن تعرضنا إليه في السابق. وعلى الرغم من اعتقادنا بأن دراسة التعريف التي أسلفناها، كافية إلى حد ما، للتعبير عن الظاهرة وتمييزها عما عداها، إلا أن من الجدير أن نجري مقارنة بين الإرهاب وبين الصور الأخرى من العنف التي تشترك معه في بعض الظواهر، التي يشيع في شأنها الخلط مع الإرهاب.
أولاً: الإرهاب وحرب العصابات.
ثانيًا: الإرهاب وديكتاتورية الدولة.
ثالثًا: الإرهاب والجريمة السياسية والجريمة المنظمة.
رابعًا: الإرهاب الدولي والإرهاب المحلي.
أولاً: الإرهاب وحرب العصابات
لقد تحولت أفكار مارتسي تونج عن الحرب الشعبية، أثناء التطبيق في منطقة مدنية إلى إرهاب حضري يأخذ كل صور الإرهاب المعروفة وأنماطه، وفي أمريكا اللاتينية، نجحت الثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو في الاستيلاء على السلطة، بعد حرب تحريرية تمثلت في عمليات العصابات ضد حكومة باتستا، وعلى نمط ثورة كوبا، حاول جيفارا أن يقوم بنفس المهمة في بوليفيا إلا أنه لقي مصرعه هناك، وكان ريجيس دوبريه وهو مدرس فرنسي كان يقيم في كوبا قد شرح مبادئ حرب العصابات وفق التجربة الكوبية في كتابه: “ثورة في الثورة” (Revolution in the Revolution) الذي نشر في كوبا عام 1967م وتبعه ماركوس ماريجيللا في الأرجواي والبرازيل حيث نشر مبادئه في كتابه: “Mini Manual of the Urban Guerrilla” الذي ذاع صيته في جميع الأوساط الثورية في العالم.
وتكاد لا تختلف آراء ماو تسي تونج ودوبريه وجيفارا فيما يتعلق بدور الإرهاب في حرب العصابات، ويعبر ذلك بوضوح في الفقرة التي أوردها جيفارا عن الإرهاب في كتابه عن حرب العصابات حيث يقول: “ ويعتبر التخريب سلاحًا ثوريًا مهمًا، ولكن يجب التمييز بينه وبين الإرهاب، فالقيام بعمليات إرهابية لا تمييز فيها ضد جماعات من الناس العاديين سلاح مغلول، وقد يؤدي إلى عمليات ثأرية شاملة، ولكن الثأر من وحشية رجل يحتل مركزًا مهمًا في قيادات العدو أمر له كل ما يبرره، ولكن يجب ألا يستعمل هذا السلاح لتصفية أفراد لا أهمية لهم ولا يحقق موتهم سوى حمل العدو على الثأر.
فهناك كثيرون يعتقدون أن استخدام الإرهاب وإثارة غضب العدو يجعل الاتصال المتعاطف مع الجماهير أمرًا شاقًا، ولا شك في صحة هذا القول في ظاهره، ولكن كثيرًا ما تكون قبضة العدو على الجماهير خانقة إلى الحد الذي يتعذر معه أي اتصال مع الجماهير إلاّ عن طريق القوة، وهنا يصبح الموضوع قضية مغامرة لا بد من دراستها وحسابها بدقة”.
ويشترك الإرهاب وحرب العصابات في بعض الخصائص، منها أن كلاً منهما عنف منظم، ويستهدف تحقيق أغراض سياسية، إلاّ أن الفرق بينهما واضح تمامًا، فالإرهاب يتم عادة في المدن من مجموعات صغيرة، ولا يسعى إلى تحقيق نصر عسكري، وإنما إلى تدمير نفسي للخصم، بينما حرب العصابات هي حرب فعلية، أحد أطرافها جيش منظم، والطرف الآخر هو العصابات التي تسعى إلى تحقيق نصر عسكري وتستعمل الطبيعة الجغرافية في الأدغال والأحراش والجبال الوعرة كمسرح لعملياتها. ولا ترفض حروب العصابات الإرهاب رفضًا كليًا، وإنما تأخذه بتحفظ، حيث يضر الإرهاب أحيانًا قضية الحرب الشعبية.
كما يوجد أيضًا اختلاف عميق في التكتيك الذي تمارسه العصابات وفي التكوين والتدريب والتنظيم والتسليح، عن المنظمات الإرهابية كما تختلف تمامًا بالنسبة للفلسفة التي تساند كلاً منهما. كما “أن هناك فرقًا أساسيًا أيضًا بين الإرهاب وحرب العصابات، يتمثل في أن بعض حركات التحرر الوطني والمقاومة الشعبية، قد اتخذت في كثير من الأحيان صورة حرب العصابات ضد المستعمر”، وفي هذه الحالات، وعندما يعترف المجتمع الدولي بشرعية حركة المقاومة، التي عادة ما يكون لها نظام داخلي وعلم تُحارب تحت لوائه، فإن من يتم أسرهُ من أفراد المقاومة، يعامل وفق القانون الدولي كأسير حرب، ولا يمكن أن يتصور ذلك بالنسبة للحركات الإرهابية، التي تمارس عادة جرائم عادية، ومن ثم لا يمكن تحت أي صورة من الصور وصف الإرهابي الذي يقض عليه أسير حرب.
ثانيًا: الإرهاب وديكتاتورية السلطة في الدولة
يقع العديد من الدارسين في خطأ الخلط بين الإرهاب بمفهومه الاصطلاحي كأحد مظاهر العنف السياسي المنظم، والذي تحاول عن طريقه مجموعة أو منظمة أن تفرض على السلطة السياسية في الدولة أو مجموعة من الدول اتخاذ قرارات سياسية معينة، وبين السلطة الديكتاتورية في الدولة، التي قد تلجأ إلى أساليب عنف غير محدودة من أجل فرض مبادئها السياسية، أو أفكار أو معتقدات معينة على أفراد الشعب، أو على فئات معينة منه، أو بقصد إحداث تغيير اجتماعي جذري في الدولة.
والحقيقة أن سبب ذلك الخلط يرجع حسب اعتقادي وتقديري الشخصي إلى بعض الأسباب نورد منها ما يلي:
• إن العنف الذي مارسته أو تمارسه بعض الحكومات الديكتاتورية يكاد يفوق في أثره بالنسبة لما يحدثه من رعب في نفوس الناس، ذلك القدر من الخوف الذي تُهدد به الجماعات الإرهابية أمن المواطنين، فإن قدرة المنظمات الإرهابية – مهما كانت محدودة الأثر نسبيًا في حياة الناس، بينما يمتد بطش الحكومات الديكتاتورية إلى مصائر أفراد الشعب جميعًا، ويتحكم في أسلوب حياتهم وعملهم وعلاقاتهم، ومن ثم فإن الرعب الذي يثيره الحكم الديكتاتوري هو رعب شامل وعام ومؤثر في أدق تفاصيل حياة الإنسان، خاصة أن صور العقاب الوحشية التي تمارسها بعض الديكتاتوريات تقمع في الناس مجرد التفكير أو ورود خاطر المعارضة، أو الانتقاد للأوضاع السياسية السائدة.
• كثيرًا ما تلجأ تلك الديكتاتوريات إلى أساليب شبيهة بأساليب الإرهابيين مثل التصفية الجسدية للمعارضين عن طريق الاغتيال أو الاختطاف أو النسف، بل وصلت أحيانًا إلى أسلوب احتجاز الرهائن، بل تجاوز ذلك إلى أساليب أخرى مثل السحل الذي مارسته حكومة اليمن الجنوبية إبان نظام حكمها الشمولي، وحكومة عبدالكريم قاسم في العراق والسجن في الأقبية تحت ظروف غير إنسانية، وعمليات الحرق في الأفران في ألمانيا في عهد النازية، أو النفي إلى المناطق الجليدية في عهد ستالين في روسيا، إلى غير ذلك من صور العنف والبشاعة التي مارستها أجهزة الأمن في تلك العهود.
• إن العنف الذي تمارسه الديكتاتوريات، هو أيضًا عنف منظم من أجل تحقيق أهداف سياسية، وهي ما يشترك فيه، مع تعريف الإرهاب في كثير من أجزائه، وهو أيضًا نوع من الخوف أو الرعب غير المشروع وإن أتخذ في صورة الديكتاتورية شكل الشرعية، إذ أن الديكتاتوريات عادة ما تتخذ من القوانين التي تصدرها وسيلة للتنكيل بخصومها السياسيين، وذلك عن طريق فرض عقوبات قاسية على أفعال لا تستحق مثل هذه العقوبات، وفي الوقت نفسه إعطاء صلاحيات واسعة لسلطات الضبط أو أجهزة الأمن وابتداع نظام للمحاكمة تخلو من ضمانات حق الدفاع، ويجعل النظام الإجرائي غير محكم ويتسم بالإيجاز ولا يترتب على مخالفته بطلان أو عقوبة ذات بال.
• إن دراسة الظاهرة تقتضي تناول موضوعات تحليل الشخصية الإرهابية ودوافع السلوك الإرهابي، والاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والعقائدية والسياسية التي قد تدفع بأشخاص للاشتراك في الأنشطة الإرهابية، وهو أمر لا يمكن دراسته أو تطبيقه على الأشخاص الذين يتولون السلطة في الدولة الديكتاتورية.
• إن دراسة الظاهرة تتناول سبل التعاون الدولي من أجل التصدي للظاهرة في صور المعاهدات والاتفاقيات الدولية وهو أمر غير مقصور بالنسبة للدولة التي تسود فيها النظم الديكتاتورية إلا أبحنا التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بحجة حماية مواطنيها من إرهاب حكامها.
في الحقيقة أن هناك نطاقًا مشتركًا بين دائرتي الإرهاب والديكتاتورية من بعض الزوايا، ومن بين تلك السمات المشتركة ما يلي:
• في الإرهاب والديكتاتورية نجد أن مجموعة سياسية صغيرة العدد تستطيع من خلال إشاعة الخوف والرعب بين الناس أن تحوز قدرًا هائلاً من القوة والتأثير لا يتناسب مع حجمها العددي ونسبتها إلى مواطني الدولة.
• إن الرعب في كليهما يتضمن حقيقتين، أولهما: حالة من الخوف والإثارة تشاع بين الأفراد والجماعات، وثانيهما: الوسيلة التي تستخدم لإحداث ذلك التأثير، وفي ظل هاتين الحقيقتين ينتج نوع من التهديد العام النابع عن استخدام أفعال للعنف الرمزي الذي يهدف إلى التأثير في سلوك من يوجه إليهم ذلك التهديد.
• إن كليهما يستهدف تحقيق أغراض سياسية، سواءً بتأكيد وتدعيم نظام قائم أو إلغائه أو تعديله.
ورغم أننا لا نوافق على إدراج ديكتاتورية الدولة في نطاق الإرهاب، إلا أننا نود أن نشير إلى أن الدولة قد تمارس الإرهاب أو تدعمه، في إطار صراعها مع دولة أخرى، ومن ثم فإن الإرهاب الذي تقوم به الدولة يعتبر صورة من صور الصراع في العلاقات السياسية، فما تمارسه إسرائيل ضد خصومها من عمليات إرهابية، أو ما يقوم به عملاء الولايات المتحدة، أو المنظمات المتحالفة معها والتي تعمل لحسابها، هو الصورة التي يمكن أن يدرج تحتها ممارسة الدولة للإرهاب.
ولو أخذنا بالرأي القائل، بأن استخدام الحكومات للعنف وإشاعة الخوف والقهر المحكومَين، هو صورة من صور الإرهاب، لوجدنا أن عددًا هائلاً من حكومات ودول العالم، حكومات إرهابية، فالقهر والرعب والخوف هو أسلوب الحكم في الدول الشمولية، والدول العنصرية ودول عديدة نامية ومتخلفة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وهذا أمر لا يستقيم بغير شك، ويخرج بالظاهرة عن نطاق التحديد، إلى تعميم يتم بموجبه ضياع الملامح والأهداف.
إن الإرهاب هو نمط خاص من أنماط العنف السياسي، ومن ثم يجب ألا يختلط وصورة العنف الديكتاتوري أو الحكم الغاشم الذي تمارسه بعض الدول ضد رعاياها. إن الصورة الأخيرة قد تكون أسوأ من الإرهاب من حيث نتائجها، بل إنها لا تجد أي نوع من التبرير الأخلاقي، على عكس الإرهاب الذي قد يلتبس أحيانًا بصورة الكفاح الوطني والحرب الثورية، وعلى هذا فإن ما نراه من استبعاد صورة ديكتاتورية الدولة عن الإرهاب، ليس دفاعًا عن الحكم الغاشم، الذي كما قلنا قد يكون أسوأ من الإرهاب ذاته، ولكننا بقصد تعرية ظاهرة الإرهاب بحيث لا تشتبه معها صورة أخرى من صور العنف السيـاسي.
ثالثًا: الإرهاب والجريمة السياسية
يرى بعض الفقهاء أن تقسيم الجرائم إلى سياسية وعادية ليس له أهمية في مصر، من حيث تطبيق القانون الجنائي، ولا ينظر إليه بدلاً من حيث تسليم المجرمين، حيث “نصت الدساتير المصرية المتعاقبة على حظر بتسليم المجرمين السياسيين”.
وقد عرّف المؤتمر الدولي السادس لتوحيد القوانين الجنائية المنعقد في كوبنهاجن عام 1935م الجريمة السياسية بأنها: “جرائم موجهة ضد تنظيم الدولة وسيرها، وكذلك ضد حقوق المواطنين، وتُعد الجرائم السياسية جرائم القانون العام التي تضع الجرائم السابقة في حيز التنفيذ، وكذلك الأفعال التي تسهل تنفيذ الجرائم أو التي تساعد الفاعل على الهرب من العقاب، ومع ذلك لا تُعد جرائم سياسيةً الجرائم التي يقترفها الفاعل بدافع أناني دنيء أو التي توجِد خطرًا مشتركًا أو حالة إرهاب”.
ومن بين التشريعات التي أوردت تعريفًا للجريمة السياسية، قانون العقوبات الإيطالي الصادر عام 1930م الذي ينص على أنه: “يعتبر إجرامًا سياسيًا كل جرم يتصل بمصلحة سياسية من مصالح الدولة، أو بحق سياسي من حقوق المواطنين – ويعتبر كذلك إجرامًا سياسيًا، كل جرم من الجرائم العادية إذا كانت الدوافع إليه كلاً أو بعضًا دوافع سياسية”، وقد اقتبس المشرع السري لهذا التعريف على سعته، في المادة (195) من قانون العقوبات، والتي تنص على أن:
أ‌- الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي.
ب‌- وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع أناني دنيء.
“وهناك معياران للتفرقة بين الجرائم السياسية والجرائم العادية”، فهناك جرائم موجهة ضد سلامة الدولة الداخلية، وجرائم ضد سلامة الدولة الخارجية، ونحن نرى أن الجرائم الاجتماعية لا تختلف عن الجرائم السياسية وفق المفهوم السابق، لأنه من غير المتصوّر أن يكون الإرهاب هدفًا في ذاته، ولا أن يكون اعتناق الفوضوية أو الشيوعية جريمة من جرائم الرأي، إذا لم تترجم إلى أعمال عنف أو إرهاب. ويرى من الناحية الأخرى أن الجرائم السياسية، في الحقيقة، هي فقط جرائم الرأي التي تتمثل في اعتناق رأي أو عقيدة معينة أو الانضمام إلى جمعية أو حزب سياسي محظور أو التظاهر والاعتصام أو نشر آراء ومبادئ لا تتفق مع التشريع الذي يحمي النظام القائم في الدولة.
وقد يؤدي ذلك الاستطراد إلى نقطة شائكة مفادها التساؤل حول تكييف نشاط المنظمات الوطنية التي تسعى إلى تحقيق الاستقلال الوطني، والتخلص من الاستعمار، أو النظام العنصري، وهل يعتبر ما ترتكبه من أعمال القتل والخطف والتفجير وغيرها من النشاطات الأخرى إرهابًا، أم تعتبر جرائم سياسية أم ماذا؟
من هذا المنطلق نرى وجوب التمييز بين نوعين من المنظمات:
1. "المنظمات التي تعمل من أجل مطالبة مشروعة يقرّها القانون الدولي، والمجتمع الدولي والضمير الإنساني، مثل منظمات التحرير الوطني من الاستعمار، والمنظمات العاملة ضد النظم العنصرية التي تدينها الإنسانية، ومثالها منظمة التحرير الفلسطينية، ومنظمة سوابو في جنوب أفريقيا (إبان حكم النظام العنصري هناك).
2. المنظمات التي تسعى إلى تحقيق استقلال إقليم أو انفصاله، أو مطالب طائفية مثل طائفة السيخ في الهند، أو التأميل في سيريلانكا، ومثل الباسك في إسبانيا، وكرواتيا في يوغسلافيا، وإيرلندا الشمالية في بريطانيا".
ونرى أن الكفاح المسلح هو أمر مشروع تمامًا بالنسبة للمنظمات الأولى، بشرط أن يمارس ضد هذا الغاصب أو المحتل، ولا يتجاوز ذلك إلى إرهاب مقصود ومتعمد لأطراف ثالثة أو للمدنيين الأبرياء ممن لا ذنب لهم في الصراع. وهذه المشروعية لا تجعل أفعاله جريمة سياسية فقط، بل تسقط عنها وصف الجريمة على الإطلاق. أما المنظمات من النوع الثاني فالأجدر بها أن تطالب بحقوقها بالطرق السياسية المشروعة، وغيرها من أفعال، يعتبر جرائم سياسية أو إرهابًا وفق القانون المعمول به في الدولة.
إن أعمال الإرهاب التي تقع على أطراف مدنية أو أفراد لا دخل لهم في النزاع، مثل خطف الطائرات وزرع المتفجرات وغيرها، قد ألحقت أضرارًا بحركات التحرر الوطني أكثر مما أفادتها، بل إنها أتاحت الفرصة لأعدائها لممارسة أعمال البطش والقمع غير المحددة ضدها، أو ضد المواطنين الأبرياء المسالمين، كما أساءت إلى السمعة الدولية لهذه الحركات حيث أصبح من السهل دمغها بصبغة الإرهاب، نتيجة بعض عمليات لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة للقضية، بل الأصح والمؤكد أنها تضر ضررًا بالغًا بالقضية، بحيث يستغرق تأثيم الوسيلة للإقرار بمشروعية الغاية.
ورغم هذا الاختلاف الواضح، فإن هناك ملامح مشتركة بين الإرهاب والجريمة المنظمة:
• إن كليهما يسعيان إلى إفشاء الرعب والخوف والرهبة في النفوس، وقد يكون ذلك الرعب موجهًا للمواطنين والسلطات على حدٍ سواء في الوقت نفسه، فعصابات الجريمة المنظمة تفرض الرعب على الناس لتحصل على أموالهم، وعلى رجال السلطة لكي لا يتدخلوا في شئونها، ولكي يتخلوا عن واجبهم في التصدي لها، ومنظمات الإرهاب قد ترهب المواطنين لإثارة الرأي العام ضد السلطات وإظهار عجزها عن حمايتهم، كما توجه عملياتها إلى رجال السلطة بوصفهم رموزًا للنظام السياسي، وعلى هذا فإن الفرق بين هذه المنظمات الإرهابية ومنظمات الجريمة، في نطاق الرعب، هو فرق في النوع وليس في الدرجة.
• إن المنظمات الإرهابية تتمثل في شكل تنظيمها، وسرية عملياتها، وقوانينها الداخلية، وأساليب العمليات، بالأنماط التي تمارس بها المنظمات الإجرامية عملها، فهي تستفيد من خبرة وتجارب الجريمة المنظمة في ممارسة الإرهاب، ويظهر هذا واضحًا في دولة مثل إيطاليا حيث تعمل منظمة الألوية الحمراء بنفس أسلوب منظمة المافيا.
• إن بعض المنظمات الإرهابية تسعى إلى تجنيد بعض الأفراد من أعضاء المنظمات الإجرامية، حيث يعهد إليهم ببعض المهام، مثل التخطيط للعمليات والتجهيز لإقامة الأفراد وإخفائهم، والحصول على الوثائق المزيفة والسلاح والاتصال ببعض ذوي الخبرة الطبية لعلاج المصابين في العمليات الإرهابية، دون إخطار الشرطة.
• إن بعض المنظمات الإرهابية، لها صلات قوية بعصابات الجريمة المنظمة، حيث تستأجر المنظمات الإرهابية أحيانًا، عصابة من عصابات الجريمة المنظمة للقيام بعملية قتل أو تخريب لحسابها خاصة أن بعض العصابات الإجرامية، توزع مناطق اختصاص مكاني بينها، ولا تسمح بأي نشاط لأحد آخر في دائرة اختصاصها، ولمَّا كان التنافس معدومًا بين المنظمات الإرهابية وعصابات الجريمة لاختلاف الأهداف والأغراض، فإن مجال التعاون الذي تفرضه الظروف أحيانًا ليس مستبعدًا.
إن مجالات التشابه الظاهري بين الإرهاب والجريمة المنظمة كثيرة إلى درجة تسمح للبعض اعتبار عصابات المافيا عصابات إرهابية. ولكن هناك اختلافًا أساسيًا وجوهريًا بين النشاطين وأهدافهما، ودوافعهما يجعل أمر التفرقة والتمييز بينهما واضحًا وجليًا.
* عميد كلية الآداب - جامعة عدن
المراجع في الكتاب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى