باحث سياسي: السلام الحقيقي يبدأ من صرف الرواتب

> صنعاء «الأيام» أحمد الأغبري

>
 اليمنيون في الخارج ربما هم أكثر متابعي أخبار المعارك والمحادثات لإنهاء الأزمة في البلاد، أما اليمنيون في الداخل وخاصة في مناطق سيطرة جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) فقد بلغت بمعظمهم المأساة الإنسانية مبلغاً أصبحوا معها لا يعطون بالاً لأي تحرك سياسي أو تقدم عسكري، بل إن وضعهم المعيشي بعد تسعة عشر شهراً بدون رواتب قد جعلهم أكثر إيماناً بالراتب وكفراً بما سواه.

وكتب الصحافي اليمنيّ علي سعيد السقاف معلقاً على زيارة المبعوث الأممي لليمن مارتن جريفتثس الأخيرة، معتبراً أن المباحثات إذا لم تعمل على إيجاد حل لصرف الرواتب كمقدمة لحل الأزمة فلا قيمة لأي حل آخر.
وفي ظل الظروف الاقتصادية القاهرة التي يعيشها معظم الناس هناك لم تلق زيارة المبعوث الأممي أي اهتمام من الشارع، مثلما لم تعد متابعة أنباء المعارك تشغلهم كثيراً، لأن معظمهم لم يعد يؤمن بأي طرف تحت ضرب سياط فقرهم وعوزهم والذي جعلهم ينحازون لمشاهد الموت اليومي التي لا تتوقف عن وخز ضمائرهم وإعادة الاعتبار لوعيهم بالوطن المجرد من أي سلطة حرب وعصابة ثروة.

بل إن من الكتاب اليمنيين من سخر جُل مقالاته في قراءة واقع «مقدمات ونتائج» المعاناة الاقتصادية اليومية للناس، معتبراً إياها ناجمة بصورة مباشرة عن إيقاف صرف الرواتب، وبالتالي فالحديث عن الحرب هو حديث عن الرواتب، وبناء عليه يرى أن الحديث عن السلام لا يمكن أن يبدأ بعيداً عما اسماه السلام الاجتماعي والحياتي والإنساني.

وفي هذا يكتب الباحث قادري حيدر، بشكل شبه يومي مقالاته المعنونة بـ «حرب الراتب» وهي سلسلة مقالات أعقبت سلسلة سابقة بعنوان «صباح الراتب» والتي أصبحت كتاباً يحمل العنوان ذاته، ويتضمن مقالاته عن المعاناة اليومية الناجمة عن إيقاف صرف الرواتب الحكومية، وخاصة في مناطق سيطرة الحوثيين. فيما كرّس مقالات «حرب الراتب» لقراءة الإشكالية كجزء من الحرب التي تراهن على معاناة الناس، ليخلص إلى أن الحرب في بلاده هي في جوهرها حرب راتب في ظل ما أفرزه إيقاف صرف الرواتب من واقع معيشي غير مسبوق وبالتالي فإن الحديث عن السلام في بلاده لابد أن يبدأ من إعادة صرف رواتب الناس، كما يقول. قادري الذي أصدر عدداً من المؤلفات في الفكر السياسي اليمني، ويعدّ من أهم باحثي مركز الدراسات والبحوث الذي يرأسه عبد العزيز المقالح، تحدث لـ «القدس العربي» عن رؤيته تلك، قائلاً إن «ما يعيشه الناس حالياً في اليمن فاق كل المراحل البائسة، أي لم يعش اليمنيون أسوأ من هذه المرحلة في تاريخهم الوسيط والحديث والمعاصر، فهي حرب تدمير إنساني بكل معنى الكلمة».

ويعتمد في نشر تلك المقالات على مواقع الانترنت المحلية وبدرجة كبيرة تسهم مجموعات واتسآب على الهواتف المحمولة في نقلها وانتشارها.
ويشير قادري إلى أن أكثر من مليون موظف يمني ومعهم سبعة ملايين ممن يعيلونهم بالإضافة إلى معظم المحسوبين على القطاع الخاص والأعمال الحرة «كل هؤلاء صاروا الآن خارج القدرة على تغطية احتياجاتهم اليومية الضرورية، في ظل وضع تدنى فيه سعر العملة الوطنية لأدنى الحدود وارتفعت الأسعار بشكل جنوني مع توقف صرف الرواتب لسنة وسبعة شهور، ولك أن تتصور كيف يعيش أي إنسان يمنيّ في ظل هذا الوضع الذي بلا شك يحتاج لعشرات الروائيين من أمثال ماركيز لتصوير بشاعة واقعيته السحرية وتقديمه للعالم ليعرفوا كيف يعيش اليمنيون في الداخل».

ويرى أن المعاناة شملت جميع طبقات المجتمع «حتى أنه صارت هناك رموز ثقافية وسياسية واجتماعية يمنيّة لم يتبق أمامها سوى أن تنزل للشارع، مثل عائلات كريمة أصبحت تمد يدها من شدة الحاجة».
وانطلاقاً من ذلك يرى أن أي حديث عن السلام في اليمن لابد أن يبدأ بالحديث عن الراتب. فالراتب كما يقول، هو السلام «فأنت عندما يُصادر راتبك لسنة وسبعة شهور فهذا يمثل تهديداً لوجودك وحربا على حياتك، لأنه يطالك ككيان أسري ومجتمعي وهنا الفاجعة الحقيقية في اليمن، التي لا يمكن أن نقرأ بدونها قصة الحرب والسلام في هذا البلد».

وأضاف: «ما يحدث هو أبشع أنواع الحروب تدميراً لمعنى الإنسان في حقيقته، وهنا تتحمل سلطة صنعاء وعدن كامل المسؤولية عما يحدث للناس في كل مناطق البلاد، لاسيما وأن هاتين الحكومتين تختلفان في كل شيء، لكنهما تتفقان على الموقف من حياة الناس ومن مصادرة رواتبهم».

وطالب الناس إذا أرادوا أن يدخلوا في قضية السلام الحقيقي أن ينزلوا للشوارع رافعين راية الراتب: «فمن أراد السلام عليه أن ينطلق من المضمون الجوهري لمعنى السلام، وهو السلام الاجتماعي والحياتي والإنساني، الذي يمس صميم وجوهر معنى وجود الإنسان في اللحظة الراهنة وليس فضيلة السلام الناتج عن لحظة ذهنية مجردة».
(القدس العربي)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى