ترام عدن - 2

> كنا قد كتبنا عن الموضوع المذكور أعلاه في سبتمبر 2014م «ترام عدن - 1»(الأيام الغراء العدد 5822) وشرحنا بالتفصيل الدقيق والمنطقي الوضع المزري (آنذاك) الذي وصل اليه قطاع النقل العام في محافظة عدن (فما ببالكم الآن !!).
محمد نجيب أحمد
محمد نجيب أحمد

حينها نقتبس «اليوم تحوم وتجول في شوارع عدن وسائل وآليات نقل عام، خاصة حافلات الهيس والتي هي في أغلبها (90 - 95 %) قديمة طرازاً وغير كفوه ميكانيكاً وفاقدة لمتطلبات السلامة لركابها . وتستخدم الديزل أكبر الملوثات النفطية . ولكم أن تتخيلوا ما لهذا تأثير خطير وباهظ على صحة الفرد والبيئة.

ولأن هذه الوسائل قديمة فأنها تتطلب تغير قطع غيارها المستورد بصورة دائمة لتستمر في الحركة، مما يشكل عبئاً اقتصاديا مستداما على الميزان التجاري وبالتالي زيادة الطلب على العملة الصعبة وهبوط سعر صرف العملة الوطنية.
وقد حُسِمَ أن أغلب حوادث الطريق الخطيرة والإعاقات والمخالفات المرورية. تأتي من هذه «الهيسات» إضافة إلى أنها تُسير من فئة صغيرة السن قليلة الخبرة في مهنة التعامل ونقل «البشر». هذا مقابل عجز الأجهزة الرسمية في ضبط وتطبيق النظام والقانون في ضوء الوضع الراهن... نختم.

حالة هذا القطاع الحيوي هي الآن أسوأ بكثير مقارنة عما كانت عليه في العام 2014م. ويرجع ذلك وبدرجة رئيسية إلى حالة الحرب التي تعيشها البلد (برغم تحرر عدن منذ 3سنوات) وغياب النظام والقانون ومؤسسات وأجهزة الدولة القادرة على ضبط الأمور والمجريات العامة ولو بالحد الأدنى.
ولقد ارتفعت أعداد الوسائل والحافلات خلال  الأربع سنوات الماضية، إلى مستويات عالية في محافظة عدن فاقت قدرة البنية الأساسية على تحملها كالطرقات والشوارع الرئيسية.

وقد جاءت هذه الزيادة المرعبة اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا بعد فتح باب الاستيراد على مصرعيه بدون رقابة أو تنظيم للحافلات وسيارات النقل المستعملة والقديمة وحتى المصدومة من أمريكا والشرق الأدنى. وقد اقترنت موجة الاستيراد هذه بتسهيلات وتخفيضات جمركية مجزية ومتدينة من قبل جهات الاختصاص السيادية.

هذه الفوضى العارمة في قطاع النقل العام بداخل مدينة عدن وغياب الدور السيادي في الضبط والربط استغله ملاك ومشغلو وسائل النقل في التحكم المطلق والجائر في أجور النقل التي أصبحت هاجس المواطن العادي وأضجعت وأثقلت كاهله وهو الذي يكافح في ظل ظروف حياتية ومعيشية صعبة، حتى إن بعض من طلبة الجامعة لا يداومون للدراسة لعدم استطاعتهم أو أولياء أمورهم دفع  أجور النقل.

تحرير اسواق المشتقات في السوق المحلي وارتفاع اسعار النفط عالميا سيؤدي تلقائيا إلى زيادة أسعار المشتقات، وستكون نتيجته لا محالة زيادة مستمرة في أجور النقل، والتي ستؤدي إلى تعميق معاناة وعذاب المواطن في عدن.
إن حجم أساطيل وعدد وسائل النقل العامة بمختلف أشكالها وأحجامها تشكل الفئة الأكبر التي تسير على الطرقات. وأيضا الأكبر في الطلب واستهلاك المشتقات النفطية ( بترول/ديزل) مما يجعلها المسبب الرئيس في «أزمات اختفاء» هذه المشتقات.
ولكن ماهي أكثر وسائل النقل العام استخداما داخل المدن على المستوى العالم؟
الجواب تواجد في «ترام عدن - 1» ونقتبس...

عالمياً، وفي كل دولة على حده تختلف وسائل النقل العام داخل المدن بحسب درجة ومقياس التقدم والرقي الاقتصادي والرفاه الاجتماعي والتطور والتقدم العلمي والتكنولوجي والكثافة السكانية والمساحة الجغرافية المغطاة.

وتتراوح هذه الوسائل من مركبات تستخدم الوقود الأحفوري (بنزين، ديزل، غاز) كالحافلات بكل أحجامها وسيارات الأجرة، وأخرى تشتغل كهربائياً مثل مترو الأنفاق والمعلق والترام. الأخير يعد الوسيلة الأقدم والأكثر استخداما وشيوعاً للنقل الجماعي داخل المدن في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. حتى أن بعض من الدول التي أوقفت تشغيل الترام قامت لاحقاً بإعادة خدماته إلى شوارعها.
وتختلف مستويات «الترام» من حيث التطور التكنولوجي والفخامة والرفاهية... الخ من دولة إلى أخرى. ولكن مفهوم «الترام» كوسيلة نقل تبقى عامة.

باختصار «الترام» هو عبارة عن مركبة دفع/ سحب تعمل بالكهرباء وموضوعة على قطبين حديديين وتشتغل من قبل سائق مربوطة بها عدد من مقصورات الركاب.
ولكن كيف لوسيلة نقل كالترام، تسير كهربائيا أن تنجح وتزدهر وتصبح الحل لجزء كبير من مشاكل النقل العام في عدن في ظل وجود أعصى معضلة وأم الكوارث وهي أزمة الكهرباء المزمنة والتاريخية في عدن؟
الجواب يكمن في التقدم والتطور العلمي والتكنولوجي. مشروع الترام يمكن أن يكون له مصدر توليد كهرباء خاصة به واضعين بعين الاعتبار حاجة المشروع إلى حجم طاقة متواضعة لتشغيله، ومن ناحية أخرى، هناك الآن قطارات (وهي أكبر حجما وأوسع خدمة من الترام) تسير بواسطة الطاقة الشمسية.

وماهي أهم الميزات التي تجعل من «الترام» الاختيار الأول الذي لا بديل عنه كوسيلة نقل عامة في عدن؟
تقتبس (من ترام عدن - 1)... «ويعود ذلك إلى جدوى استخدام الترام والتي من أهمها الحد الأدنى من رأس المال المستثمر، مقارنة بمترو الأنفاق والمعلق والمردود السريع والمجزي وكفاءة التشغيل وتدني الأعطال كذلك مرونة وتكيف بناء وتأسيس البنية التحتية (كخطوط السكة الحديدية ومحطات ركوب/ نزول الركاب وورش الصيانة ومحطة توليد الكهرباء الخ) لن تتطلب أعباء مالية باهظة في منازعات و/ أو إشكالات قانونية مثل نزع ملكيات (تعويضات) لغرض، مثلا  لتوسيع شوارع رئيسية لحركة مرور السيارات والآليات.

كما أن «الترام» أكثر وسائل النقل العام سلامة والأنظف بيئياً والأوفر في المساعدة على تخفيف البطالة وخلق وظائف مباشرة ومستدامة وتلك غير المباشرة.

ويمكن ربط شبكة الترام داخل المدينة بشبكات القطارات الوطنية (إن وجدت) مما سيعطي لحركة تنقل المواطن والبضائع دفعة ألى الأمام . ...نختم»
وتأكيدا على جدوى «الترام» في حل معضلة النقل، فقد قامت ومنذ زمن قريب كل من تونس (2011) والمغرب (2012) والجزائر (2012) وأثيوبيا (2015) في تأسيس هذا القطاع. وثبت نجاح هذه الخطوات والقرارات في كل هذد الدول. وللعلم فإن الدول المذكورة (باسثناء الجزائر) تعاني من مشاكل جذرية كالتي نعاني منها، كونها مستورد خالص للمشتقات النفطية؛ وما يرافق هذا من تأثيرات سلبية خطيرة على الاقتصاد الوطني.

ومن خلال التجربة (RULE OF THUMP) فإن اجور نقل الترام تبلغ نحو 40 - 50 % من أجور النقل العام (الحافلات)، وهي نحو «15 - 20 %» من أجور سيارات الأجرة (الانجيز).

عدن بطبيعتها المميزة والترابط الجغرافي المباشر بين مديرياتها وأرضها الساحلية المسطحة تجعل «الترام» الوسيلة العملية لحل معضلات النقل العام وتخفيف معاناة أناسها وأهلها.
إن الذي دفعنا إلى الكتابة عن مقترح «ترام عدن» هو ما تناولته وسائل الإعلام المحلية والأقليمية عن قيام المملكة العربية السعودية وعبر تصريح سعادة سفيرها في اليمن محمد الجابر عن عزم حكومته بناء مطار اقليمي في محافظة مأرب الى جانب عدة مشاريع في البنية التحتية وبرامج تنموية. فهنيئا لمحافظة مأرب هذه اللفتة الكريمة والطيبة من قبل المملكة حفظها اللع من كل سوء وشر.

ونحن بدورنا وعبر منبر صحيفة «الأيام» صوت الجنوب عامة، وعدن خاصة نتوجه ونناشد المملكة العربية السعودية «سلمان الحزم» ودولة الإمارات العربية المتحدة، «إمارات زايد والخير»، أن ينظرا كعادتهما، بعين الاخوة والمحبة إلى مقترح انشاء قطاع «الترام» في مدينة عدن. نحن لا نطمع في «ترام» مقصوراته مكيفة الهواء ومقاعده من الجلد ويعمل بأحدث التكنولوجيا... ولا حتى جديد «لنج».

هناك درجات وأنواع لمستويات عربات ومقصورات «الترامات»؛ الأكثر كفاءة وتحملا  لطبيعة وأجواء عدن هو مبتغانا. حتى وان كانت «محدثة» (Re – conditioned).
الحالة المزرية للبنية الأساسية في عدن من طرق وشوراع وما بها من تدهور/اختفاء سلفتتها والمطبات والحفر والعوائق الخ.. تجعل من مشروع نقل عام، (غير الترام)، كالأتوبيسات (الباصات) مشروعا فاشلا من بدايته وذلك للأسباب التي قمنا بذكرها في بداية المقالة، إضافة إلى سرعة اهلاك واستهلاك هذه الوسائل (غير الترام) لتخرج عن الخدمة في أقصر وقت ممكن تصوره ويتم التخلص منها كخردة.

إن الشروع والقيام بتنفيذ مثل هذا المشروع الجبار سيبقى مدى الدهر يخدم ويستفيد منه أهالي عدن وسيظل «تذكارا ورمزا» يحس به ويلمسه كل أجيال عدن على ملئ المستقبل المديد بإذن الله... وتعبيرا عن مدى وعمق العلاقة التي تربط سكان عدن مع المملكة العربية السعودية «سلمان الحزم» ودولة الإمارات العربية المتحدة «زايد الخير».. وقفنا يا «ترام عدن» عند محطة (السلام).​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى