المُسن مهيوب سيف حسان.. خدم الدولة 29 عاما فقاعدته براتب 29 ألفا

> تقرير/ وئـام نجيب

> رأيتُ في ملامحه المنهكة شيئاً شد انتباهي ودفعني للاقتراب منه دون تردد، لعلي أطلع على جزء ممّا عكسته التقاطعات التي ارتسمت على وجهه بسبب تقادم العمر، وقساوة الحياة ومعاناتها، اقتربت نحوه رويداً رويداً فيما تتزاحم في خاطري عشرات الأسئلة والاستفسارات، على سبيل المثال: ما الذي يُفكر به هذا الرجل الطاعن في السن؟ وما الذي جعل فكره شاردًا حتى لا يأبه باقترابي ووقوفي على بعد خطوة واحدة منه لبرهة من الوقت؟
موقف لخص مشهد عامة الناس من أبناء العاصمة عدن إن لم تكن البلاد ككل، خصوصاً موظفي الدولة القدامى أو من باتوا يُعرفون اليوم بالمتقاعدين العسكريين والمدنيين والأمنيين وجماعة خليك في البيت، الذين سحقتهم نيران التسريح والتقاعد القسري والمبكر بُعيد حرب صيف سنة 1994م.
*إقصاء وحرمان
إنه الضابط مهيوب سيف حسان، الذي أُحيل كغيره من الجنوبيين للتقاعد القسري في عام 97م، بعد خدمة وصلت لـ(29 عاما)، وبراتب تقاعدي (29 ألف ريال) فقط، يقول عنه حسان: «إنه لا يفي بتوفير ولو جزء من الاحتياجات الأساسية للأسرة، ولا يتساوى مع الخدمة التي قدمها في سبيل حماية الوطن والمواطن، فضلاً عن الحرمان من الترقيات والمستحقات من وزارة الدفاع التي ينتسب إليها».

ويعيش المٌسن مهيوب حسان (83 عاما)، وهو ضابط برتبة ملازم ثاني، بمعية أسرته الكبيرة والمكونة من زوجته وعشرة من الأبناء ذكوراً وإناثًا في منزل بأعلى جبل في مدينة كريتر (عدن القديمة)، تُساعده في مجابهة وتحمل تكاليف متطلبات الحياة زوجته العاملة في البلدية.
*تراكم الديون
يقول في حديثه لـ«الأيام» أثناء سرد حكايته المملوءة بالعديد من المنغصات الناتجة عن ارتفاع تكلفة المعيشة وغلاء الأسعار في كل مناحي ومتطلبات الحياة الكريمة: «أحرص أنا وزوجتي على توفير القوت اليومي من الاحتياجات الرئيسة، والتي لا يكاد راتبانا نحن الاثنين يكفيان لسدها، ولهذا تجدنا في معظم الأيام نكتفي بالحاصل وبما هو موجود، فما نتحصل عليه شهرياً من مرتب أنا وزوجتي ضئيل مقابل أسرتي الكبيرة، وهو ما جعل الديون تتراكم علينا بشكل مستمر، وأصبحنا غير قادرين على سدادها».
ويضيف مفصلاً حياتهم اليومية بالقول: «الاقتصاد نصف المعيشة كما يُقال، وعلى هذه القاعدة يتم إنفاق راتب زوجتي لشراء ما تيسر من الراشان الشهري (المواد الغذائية والاستهلاكية)، نتيجة لعاصفة الأسعار التي قصمت ظهر المواطنين، أما راتبي فيتم إنفاقه في شراء بعض حاجيات الأسرة الأخرى، ومنها أخذ الخضروات، والتي حلت مكان وجبة السمك، بل إنها أصبحت هي سيدة المائدة في وجبة الغداء إلى جانب الأرز، ومتى عجزنا عن توفير قيمتها نكتفي بخصار (صانونة الهواء)، أما فيما يخص وجبة العشاء فتكون في العادة عبارة عن خبز».

*أمراض متعددة
ويعيش المتقاعد حسان في منزل يخلو من المستلزمات الأساسية والتي يأتي في مقدمتها الشولة والغسالة، والثلاجة، ولهذا يحضرون طعامهم بواسطة الحطب، فيما يتم إحضار الماء البارد من المسجد القريب من منزلهم، كما يقول حسان في حديثه لــ«الأيام»، مضيفاً: «الماء لا يصل إلينا أيضاً لفترات طويلة، كما أن بيتي يفتقر لسقف وما يغطيه هو عبارة عن مجموعة من الألواح الخشبية، بل إن ما زاد من معاناتي وأسرتي هي الأمراض التي أُبتلينا بها، فأنا أعاني من عدة أمراض منذ 12 سنة، ويُكلفني علاجها المتكرر والمستمر الكثير من المبالغ المالية، من بينها ضرب إبرة كل نصف شهر بتكلفة ثلاثة آلاف ريال، كما يُعاني أحد أبنائي، وهو متزوج ولديه طفل، من مرض في العمود الفقري، ولا يستطيع الخروج للعمل بسببه».
*حرمان من المستحقات
يقول المتقاعد المُسن مهيوب سيف حسان: «تعرضنا للكثير من الظلم منذ أن تم إحالتنا للتقاعد في عام 97، وما تحصلنا عليه من فتات المستحقات يقتصر بزيادة ما نسبتها 5 بالمائة فقط، في حين تحصل المحالون للتقاعد بعدنا لزيادة بنسبة 50 بالمائة، وهذا هو الظلم بذاته.. وإذا ما قارننا حالنا بحال الكثيرين فنقول الحمد لله، فهناك متقاعدون رواتبهم أقل منا، بل إن هناك من هو مساعد أول براتب لا يتجاوز الـ26 ألف ريال، في الوقت الذي يتحصل من هو بنفس الرتبة حالياً 115 ألفا، وهذا يدل على غياب العدل وعدم الإنصاف لجيلنا الذي ضحى بالغالي والنفيس في سيبل هذا الوطن، وإذا ما قارننا أيضاً بين الماضي والحاضر بالعمل في السلك العسكري كيف كان وكيف صار؟ فبكل تأكيد لا توجد مقارنة بينهما إطلاقاً، على مستوى المعاش والانضباط والالتزام وفي كل المجلات ذات الصلة».

*وعود عرقوبية
واختتم حديثه لـ«الأيام» بالقول: «تم وعدنا عديد مرات بإنزال لجنة لتسوية رواتبنا، ومنذ ثلاث سنوات ونحن ننتظر اللجنة التي لم تصل إلينا بعد».
وما نتمناه من الجهات المعنية، نحن المتقاعدين العسكريين، هو الحصول على رواتبنا وحقوقنا المستحقة لنتمكن نحن وأسرنا من العيش الكريم، إلى جانب صرف مرتباتنا الحالية بدون مماطلة وبعيدا عن أعمال البلطجة وغير المبالاة التي تواجهنا في مكاتب البريد وقت استلامها».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى