تحتجز الحكومة شحنة مواد خامة لها منذ أشهر بميناء الحاويات كالتكس.. شركة التبغ والكبريت كمران.. قضية يتحكم بها لوبي فساد

> تقرير/ صلاح الجندي

> كشفت وثائق، تحصلت عليها «الأيام» على نسخة منها، عن تفاصيل قضية احتجاز شحنة مواد خامة تابعة لشركة التبغ والكبريت كمران في ميناء الحاويات كالتكس في أواخر شهر ديسمبر 2017 بدعوى عدم تسليم الشركة ضرائب مبيعاتها في المناطق المحررة للحكومة الشرعية.
وأوضح مصدر في إدارة الشركة بأن «الجمارك رفضت إدخال المواد التي تبلغ قيمتها ما يقارب خمسة مليارات ريال، وهي عبارة عن تبغ ومواد خامة خاصة بمصانع الشركة معللين ذلك الحجز بتوجيهات من الضرائب».
وأضاف بأن «فرع الشركة بعدن وبعد توجهه إلى مصلحة الضرائب تم إبلاغهم بأن التوجيهات كانت من رئيس الحكومة شخصيًا، وقد مضت شهور ولم نجد طرفا مسئولا من الحكومة الشرعية، لنصل معه إلى تسوية نهائية تفرج عن الشحنة أو لنتحاور بخصوصها، ومع مرور الأيام كان مخزون المواد الخام ينفذ ليتوقف إنتاج الشركة بالكامل، فيما أصبحت المواد الخامة المحتجزة مهددة بالتلف».
*قطاع مختلط
وشركة التبغ والكبريت كمران هي شركة وطنية تأسست عام 1963م وملكيتها قطاع مختلط تبلغ حصة الحكومة فيها 27 %، فيما تملك الشركة الأمريكية البريطانية 25 %، وتملك مجموعة بيت هائل 16 % وبنك الإنشاء والتعمير 14 % وأسهم لمواطنين 18 بالمائة.
ويبلغ عدد موظفيها 1465 موظفا، وتمتلك ثلاثة مصانع في مدينة الحديدة، أكثر من 800 من الموظفين والعمال من أبناء المحافظة.
وأبرز منتجات الشركة التي اتخذت من اسم جزيرة كمران اسماً لها سجارة كمران.
وأوضح الناشط أحمد الوافي الذي تطوع لمتابعة ملف القضية، بطلب من صديق له يعمل في الشركة لمناصرة الموظفين بأن «محطة تحركه الأولى كانت بالتواصل مع الجمارك لمعرفة تفاصيل القضية، وعند معرفته بأن الأمر يخص مصلحة الضرائب تواصل برئيس المصلحة عوض حمران، والذي بدوره أفاد بأن التوجيهات كانت من الحكومة»، مضيفاً «حينها تواصلت مع وزير الدولة المستقيل صلاح الصيادي ووزير التجارة والصناعة محمد الميتمي ومسؤولين كُثر في الحكومة، وكانت جميع ردودهم تُعبر عن حرصهم على إخراج المواد، غير أن الواقع كان عكس ذلك».
ويضيف في حديثه لـ«الأيام»: «مع مرور الوقت وبعد اتصالات كبيرة من قِبل الشركة وبروز القضية كرأي عام قامت الحكومة بتشكيل لجنة وزارية مكونة من أربعة وزراء، بالإضافة إلى أمين عام مجلس الوزراء لعمل تسوية للشركة».
*تعسفات
ووفقاً لمصدر في الشركة فإن الحكومة قد مارست الكثير من التعسف وتعمدت الكثير من العراقيل رغم موافقة الشركة منذ اليوم الأول لاحتجاز الشحنة على دفع الضرائب للحكومة وفق التسويات مع كل الشركات المماثلة، إلا أن الجانب الحكومي رفض، وكان من بين الشروط الغريبة - التي تُثبتها إحدى الوثائق - هو طلب رئيس الحكومة بن دغر من الشركة إحضار رسالة من إدارة الضرائب، كبار المكلفين في صنعاء والخاضعة لسيطرة الحوثيين تفيد بموافقتها على أن تدفع الشركة ضرائب المناطق المحررة في عدن للحكومة الشرعية والتزامها بعدم تحصيل الضرائب وخصمها من الضريبة العامة لـ 2017م».
*تناقض كبير
وعبّر المصدر عن استغرابه من «تناقض هذا الطلب مع إصرار الحكومة على التعذر بسعيها على تجفيف مصادر تمويل الانقلابين كذريعة لاحتجاز الشحنة»، مؤكداً بأن «الشركة نفذت هذا الشرط وأرسلت للحكومة في عدن رسالة من الضرائب الخاضعة للسلطات الانقلابية في صنعاء».
وبحسب الوثيقة التي ورد فيها هذا الشرط من قِبل رئيس الحكومة «فقد حدد هذا الشرط بفترة زمنية مدتها أسبوع، يتم بعده إخراج المواد المحتجزة بالتنسيق مع عبدالحافظ السمة، القيادي المؤتمري المقرب من صالح والمعين بقرار جمهوري كرئيس مجلس إدارة الشركة، لكنه ظل أثناء فترة الانقلاب في صنعاء يُدير الشركة تحت سلطة الانقلاب قبل أن يفر من صنعاء عقب مقتل صالح».
وأوضح الوافي بأن «اللجنة الوزارية مضت بإجراءاتها البطيئة، فيما ظل معها الملف متنقلًا بين معاشيق عدن وفنادق الرياض، حتى وصل الأمر إلى تسوية تضمنها محضر أقرته اللجنة الوزارية في 22 مارس 2018 م أي بعد أكثر من 3 أشهر من احتجاز الشحنة».
*تسليم مبالغ مقابل الإفراج
وكان أبرز ما تضمنته التسوية أن «تقوم الشركة بدفع مبلغ الضرائب لسنة 2017 م بمبلغ مليار يدفع نقدًا واستلام المبلغ المتبقي 427 مليون ريال بشيكات مقبولة الدفع على ثمان دفع، وأيضا دفع مبلغ 189 مليونا حصة الصناديق (صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، صندوق رعاية الشباب، صندوق تنمية المهارات، صندوق التراث والثقافة)، يتم بعد تسليم هذه المبالغ الإفراج الفوري عن الشحنة».
صورة من القرار
صورة من القرار

*خسائر بـ 12 مليون دولار
ووفقاً للمصدر «فقد وافقت الشركة على كل ما ورد في المحضر لتفادي خسائر أكبر، وكذا لسرعة الإفراج عن المواد».
وبحسب المصدر فإن «الخسائر بلغت خلال هذه الفترة ما يقارب 12 مليون دولار، وهو مبلغ يفوق قيمة الشحنة وإضعاف الضرائب التي تُطالب بها الحكومة مع استمرار الخسائر بشكل يومي إلى جانب خسائر على المدى تهدد ببقاء الشركة على المدى البعيد تتمثل بإحلال الأصناف المهربة بديلًا عن منتجاتها في السوق وتعطيل المصانع، نتيجة التوقف وخسائر تجارية أخرى مترتبة على الشركة».
وأضاف: «تنفست الشركة بموجب هذه التسوية الصعداء بعد صدور أوامر الإفراج عن الشحنة إلا أن القصة لم تنتهِ كحال كل ملفات الوضع الحالي التي تبقى مفتوحة.. حيث تلقى مدير مصلحة الضرائب اتصالًا هاتفيًا من أمين عام مجلس الوزراء يطلب منه إيقاف إجراءات الإفراج حتى تأتي أوامر من رئيس الجمهورية، لكنه طلب التخاطب بشكل رسمي وأن تصله توجيهات الإيقاف بشكل خطي، ودفع هذا الاتصال المفاجئ برئيس مصلحة الضرائب للتخاطب مع رئيس اللجنة الوزارية يبلغه بذلك ويؤكد في رسالته الموضحة ضمن الوثائق المنشورة بأن الشركة سلمت كل ما عليها من التزامات وردت بالمحضر الموقع من اللجنة والمعمد من رئيس الوزراء».
*مفاجأة صادمة
وتابع بالقول: «عقّب رئيس اللجنة على هذه المذكرة خطيًا، مفيدًا بأنه تم عرض الموضوع على رئيس الجمهورية في تاريخ 14 أبريل 2018 وبحضور نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، ومدير مكتب رئيس الجمهورية، وبما توصلت إليه اللجنة الوزارية من محضر تسوية معمدة من رئيس الوزراء بالتنفيذ للمحضر، وقد أكد رئيس اللجنة الوزارية في تعقيبه بأن رئيس الجمهورية وجه بتنفيذ التسوية وفقًا لِما جاء في المحضر، مخاطبًا رئيس المصلحة بتنفيذ توجيهات الرئيس، لتكون المفاجئة الصادمة هي خطاب من رئيس الحكومة لرئيس المصلحة بعد ثلاثة أيام فقط - كما توضح إحدى الوثائق المنشورة - تضمنت التوجيه بإيقاف الإفراج حتى صدور توجيهات خطية من رئيس الجمهورية، لتعود القضية إلى نقطة البداية».
*غموض القضية
ويعيد الوافي غموض هذه القضية إلى «وجود لوبيات فساد تتحكم بقرارات الشرعية، وهذا ما يبرز واضحًا في هذه القضية».
كما يرى الوافي بأن السر وراء هذه القضية عبدالحافظ السمة، القيادي المؤتمري المحسوب على عفاش، والذي ظل يرفد خزينة الانقلابين بمليارات الريالات، قبل أن يُغادر منصبه بمغادرة صالح الحياة ليعود إلى حضن صديقه بن دغر»، مؤكدا بأن «رئيس الوزراء يسعى من خلال هذه الإجراءات والعراقيل إلى الانتقام لصديقه عبدالحافظ السمة على حساب شركة وطنية ارتبط تاريخ إنشائها بتاريخ الثورة تحت ذريعة محاربة الانقلاب».
واستدل الوافي بمرور عشرات الشحنات من المواد الخام للشركة عبر ميناء عدن خلال فترة عمل السمة كرئيس مجلس إدارة تحت سلطات الحوثيين بحسب تأكيد مصادر في الجمارك»، مؤكداً في ذات الوقت بأن «السمة لم يورد خلالها ريالا واحدًا إلى خزانة الدولة الشرعية، وهو ما يُعد دليلًا على تسهيل حكومة بن دغر في عدن للسمه في عمله»، حسب الوافي.
وأضاف متسائلاً «لماذا لم تحتجز كل هذه الشحنات خلال عمل السمة في صنعاء من قبل الحكومة في عدن بهدف تجفيف منابع الدعم للحوثيين، في حين تم توقيف هذه الشحنة التي تعد الأولى بعد خروج المذكور بشهر واحد فقط؟!».
*حكومة للتدمير
وأكد الناشط أحمد الوافي لـ«الأيام» أن «للحكومة سوابق في تدمير الشركات الوطنية تحت مسميات وذرائع عدة».
وقال: «إن قضية شركة كمران تُعد مثالًا حيًا لممارسات الحكومة التي تستغل اسم محاربة الحوثيين وظروف الحرب وسيلة للارتزاق ولخدمة الفساد والفاسدين، حتى وإن كان ذلك على حساب تدمير ركائز الاقتصاد الوطني وضياع آلاف الأسر المكفولة من هذا النشاط التجاري والإنتاجي»، مناشداً في ذات السياق كل «القوى الحية، وعلى رأسهم النشطاء ورجال الإعلام، الوقوف بكل مسؤولية أمام كل هذه السلوكيات غير المسؤولة وغير المنطقية، والحفاظ على ممتلكات الوطن ومكتسباته، والسعي إلى إعادة صياغة المفاهيم الحقيقة لتعريف ما يحصل في هذه الظروف، ورفع مستوى الوعي المجتمعي لحماية مصالحه العامة، والوقوف أمام الفساد الذي ينخر ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت لافتة محاربة الانقلاب».
تقرير/ صلاح الجندي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى