قطرات من سيول شبام حضرموت منذ ما يزيد عن 700 عام والـ 24 عاما الماضية

> تقرير/ علوي بن سميط

>
السيول نعمة من نعم المولى، وقد تتحول بعض الأحيان لما يشبه الطوفان تلحق الأضرار بالإنسان والسكن والأملاك والمزروعات، إلا أنها أولاً وأخيراً منة ونعمة من الخالق.
في هذه العجالة أنقل عن سيول جارفة سبق وأن كتبت عنها بصحيفة «الأيام» خلال الأعوام 92 و 96 و 99 و 2004 و 2005 و 2008م، كتقارير وتغطيات وحلقات موسومة «ومضات ونبضات» وحلقات تاريخية مسلسلة بعنوان «مدن وشواهد وشخصيات وحوادث بحضرموت».
تلك السيول التي يمكن القول عنها سيل قرن أو نصف قرن خلفت أضرارا وارتبطت بأحداث في ذاكرة الزمان، ومنها عم حضرموت وأطبق عليها ومحورها شبام باعتبارها مدينة وسط الوادي وملتقى أشهر الوديان والروافد السيلية، وكثيراً مالطمت السيول أسوارها، إلا أن الأغلب سيول داعبت وسقت وروت وروحت وأشبعت المدينة جروبها وناسها.
وعموماً، فإن أشهر السيول سيل (الهميم) الذي جاء في شهر رمضان 698هـ واكتسح كامل حضرموت ساحلها وواديها، وعدد من المؤرخين والراصدين قالوا إنه في عام 698هـ منهم (باحنان، ابن شنبل، الصبان)، وآخرون قالوا في 699هـ وهم (ابن حميد الكندي، صالح الحامد)، إلا أنهم جميعاً أكدوا أنه في شهر رمضان الليلة الثالثة، وجميعهم اتفقوا ونقلوا ما خلفه من ضرر بحضرموت وشبام تحديداً قولهم: سيل الهميم خرب الأحجال (الحقول) وأخذ عددا من الآدميين (أي سكان شبام)، وأخذ من البلاد قطعة كبيرة بها ثلاثة مساجد وما ولاها من الديار.. هذا السيل الكبير صادف بالميلادي وقوعه في نهاية القرن الحادي عشر.
- السيل الآخر ونحن نتحدث عن سيول كل مائة عام 939هـ في آخر ليلة من نوء (الأكليل) منذ أربعمائة وخمسة وتسعين عاماً مضت خرب السيل جزءاً من مدينة شبام البحري، وأخذ نخيلا كثيرة، وطمر آبارا عديدة، وفتك بنخيل ذهبان تحديداً، وهذا السيل أيضاً بمثابة سيول عمت حضرموت.
- 970هـ أي قبل 464 عاما خلت وصادف وقوعه نجم الأكليل خرب كثيرا من الديار والحقول المحيطة بشبام.
- وعام 1049هـ أخذت السيول جزءا كبيرا من جروب مدينة شبام وعددا من البشر، وهدمت (جرفت) موزع شبام.
- وتوالت سيول بعد أخرى على المدينة كما قلنا رحمة بها، وأخرى قضمت أجزاء فيها، ولعل ممر السيول المعروف بالبطحاء أضيق مجرى لمياه السيول بوادي حضرموت وعلى ضفتيه تنتصب بشموخ شبام المسوّرة القديمة المصانة برعاية الرحيم دائماً تقابلها سحيل شبام في هذا الممر بالإمكان ألا يصدق المرء أنها النقطة الخطرة مع كثافة السيول إذا اجتمعت وتدفقت مرة واحدة يجعل مياه السيول ترتفع حتى 4 أمتار وجريانها يصبح سريعاً، بسرعة قد تزيد عن 3000 متر مكعب في الثانية.
- وكما قلت إنني أنقل باقتضاب ما سبق أن كتبته في الصحيفة، وفي أبحاث قصيرة صدرت في مناسبات بوريقات قليلة، فإن أشهر سيول القرن الماضي هي سيل 1949م، الذي دمر المضالع وجرف النخيل، وفي 1976م جرف الموزع وأنابيب مياه الشرب وأعمدة الكهرباء، وفي 1983م دمرت السيول الدفاعات الطينية وقرضت كثيراً من الطرق المرصوعة بالحجار وأنابيب مياه الشرب والكهرباء وبعض النخيل المزروع بطرف سحيل شبام. هذه الورقة الأولى، ثم هذا اليوم سنتحدث في الورقة الأخرى ما تلاها من سيول حتى 2008م مروراً بـ 89م و92م و96م.
*السيول خلال 24 عاما ماضية
كما تحدثنا عن أشهر السيول في الورقة الأولى التي داهمت مدينة شبام خلال قرون مضت فإن معظم السيول كما أسلفنا أنعشت المدينة وروت الأرض العطشى بنقاوة قلوب سكان العالية. وأشهر السيول المدمرة وقع في 89م، وقبله في 86م قدم سيل في أبريل، ولم يمر بالمسيال البطحاء إلا بعد فتح ثغرة في جدران الساقية الرئيسية جهة الجنوب للضغط والارتدادات إثر بناء (قنطرة) المعبرة الجديدة وتمرير الطريق الإسفلتي في 84م بفصل عدد من الجروب وحرمانها من مياه السيول، وهي الجهة الغربية الجنوبية التي تستوعب 2/5 أخماس مياه السيول الواردة الى الجروب، حينها حصل الارتداد وانسحاب المياه تاركاً أخدودا عميقا ثم دفنه فيما بعد ليعود في 2002م و2005م حتى تم تقوية الجدار الطيني مؤخراً.
- سيل 1989م: وهو من أكبر السيول خلال القرن الماضي بعد أمطار غزيرة طيلة يومين كاملين في منتصف مارس 89م على مستوى حضرموت كاملة تضررت فيها المكلا والشحر وتريم وسيئون، إلا أن شبام نالت النصيب الأوفر من الضرر، حيث دمرت فيها المرافق العامة أهمها المركز الصحي الذي يشرف على البطحاء بوسط السحيل (مدرسة سابقاً)، وكذا سور المدينة ومحلات بنشر وصالونات والسوق المركزي للخضار ومقهاة ومحطة بترول، ونحو (11) منزلا بسحيل شبام، وتشقق أخرى ومنزلين تحت سور المدينة، وتشقق أكثر من (35) منزلا بشبام القديمة، وتم إجلاء العديد من أسر سحيل شبام وانقطعت الحركة طيلة 3 أيام، ودمرت شبكة الكهرباء والمياه، وقدرت كلفة الأضرار والخسائر الخاصة والعامة بمبلغ مليون وخمسمائة الف دينار جنوبي حينها (تقارير موثقة لدي بأرشيفي الخاص)، وهو أول سيل يتم توثيقه بصورة متحركة وصوتية (فيديو) قام بتصويرها صاحبي أستديوهين للتصوير، هما الأخوان سالم فرج نصير ومحمد عوض معدان، وارتفع سيل 89 كثيراً، ووصل حتى السور الجنوبي، كما تداخلت جروب شبام، وتعد كثافته أكبر من السيول التي أعقبته على الرغم من عدم وجود أي معوقات في البطحاء (المسيال)، ولله الحمد لم تحصل خسائر بشرية أو ضحايا، إلا أن الضرر المادي كان كبيراً على الأسر المتضررة.. وحصلت حالات وفاة وفقدان ولكن في مناطق أخرى منها حالتين بوادي سر، وأكثر من ثلاث حالات في تريم، وكذا الوديان القريبة من الشحر، كون سيل 89م عم حضرموت وأطبق عليها.
- سيل 1992م: شهدته شبام والمناطق الغربية الواقعة ضمن مديرية القطن، بالنسبة لشبام جرفت الدفاعات الطينية والموزع الذي لم يستكمل حينها إعادة بنائه عقب سيول 89م، وكسرت مياه السيول أنابيب مياه الشرب وأعمدة الكهرباء، وجرفت السيول مواطن لقي حتفه وهو صالح قرطب، رحمه الله، بالقرب من شبام، وفي غصيص وفاة ثلاث فتيات غرقاً، ووقع السيل في شهر مارس.
-  1996م: جاءت سيول وليس سيلاً على مدى يومين كاملين بمدينة شبام في 14و16 يونيو 1996م تسببت في تضرر (33) منزلا ومنشأة بين متوسط وخفيف ودمرت (4) منازل لم تعد ساعتها صالحة للسكن، فيما هجرت (6) أسر بمدينة شبام السحيل سكنها إثر التشققات وطوق السيل مدينة شبام من جهتها الشرقية والجنوبية، وانجراف كامل لموزع شبام، وأنقذ الطيران المروحي شابا علق بين الموزع وذهبان من أهل خشامر، وبعد أسبوع من سيول يونيو 96م ونتيجة الأمطار حصل هبوط (وضوع) تضرر منه (13) منزل تضرراً كبيراً تقع بمحيط السوق القديم بشبام جراء المجاري بسبب هبوط الأرض لأمطار يونيو الغزيرة.
- سيول 2002م: حصدت أضرارا في مناطق ثبي وفلوقه والرمله ومشطه بمديرية تريم  بانهيار (71) منزلاً  و(2) مدارس تشققت و(3) مساجد بتلك المناطق، وضرر خفيف بطرقات ساحل حضرموت، كما تضررت منطقة ساه بانهيار (11) منزلا، وسلمت مدينة شبام حضرموت من أي ضرر سوى غمر المياه جزء من مقبرة شبام  وغرق فتى صغير أدى إلى وفاته بأحد الجروب، ووقعت سيول 2002م في 11-13 أبريل.
- سيول سبتمبر 2002م: وقعت سيول بمدينة شبام في 3 و 4 سبتمبر، اقتربت هذه المرة  وأحدثت ثغرات في جسم الساقية الرئيسية جزءها الجنوبي من الطرف الغربي، وبدأ يفتح ثغرة في سوم مسقى صغير يجاور السوم الشرقي لمقبرة المدينة إلأ أن الشباب تداركوا ذلك وسدوا (ربدوا) ذلك تطوعاً منهم.
- وتوالت سيول في 2005م و2007م لكن لم تحدث ضرراً يذكر بمدينة شبام، ولكن أضرار حصلت شرق وادي حضرموت.
- سيل 2008م: وهو أكبر السيول شبيهاً بسيل 89م، وكان سيل 2008م في أكتوبر بحضرموت عموماً وخلف بها ومعها المهرة أكبر الأضرار،  ويمكن وصفه بالكارثة الحقيقية لبداية القرن الواحد والعشرين، وتعد ضحاياه البشرية الأكثر خلال قرنين الـ(20) والجزء الأول من القرن الجاري (21)، حيث وصل عدد ضحاياه في معظم المديريات أكثر من (67) متوفى، ولله الحمد لم يخلف ضحايا في البشر بمدينة شبام وهدمت السيول في أنحاء حضرموت (6) آلاف منزل، وتضررت منازل بأضرار متفاوتة بلغت (8) آلاف منزل ومساجد ومنشاءات عامة وطرقات، وتشرد آلاف السكان هرباً من منازلهم إلى حيث المواقع المرتفعة.. (ولديّ أكثر من 850 ورقة، حجم «إيه فور» عباره عن تقارير مناطق حضرموت والجهات الرسمية وتقارير إغاثة الدول ومناشط الأنقاذ والإغاثات لأكثر من (45) جمعية ومؤسسة أهلية محلية ورسمية وعربية ودولية وشحنات الدعم الغربي وتقارير لجان الحصر الحكومية والأهلية ومنظمات الإغاثة الإسلامية الدولية وهيئة الصليب والهلال الأحمر الدوليين ومنظمات،  وكل ما يتعلق بهذه الكارثة التي حلت بحضرموت والمهرة منها ما تم نشره في حينه ومنها في الأرشيف التوثيقي الخاص)، ولست بصدد ذلك ولكن مدينة شبام وقع عليها ضرر كبير في الأسبوع الأخير من أكتوبر 2008م، إذ رصدت الوثائق الرسمية (25) مبنى بين تهدم كلي وجزئي والبعض تساقطت سقوفها في سحيل شبام  وتضرر من 5 - 6 بيوت بشكل جزئي في شقيه و4 في السباخ  وأخرى في خمير ومحلات أخرى بين ورش نجارة ومزرعة دواجن ومعامل طوب طيني (مدر) ومدرستين.  وفي شبام القديمة أغلب البيوت بحاجة إلى إصلاحات عاجلة حدد التقرير الأولي الرسمي عددها (300) بيت في شبام القديمة بحاجة الى إصلاحات للسطوح(الريوم) ووقوع هبوط في الطريق الدائري وأعلى السور مما يسبب مشاكل للبيوت المطلة على الأسوار (هذا الأمر لم يتدخل فيه أحد لا الحكومة ولا صندوق الأعمار).. كما جرفت سيول أكتوبر 2008م  أعمدة الكهرباء التي تخدم شبام والسحيل وشقية، وأوقعت أضرارا كبيرة بشبكة الري التقليدية والمساقي المحيطة بشبام، وهجرت عوائل عديدة منازلها خصوصاً في سحيل شبام وأصبحت مشردة في مأوى كالمدارس أو لدى أقاربها وكانت شبام وضواحيها منطقة منكوبة.
- سيول 2013م: هطلت منذ فجر 24 وحتى فجر 26 مارس أمطار غزيرة في مدينة شبام، تدفقت على إثرها السيول ملأت جروب المدينة وانقطعت على إثرها حركة النقل كغيرها من مناطق وادي حضرموت، وظهرت نتيجة لذلك تشققات في مباني شبام القديمة ما يعرف (غرر الريوم) وهبوط في أرضية الشوارع وانقطعت مياه الشرب القادمة من حقل مياه موشح وادي بن علي، وبدت شبام كجزيرة سامخة تطوقها السيول، وانقذت طائرة هيلوكبتر مواطنا من لحج علق بمياه السيول بالجسر الأرضي للبطحاء مع شاحنته الكبيرة، وكان لأهل شبام دوراً في إنقاذه بإبلاغ الجهات المسئولة وغرف العمليات المشتركة وأعلى أجهزة الدولة، وكان الأهالي قلقين عليه يدعون ويتضرعون إلى الله أن يفرّج عنه، وحصلت مشيئة الرحمن وهيأت له طائرة إنقاذ وانفرجت أسارير الناس بعد إن كانت مقبوضة خوفاً عليه.
- كل ما ذكرته في الورقة الأولى والثانية مجرد رصد وتوثيق تاريخي (توثيق اللحظة) كما يعرف بهدف استعراض أهم السيول التي جاء ذكرها في القرون الماضية والسيول اللاحقة خاصة من سيول 1976م التي أرصدها في أوراقي الخاصة كتوثيق، والنشر في الصحف يبدو ناقصا ولكن الأهم هو ما تناولته كرصد فقط وليس تحليلاً للنتائج.
تقرير/ علوي بن سميط ​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى