حرب اليمن تعيد صياغة استراتيجية لـ«مواجهة إيران والقاعدة»

> ريتشارد مينيتر*

> على بعد 7 آلاف كيلو متر من واشنطن، وفي ظل غيابها عن عناوين الصحف الأمريكية، تعيد الحرب في اليمن صياغة استراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة إيران والإرهاب.
تضع الحرب، ثلاثية الأطراف، جماعتين إسلاميتين متطرفتين هما جيش القاعدة الصامد وقوة إيران بالوكالة، في مواجهة بعضهما ومواجهة ستة من حلفاء أمريكا العرب.
تقوم القوات الخاصة الأمريكية بتنفيذ عمليات سرية في الوقت الذي تواصل طائرات السي آي إيه المسيرة إلقاء صواريخها على قادة الإرهاب.
إن نتيجة حرب اليمن مهمة: القوات الأمريكية تقاتل في اليمن، وهو ما يعني أن أمريكا تجرب استراتيجية جديدة لمحاربة الإرهاب في أفقر بلدان الشرق الأوسط.
منذ أن غادرت قوات البحرية الملكية البريطانية محميتها في عدن في نوفمبر 1967، ما يزال اليمنيون يقتلون بعضهم البعض تحت كل الأيديولوجيات الدولية تقريبا: الاستعمار والشيوعية والإسلام الراديكالي، أضف إلى ذلك المنافسات القبلية والانقسامات الدينية بين فرقاء الإسلام بنسختيه السنية والشيعية، مما يجعل المشهد مهيأ لحرب لا تنتهي.. بالفعل، شهدت اليمن في كل عقد من الزمن منذ الستينيات تفجيرات وسفك دماء وبربرية.
يبدو أن إيران تسعى أيضا لتشكيل الهلال الشيعي في الشرق الأوسط من خلال اليمن مرورا بالعراق وسوريا ولبنان حتى البحر الأبيض المتوسط.
ووفقا لقرابة نصف مليون من الملفات التي نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية العام الماضي، بعد أن تم العثور عليها من مقر أسامة بن لادن، فإن إيران أيضا قدمت دعما للقاعدة مقابل استهداف الخليج.
علاوة على ذلك، لطالما دعمت إيران انتفاضات الجماعات الشيعية في البحرين.. في عهد أوباما، تجاهل السفير الأمريكي في البحرين استغاثات المسئولين البحرينيين الذين طلبوا مساعدة من الولايات المتحدة، خوفا من أن تؤثر أي مساعدة أمريكية على مسار صفقة الرئيس بخصوص نووي إيران، تماما كما فعل أوباما حين فشل باتخاذ اجراء بعدما تم تجاوز الخط الأحمر المتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وفي غضون ذلك، تشير إيران في إذاعاتها الرسمية إلى البحرين على أنها المحافظة الرابعة عشرة لها، في الوقت الذي اتهمت السعودية إيران بالوقوف وراء انتفاضات الشيعة في منطقة الربع الخالي الغنية بالنفط، ووضعت الإمارات تسع جماعات وأفراد إيرانيين على قائمة الإرهاب.
بعد الربيع العربي الذي اندلع عام 2011، بدأ الخارج يدق طبول الحرب.. القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهي أخطر فرع لتنظيم القاعدة منذ مقتل أسامة بن لادن، هاجمت مقرات الشرطة وثكنات الجيش وهزت المدن اليمنية بعبوات ناسفة وعمليات قنص، حينها طلبت الحكومة اليمنية المنتخبة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما مساعدتها في مواجهة القاعدة.
حينها وبعد تصريحاته بخصوص حرب العراق وأيديولوجيته بخصوص التدخل الأجنبي، وجد أوباما نفسه أمام قرار صعب: إما أن يترك أحد حلفاء أمريكا بالسقوط في إيدي القاعدة أو أن يقوم بالتزام عسكري كبير قد ينفر أنصاره الذين هم ضد الحرب.. وكالعادة، اختار طريقا وسطا: القوات الخاصة وغارات الطائرات المسيرة.
ولقد نتج عن هذا الجهد الوسطي نتائج متوسطة: تم تشتيت قوات القاعدة وطردها إلى الجبال والصحاري القاحلة، لكن ذلك لم يكن سوى ضربة مضادة وليست هزيمة للقاعدة.
في ذلك الوقت، اضطرت القوات اليمنية والقوات الأمريكية إلى مواجهة خصم أكثر فتكا يتمثل في المليشيات المدعومة من إيران المعروفة باسم (الحوثيين)، وهي عبارة عن فرع للإسلام الشيعي.
وانطلاقا من الرابط الديني المشترك، أنشأ العملاء الإيرانيون تحالفات سياسية مع الحوثيين من خلال الدعم المعنوي والمال والزواج الاستراتيجي. إن هدفهم المشترك، وفقا لوكالة «رويترز»، هو تقوية يدهم في المنطقة، وتأسيس مليشيا مثل حزب الله اللبناني في اليمن وتطويق السعودية، وتوسيع نفوذهم ومستقبل قوتهم، وتطوير أذرع ضغط غير تقليدية.
وبفضل استخدامهم الفعال لتكتيكات الوحدات الصغيرة التي تتشابه مع تلك التي تتعلمها وحدات المشاة الأمريكية لتنظيم تحركاتهم كفرق وفصائل أثناء تركيز القوة النارية لها، سرعان ما تمكن الحوثيون من هزيمة القوات الحكومة غير المنظمة.. سيطر الحوثيون على صنعاء في 2014 ومايزالوا يسيطرون عليها حتى الآن.. لقد حلوا البرلمان في 2015 واستبدلوه باللجنة الثورية العليا في وقت متأخر من نفس العام.
الرهانات مرتفعة.. يعلم جيران اليمن أنه لو سقطت اليمن في أيدي حلفاء إيران، ستندلع انتفاضات في الجنوب التي غالبية سكانها من الشيعة في السعودية وبقية دول الخليج على غرار ما حصل في اليمن، عندها سيعاني حلفاء الولايات المتحدة من حروب أهلية ستصرفهم عن جهود أمريكا للقضاء على داعش والقاعدة في سوريا والعراق.
وقد تضعف العواقب الاقتصادية الرغبة في مواجهة طموحات إيران، حيث سترتفع أسعار النفط والغاز وهو ما سيؤدي إلى تباطؤ في نمو الاقتصادات الغربية.
وما هو أكثر من ذلك هو أن اليمن قد تمنح الإرهابيين أفغانستان أخرى، كقاعدة آمنة سيتمكنون عبرها من رسم خريطة لأهدافهم والقيام باعتداءات في أفريقيا وأمريكا وآسيا.
ولذلك، نشرت السعودية ومصر والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة قواتهم ودباباتهم وطائراتهم لمواجهة هذه المليشيا. بالنسبة لمعظم هذه البلدان، لقد كانت المرة الأولى التي تنشر قوات كبيرة لها خارج حدودها، على مر تاريخها.
أمريكا، وكما اعتادت خلال إدارة أوباما، قدمت دعما تقنيا كبيرا تضمن مراقبة المحادثات التلفونية ودعما طبيا وشحنات وجبات جاهزة.
وماذا كانت النتيجة الأولية؟ مأزق مروع حيث صدمت كمية الدم المسال في كل فدان تمت استعادته، الدبلوماسيين ومخططي الحرب.
أخبر أحد المستشارين العسكريين السعوديين كاتب المقال عام 2017: «فاتورة الجزار كانت مرتفعة كتلك التي كانت في حرب العراق وإيران في الثمانينيات، وبعد خمس سنوات، مانزال نسيطر على أقل من نصف الريف».
ذكرته المدن اليمنية ببيروت في السبعينيات. «القناصون والقنابل... مجازر المدنيين، وقذائف المدافع تسقط على المربعات السكنية». «هز الضابط المهني رأسه. لم يشأ أن يعود».
الآن، قد ينقلب المد ضد الإسلاميين. لقد سحقت الطائرات الإماراتية غرفة عمليات رئيسية للحوثيين ومركز اتصال بالقرب من مفترق طرق استراتيجي يبعد 15 ميلا عن الساحل.
لقد بنت الإمارات العربية المتحدة قوة طائرات مسيرة لا بأس بها بعد حصولها على صواريخ صينية.
من غرفة تشابه مركز تحكم لبعثة ناسا تقع على بعد 900 ميل إلى الشمال من أرض المعركة، تستطيع الإمارات الآن قصف قادة جماعة الحوثي بطائراتها المسيرة. لقد قتلت طائرة إماراتية مسيرة صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الحوثي الأعلى، عندما غادر سيارته من نوع «تويوتا» في أبريل من العام الجاري.. الكثير قضوا نحبهم تباعا.
ماذا يعني هذا لصناع القرار في أمريكا؟
إن حلفاءنا العرب يريدون أن يصبحوا مقاتلين فاعلين على الأرض قادرين على طرد الجهاديين من مواقعهم المحصنة في كل من اليمن والعراق. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع الطائرات المسيرة الإماراتية أن تنزل بهم الموت من أعلى بنفس كفاءة نظيراتها الأمريكية، بالرغم أنه لا أحد يدري إلى متى ستظل قادرة على ذلك.
وبالرغم من أنه يبدو مغريا أن ينسخ هذا النموذج في أفغانستان والعراق وسوريا وعلى طول شمال أفريقيا، تظل المشكلة كما وصفها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس هذا الأسبوع «مسألة وقت فقط قبل أن يتجسد التهديد بطريقة عنيفة».
ومتى ما أصبحت القوات الحكومية في الدول العربية قادرة على هزيمة الإسلاميين بشكل كامل، سيتغير توازن القوى ضد الإرهابيين.
هذا لا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستنسحب من الشرق الأوسط كما يتوقع السيناتور راند بول، بل يعني أن حلفاء أمريكا أصبحوا في الأخير قوات مضاعفة يشاركون أمريكا استخدام مواهبها وتكنولوجيتها لهزيمة الجهاديين كهدف نهائي. يجب علينا أن نساعد ونشجع الإمارات والسعودية لا أن نتخلى عنهما.
*ترجمة: ديبريفر- عن (عيون الخليج)
ريتشارد مينيتر*

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى