حين تبدأ نشوة البحث عن زعيم سياسي، تجمع عليه معظم أطياف المجتمع، تكون البلاد قد وضحت لها الرؤيا حول المستقبل الذي تنتظره، جراء البحث عن الزعيم الجديد.
فكيف يحصلون على هذا الزعيم السياسي؟ وبماذا يكتشفونه؟ ومن هي الجهة التي تتشرف بإخراج زعيم سياسي من أبنائها؟
التوريث في الحكم جاء بزعماء أغلبهم يتصفون بالضعف، وأدى ضعفهم هذا إلى انهيار أمبراطورياتهم.
كما أن التبني في الحكم جاء بصراعات لا هوادة فيها بين الاخوة الأعداء، واستهلكتهم تلك الصراعات حتى فنيوا عن آخرتهم، دون أن يحققوا شيئاً يليق بمستويات حكمهم فيما عدا سمعتهم التي شوهتها تلك الصراعات.
والأحزاب السياسية لها زعماؤها، ولكن رئيس الحزب الذي يصل إلى السلطة يتحول إلى حزب بنفسه عالي المقام، ويقيم حوله تنابلة تنتفع منه، وينتفع منها، ومن يحيطون به فإنهم أصحاب الحظوة والمقام الرفيع، أما البقية فيعتبرهم خصومه الألداء، ويحاول دائماً إدخالهم في مواقف ومعارك تقرب من أجلهم.
لكن الزعماء الذين يمنحهم المجتمع حباً صادقاً وفداءً مطلقاً، هي تلك الزعامات التي تخرج من المجتمعات المنتظمة في مؤسساتها الخدمية والاقتصادية والسياسية والمالية، والمجتمع نفسه منتظم في نقابات ومنظمات أهلية واجتماعية وثقافية يحكمها نظام دستوري ويتولاها حكم النظام والقانون.
أما الزعماء الذين تنتجهم المحن والمعاناة في وسط مجتمعات تصبح فيها الأمية والفقر، وتعاني من عدم الانضباط وقلة النظام، فإن الزعيم في هذه الحالة تحت نظرتين: الأولى نظرة تتولى وصفه بالسياسي المتقد الذكاء والمحبب للنفس، أما النظرية الأخرى فتحاول التخلص منه.. نظرة تتملق له والأخرى تتحين الفرصة عند أي منعطف سياسي.
والمجتمعات الذكية التي تحاول سد الثغرة بين الزعيم ونخبته، وبتعديل كل أسباب الشرور، وتحاول أن تعدل من مستوى المعيشة وتعديل المرتبات بين الأرض في المرتباب وبين أدناها، وهذه المسألة تعد من أخطر أسباب الإطاحة بالزعامات، فهي الثغرة التي يتسلل منها المتخاصمون وتمرق منها سهام المؤامرات ضد هذه الثغرة، وتعتبر أرقى عمل يمكن أن تقوم به النخبة الحاكمة، وتعد بتصرفها هذا عقلاً خارقاً للعادة، بل عقلاً عابراً للقارات.