«صراع الأفاعي».. مَنْ سيقطع رأس عبدالملك الحوثي؟

> «الأيام» عن جريدة الدستور

> «الأيام» عن جريدة الدستور:
لا تزال توابع مقتل الرجل الثاني في جماعة الحوثي صالح الصماد، رئيس ما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» في اليمن، الذي أعلنه الحوثيون قائمًا بأعمال رئيس ‏الدولة، مستمرة، ومن الواضح أن هذه التوابع تقترب الآن من زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي.
المتغيرات على الأرض ترسم وحدها النهايات، والقول بأن أيام ‏‏«الحوثي» باتت معدودة وإنه بانتظار رقصة الموت الأخيرة، تفرضه متغيرات عدة، لعل أهمها أن زعيم الظل، وبالرغم من أنه لم يتجاوز العقد الثالث بعد، أصابته ‏شيخوخة سياسية مبكرة، وظهرت عليه أعراض مرض الاكتئاب ودخل فى حالة من العزلة والخوف، سببها اختفاؤه وإقامته قسرًا فى كهوف جبال «مران» تحت حراسة ‏مشددة من الحرس الثورى الإيراني خوفًا من استهدافه وتصفيته من قبل غريمه وابن عمه.‏
*صراع داخلي
تضييق الخناق على «الحوثي» دفع البعض إلى التخوف من إقدام زعيم التمرد على الانتحار إذا استمرت قوات التحالف والحرس الجمهوري في التقدم نحو موقعه فى كهوف مران.‏
ويمكن بوضوح أن نقول إن لعنة الرئيس اليمني الراحل على عبدالله صالح تطارد حليفه السابق والراقص الحالي فوق رؤوس الثعابين عبدالملك الحوثي، فمن يتابع قسمات وجهه وتعبيراته فى الآونة ‏الأخيرة، يدرك أن «عبدالملك»، يتحسس رأسه انتظارًا لرصاصة آتية.‏
جماعة الحوثي بكل ما فيها من غدر وتقلبات كتبت نهاية مأساوية لـ«صالح» ومن بعده «الصماد»، ومع الصعود الدرامي لفتى إيران الحالم محمد علي الحوثي، الذى يرأس اللجنة الثورية للميليشيات ‏الحوثية وسيطرته على مفاصل التنظيم، أصبح لزامًا علينا أن نحاول توقع طريقة الموت التي تنتظر «عبدالملك».‏
عوامل كثيرة أسهمت فى تدهور الحالة النفسية لـ«عبدالملك»، من بينها أشباح الرئيس اليمني الراحل «صالح»، المتربصة به وبقيادات جماعته، فضلًا عن الخسائر الميدانية المتلاحقة التي تتعرض لها ‏الجماعة فى جبهات القتال، فلم يعد زعيم الحركة قادرًا على الإمساك بزمام الأمور مع تزايد وتيرة تبادل الاتهامات حول وجود خيانات خاصة بين أعضاء الصف الأول للتنظيم. ‏
العزلة السياسية التي يعيش بها «أبوجبريل»، وتآكل هيكل الجماعة، جعلا أبناء العم ينظرون إليه باعتباره زعيمًا رمزيًا، لا يتناسب مع الطموحات الثورية للسلالة الهاشمية، لا سيما مع انحيازه للتيار ‏المعتدل الذي كان يقوده صالح الصماد، وتجسد ذلك فى محاصرة عناصر التيار الثوري بعض القادة العسكريين المقربين من «الصماد»، وفرض الإقامة الجبرية عليهم مع تنامي معلومات حول تورط ‏التيار الثوري فى اغتيال الرئيس السابق للمجلس السياسي.‏
طموح «ابن طهران»
طموحات ورغبة محمد علي الحوثي فى الانفراد بالقرار السياسي، قد يشكلان دافعًا لإزاحة عبدالملك الحوثي من المشهد ككل، حيث يوصف الأول فى أدبيات الانقلاب بأنه الحاكم الفعلي ‏لليمن ومهندس اللجان الثورية التى فرضت سطوتها على كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، بما فى ذلك العاصمة «صنعاء» والمحافظات، فهذه اللجان هي الآمر الناهي فى مصير اليمن منذ 21 ‏سبتمبر 2017.‏
رغبة محمد الحوثي ومن ورائه القائد عبدالكريم الحوثي فى السيطرة على الأمور ولو كان الثمن تصفية الآخرين، وعلى رأسهم «عبدالملك» ذاته، من خلال صراع الأجنحة بين التيار المعتدل بزعامة ‏الراحل «الصماد»، أو ما يعرف بـ«جناح صنعاء»، و«تيار الصقور» المتمثل فى جناح صعدة، بقيادة محمد الحوثي، حيث سعى الأول عقب فراغ الساحة السياسية إلى بقاء الوضع السياسي الحالي على ما ‏كان عليه أثناء فترة شراكته مع حزب المؤتمر، بينما عمد الثاني إلى إعادة اللجان الثورية للحكم بنفس الآلية التي طبقتها الميليشيا فى العام الأول من الانقلاب.‏
محاولة «تيار الصقور» الاستحواذ على مناصب ونفوذ حزب «صالح» كانت بمثابة صب الزيت على النار المشتعلة أساسًا، خاصة مع انحياز «عبدالملك» لتيار الرئيس السابق للمجلس السياسي، تجنبًا ‏للصدام مع القبائل التي يمثلها، وهنا بدأ مسلسل تصفية القيادات الموالية لـ«الصماد»، التي كان أبرزها إعدام حسين البكلي، المسئول عما يسمى «الزينبيات».‏
حينها أفادت المصادر، بأن القيادي الحوثي مؤسس ما يسمى «الزينبيات»، مسئول الارتباط بين وزارة الدفاع وجبهة الساحل الغربي، حسين البكلي، لقي مصرعه مع أحد مرافقيه فى منطقة «بيت بوس» ‏جنوب العاصمة صنعاء، مبينة أن «البكلي» تعرض لكمين فى نقطة استحدثتها عناصر موالية لما يسمى «رئيس اللجنة الثورية العليا» محمد على الحوثي، وأن النقطة جرى رفعها فور التأكد من مقتل ‏القيادى الحوثي ومرافقه.‏
تطلعات محمد الحوثي تمثلت أيضًا فى تجاوزه «عبدالملك»، وصلاحيات رئيس المجلس السياسي وحكومة «ابن حبتور»، إذ بعث رسالة رسمية باسم الجماعة إلى مجلس الأمن الدولي، والأمين العام للأمم ‏المتحدة، قال إنها مبادرة لإيقاف الحرب فى اليمن، ونشر صورة من نص المبادرة عبر حسابه فى «تويتر»، مؤكدًا تقديمها رسميًا لمجلس الأمن.‏
وبالرغم من أن المبادرة التي تضمنت 6 نقاط رئيسية، من بينها تشكيل لجنة مصالحة وطنية، ثم الاحتكام لصندوق الانتخابات لانتخاب رئيس وبرلمان يمثل كل الشعب اليمني، وإعلان عفو عام وإطلاق كل ‏المعتقلين لكل طرف، ووضع أي ملف مختلف عليه للاستفتاء، إلا أنها لم تلق أي ترحيب دولي، غير أنها تحمل دلالات واضحة على حرصه على تقديم نفسه باعتباره الرجل الأول والمخلص.‏
*بوادر انقلاب
تراث الجماعة حافل بوقائع مماثلة، حتى قبل اعتلائها سدة الحكم وقصور «الستين»، فقد عصفت الصراعات البينية بالتنظيم فى مرحلة مبكرة، وطفت على السطح للمرة الأولى بانشقاق محمد ‏سالم عزان، أول أمين عام لتنظيم «الشباب المؤمن»، وإهدار دمه بفتوى من بدرالدين الحوثي، أحد أبرز المراجع الفقهية هناك.‏
وبعد مقتل حسين الحوثي، قائد الميليشيات بصعدة، عام 2004، فكّر «عبدالملك»، في إحكام قبضته على الجماعة، عبر التخلص من أبرز قادتها العسكريين والسياسيين، أمثال الرجل الثاني ‏فى الجماعة آنذاك، صالح هبرة، الذى توارى عن الأنظار أواخر عام 2014، الذي تقول عائلته إنه يقبع تحت الإقامة الجبرية فى إحدى مديريات صعدة. ‏
وتشير مصادر إلى أن «عبدالملك» تخلص كذلك من عبدالله الرزامي، قائد معارك الحوثيين فى الحروب الستة، وتشير بعض المصادر إلى أنه قُتل.‏
والآن، واستكمالًا لوقائع الخيانات، فقد نجح محمد الحوثي، الذى يجيد القفز على الرمال المتحركة ببراعة، فى تخطي الخلافات الداخلية بين الأجنحة الحوثية، حول مَنْ هو أحق بخلافة «الصماد»، ‏ودفع بحليفه مهدي المشاط، إلى قمة المجلس السياسى.‏
وتجدر الإشارة إلى أن «المشاط» يُعد مع عبدالله الحاكم، القائد الميداني والعسكري لجماعة أنصار الله فى اليمن، وعبدالكريم الحوثي أقطاب الدائرة الضيقة لصنع القرار، فيما يخص التحركات ‏العسكرية والتعيينات والتنقلات وإدارة شئون المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة. ‏
رضوخ «عبدالملك»، رغم إدراكه الكامل أن ذلك القرار قد يؤدي إلى تذمر القبائل، يعكس السيطرة لجناح الصقور على مسارات الأحداث ويزيد من فرص المندوب السامي لطهران فى تولى ‏زمام الأمور.‏
وإذا نظرنا إلى دور محمد الحوثي فى تثبيت أقدام الحرس الثوري داخل اليمن وتقوية شوكتهم، فذلك يجعل منه الرجل الأول لطهران، وقد ظهر ذلك فى ديسمبر 2016 حين نجح «الصماد» فى ‏إقناع عبدالملك بإعلان المجلس السياسي، والحد من نفوذ اللجان الثورية، وهنا تدخلت المخابرات الإيرانية ووجهت عبر ذراعها المسئولة عن ملف اليمن والمتواجدة فى لبنان، الوفد الحوثي فى سلطنة ‏عمان، برفض التوجيهات القادمة من صنعاء من «الصماد»، والمجلس السياسي والمخلوع «صالح»، وتم بالفعل استدعاء الفريق الحوثي لزيارة بيروت ومنها إلى العراق لعقد اجتماعات مع عناصر ‏إيرانية سياسية ومخابراتية وعسكرية ودينية. ‏
ووضعت طهران محددات عمل الميليشيات الحوثية، ومنها عودة عمل ما تسمى اللجنة الثورية، وإعطاء رئيسها محمد الحوثي دور الرجل التنفيذى الأول، وإضعاف المجلس السياسي تدريجيًا لإنهاء ‏دوره التنفيذي.‏
وفقًا للمعطيات السابقة والتراتبية القيادية بالجماعة الحوثية، يبدو محمد الحوثى الأقرب لخلافة عبدالملك، الزعيم الحالى للحركة، نظرًا لوفاة شقيق الثاني فى إحدى الغارات وابتعاد أشقائه الآخرين ‏عن القيادة الميدانية، مثل يحيى الحوثي، إلى جانب صغر سن أبناء عبدالملك، وافتقاد شخصية عمه عبدالكريم الحوثي مؤهلات الزعامة.‏
ومن الأسباب أيضًا، الانحياز الإيراني لرئيس اللجنة الثورية، وفى ظل غرور القوة وتبني محمد الحوثي سياسة التصفية، فمن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مزيدًا من الصراعات التي قد تفضي ‏إلى قتل عبدالملك وإزاحته من المشهد ككل.‏
التصفية المباشرة لـ«عبدالملك الحوثي» من قبل الجماعة، ليست مستبعدة فى ظل وجود «المشاط» الذى كشف أحد قيادات حزب المؤتمر أنه من سيكتب نهاية زعيم التنظيم، وأن تصفية الحسابات ‏ستمتد لتشمل قائد المسيرة القرآنية، غير أن السيناريو الأرجح أن يتم استهداف «عبدالملك» وتحديد موقعه من قبل قوات التحالف بناءً على معلومات سيتم تسريبها من داخل الميليشيا المسلحة، وحينها ‏سيبدو الأمر وكأن غارة جوية استهدفت صعدة وأودت بحياته.‏
فى مجتمع يتخذ القبلية والثأر منهاجًا، فإن نجل الرئيس الراحل صالح، وابن شقيقه العميد طارق صالح، وكلاهما عسكري، يشكلان أحد أعمدة القوى المتربصة بـ«الحوثي»، وقد أعلن «طارق» ‏بالفعل النفير للأخذ بثأر عمه، وتوعد قائد الميليشيا «عبدالملك» بذبحه بـ«سكين مذحل» (سكين فيه صدأ).‏
عودة «طارق» وإدارته قوات الحرس الجمهورى، بتنسيق مع قوات التحالف، شكّلت صدمة للحوثيين، لأن فى حالة حدوث اقتحام بري فإنهم - «أهل مكة» - أدرى بشعابها، فهم مدربون على ‏السيناريوهات والتطورات المحتملة فى أرض المعركة، وبالتالي سيكون تحديد مكان «عبدالملك» ونحره كما أقسم أبناء صالح، ليس بالأمر العسير. ‏
‏«قطع رأس الأفعى»، على حد وصف «طارق»، بات ممكنًا أيضًا بسبب حالة التذمر والسخط بين القبائل، بعد اغتيال «الصماد» وتهميش دورهم لصالح اللجان الثورية، وقد بدأت قبيلتا «حاشد» ‏و«بيكل» فى ترتيب أوراقهما استعدادًا للتخلص من الحوثى ورجاله، وتغيير سلطة الأمر الواقع التى فرضتها إيران. وفى خضم الأحداث المتلاحقة، يبدو خيار التخلص من «عبدالملك» هو الأقرب ‏للتحقق فى المرحلة الراهنة، وبالرغم من إدارك زعيم التنظيم الكامل هذا الأمر، إلا أنه لا يملك رفاهية تغيير قدره، فقد فتح على نفسه أبواب جهنم وأبواب الثأر، وفى كل الأحوال ستتم تصفيته ‏وستكون لجماعته اليد العليا في تحقيق ذلك، بغض النظر عن السيناريو الذى ستدار به الأحداث، فهو في كل الأحوال لن يخرج عن إطار الخيانة الداخلية والأعمال الاستخبارية.‏

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى