الحديدة.. معركة طهران الرئيسية ومفتاحها للنصر أو الهزيمة

> نجاح محمد علي*

>
ألقت إيران بكل ثقلها في المواجهة التي باتت أكثر من معلنة مع الولايات المتحدة وبعض حلفائها العرب واليمن من أهم فصولها كما تقول وتعلن مهددة أن المنطقة كلها «رزمة واحدة»، لكن باب الحوار ليس مغلقاً تماماً لو تحققت بعض الشروط، على حد ما ذكر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقال غير مسبوق نشره الخميس 21 يونيو الجاري في صحيفة «إيران» الرسمية رداً على شروط وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو التي أعلنها في 28 مايو الماضي.

المرشد الأعلى علي خامنئي لم يترك مناسبة إلا وذكر فيها اليمن، وهو الذي سعى إلى تعبئة أعضاء البرلمان نحو تقنين هذه المواجهة مع أمريكا عبر المصادقة على قوانين تبقي «الروح الثورية» في «بيت الشعب»، مشيراً إلى الحديدة: «إن محاولات انتزاع أحد الموانئ من الشعب اليمني المظلوم تدلّ على خباثة ولؤم قوى الهيمنة (أمريكا)».

وأضاف: «تقف بعض الدول الكبرى (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) في وجه الشعب اليمني في البحر لكي تسلبهم ميناءً يُعتبر متنفساً لهذا الشعب المظلوم. إنهم يقتلون الأبرياء من دون أي ورع. إنهم مخلوقات ظالمة في أصلهم. هذه الدول تقوم بما تقوم به مع الجمهورية الإسلامية بسبب مطالبتها بالعدالة ودعوتها للإسلام وللدفاع عن المظلوم».
وفي السياق، لكن بلهجة التحدي، تحدث قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري، قائلاً إن «اليمن الآن على أعتاب الانتصار».

وأضاف في كلمة ألقاها الثلاثاء الماضي في جامعة طهران «إن الانتصارات التي حققتها الشعوب في العراق ولبنان وسوريا جاءت نتيجة تأثرها بالثورة الإسلامية الإيرانية»، مشيراً إلى أنه «خلال الأعوام الأربعين الماضية تحققت إنجازات كثيرة من ضمنها الصحوة الإسلامية وتأثيرات الثورة الإسلامية في المنطقة والعالم».

وبينما يبرر التحالف العربي-الغربي الحرب في اليمن، وتحديداً معركة الاستيلاء على الحديدة، بأنها لقطع نفوذ إيران، ومنع وصول الصواريخ منها إلى الحوثيين، نوه قائد الحرس الثوري الإيراني إلى تقرير لمعهد دراسات تابع للكونغرس الأمريكي، أعلن أن إيران تمتلك أكبر ترسانة صاروخية في المنطقة. وأضاف: «قدراتنا الصاروخية معتمدة على قدراتنا العلمية، ونحن قادرون على زيادة مدى صواريخنا إلى أكثر من ألفي كيلومتر، إلا أن هذه ليست سياستنا في الوقت الحاضر لأن الكثير من أهداف ومصالح العدو واقعة ضمن هذا المدى، لذا على الأمريكيين عدم الخوض في المجال العسكري». هذا قبل أن تعلن إيران أنها أرسلت مدمرة وحاملة مروحيات ضمن «أسطول 54» المكون من حاملة المروحيات «خارك» والمدمرة «سبلان» إلى خليج عدن.

وما لم يقله خامنئي ولا جعفري قالته قناة «العالم» الإيرانية وقنوات أخرى رديفة ووسائل إعلام تدعم إيران بشأن التطورات في الساحل الغربي، إنها معركة حياة أو موت، وأن الحديدة هي مفتاح النصر أو الهزيمة بعد أكثر من ثلاث سنوات على هذه الحرب المجنونة في اليمن.
لماذا الحديدة؟
ومن مجمل ما تذكره طهران في التصريحات والتلميحات، أنها تعتبر معركة الحديدة معركتها الرئيسية لفرض رؤيتها على الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، الطرف الذي يتولى حالياً قيادة هذه المعركة، لتأتي متطابقة تماماً مع ما تريده السعودية، وهو منع إيران من امتلاك أوراق تسمح لها أن تكون شريكاً دائماً للغرب في حل أزمات المنطقة.

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تعمد أن ينشر رده الرسمي المكتوب على شروط بومبيو، بعد أيام من اندلاع معركة الحديدة، وتضارب الأنباء حول من يسيطر على مطارها الذي يشكل مفصلاً استراتيجياً في عموم الحرب المستمرة على اليمن. كما تعمد الإشارة لدور واشنطن في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يضغط على بلاده ليجبرها على الجلوس وجهاً لوجه على مائدة المفاوضات «مستسلمة» له مثل كوريا الشمالية.

وفي هذا الواقع جاء رد ظريف منسجماً مع قائد الحرس الثوري جعفري الذي كان قد أشار إلى قضية الاتفاق النووي ونكث ترامب العهد وعدم الالتزام بتعهدات بلاده، قائلاً إن زعيم كوريا الشمالية كان ثورياً لكنه كان ثورياً شيوعيا وليس إسلامياً وقد ساوم في النهاية، أما نحن فلن نساوم.
وهذا أيضاً ما ذكره ظريف بقوله: «إيران لن تتفاوض مجدداً مع بلد انتهك الاتفاق النووي المصادق عليه من قبل مجلس الأمن الدولي» مع فارق واحد وهو أن ظريف تحدث بدبلوماسية مرنة خالية من التهديد وربط التفاوض مع ترامب بخمسة عشر مطلباً يجب أن تتحقق، على رأسها العودة إلى الاتفاق وتعويض إيران خسارتها، ووقف التدخل في اليمن و«إجبار» السعوديّة على وقف الحرب، بينما جعفري أغلق الباب أمام الداعين في الداخل إلى هذا التّفاوض مشيراً إلى رسالة وجهها مئة ناشط سياسي من داخل النظام لمسؤولي البلاد ودعوا فيها للتفاوض مع ترامب، وقال «إن هؤلاء يتواكبون مع أمريكا وأعداء الشعب ويوفرون الأرضية لهم. إن لم نقل إن هؤلاء الأفراد المئة كانوا مكلفين بتوفير الأجواء للتفاوض مع ترامب، فمن المؤكد أن عدداً لافتاً منهم مكلفون بهذا الأمر».
الصبر الاستراتيجي
وبعد الإعلان في العراق عن تحالف قائمة «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر الذي يوصف بأنه صار في المحور المضاد لإيران الذي تقوده الولايات المتحدة، مع قائمة «الفتح» التي يرأسها هادي العامري أمين عام منظمة بدر (فيلق بدر سابقاً الذي أسسته إيران إبان الحرب مع العراق) وتضم عصائب أهل الحق التي صنفتها الخزانة الأمريكية ضمن المنظمات الإرهابية وهي حليف استراتيجي وعقائدي لإيران، كان لزاماً التأكيد في إيران أن الضغوط عليها من قبل الإدارة الأمريكية، ومنها بالطبع تصعيد الحرب في اليمن، يمكن التفاهم حولها، بمزيد من الصبر الاستراتيجي وإعادة ترتيب الأوراق التي تملكها إيران التي تدرك جيداً أن عليها الظهور أمام ترامب كخصم قوي على شاكلة كوريا الشمالية، أو أكثر عناداً وغروراً.

ويمكن القول إن طهران التي تعتقد من واقع التجربة وفصول الحرب الطويلة في اليمن أن الزمن لن يكون في صالح السعودية وحلفائها الذين يراهنون من جهتهم على تشديد الحصار، ولذلك فان الرهان الإيراني في الحديدة وعموم الساحل، سيركز على كيفية تدعيم المقاومة الشعبية وإرسال المزيد من المقاتلين للجبهات، واستخدام الكمائن ومنع قوات التحالف من الاستقرار على الأرض.

وتكتب الصحف الإيرانية أن الرهان على إطالة أمد المعركة كفيل بإجبار واشنطن والعواصم الغربية المتورطة معها على فرض حل سياسي في اليمن من واقع يقول إن ‏الساحل هو الطريق التاريخي لكلّ من حاول غزو اليمن، فيتقدّم الغزاة في التهامة نحو زبيد، قبل أن ينعطفوا في الممرات الجبلية التي توصل إلى تعز وصنعاء، وهناك يختفي جيشهم ولا يعود.

هذا الغزو (من وجهة نظر إيرانية) لا يمكن الحفاظ عليه وتثبيته، إذ يمكن لقوات «التحالف» أن تتمدّد على طول السّاحل، لكن الجبال هي في النهاية في قبضة الحوثي الذي
قال في آخر خطاب تلفزيوني له، إن معركة الساحل الغربي ستكون مستنقعاً لإهلاك وإغراق قوى الغزو والعدوان، وهذا أقصى ما تريده طهران وهي تحقق اختراقاً بيّناً في العلاقات الأمريكية الأوروبية، وهي أقنعت بريطانيا وفرنسا المشاركتين – حسب  تقارير إيرانية – بأن كل ما يتردد عن خرقها القرار الدولي 2216 حول تزويد الحوثيين بالسلاح غير صحيح، خصوصاً بعد أن أخفق تقرير أممي الخميس الماضي في تأكيد أن صواريخ الحوثيين التي أطلقت على السعودية والتي صُنع بعض من مكوناتها في إيران، كانت قد نقلت إلى اليمن بعد العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة.

وأفادت «رويترز» أن تقريراً سرياً للأمم المتحدة أكد أن فحص أجزاء الصواريخ التي كان الحوثيون في اليمن أطلقوها على أهداف في السعودية يوليو الماضي يشير إلى وجود تشابه بين عناصرها الأساسية ومثيلاتها الإيرانية، أما بعض أجزاء صواريخ الحوثيين فهي إيرانية الصنع.
مع ذلك فقد جاء في التقرير أن الأمم المتحدة لم تتمكن من تحديد ما إذا كانت الأجزاء المذكورة أو الصواريخ بكاملها أو التقنيات المطلوبة لتصنيعها تلقاها الحوثيون من إيران بعد فرض مجلس الأمن الدولي حظرا على توريد أسلحة للحوثيين (في أبريل 2015).

وحسب التقرير فإن مسؤولي الأمم المتحدة «لم يتمكنوا من تحديد متى يمكن أن تكون هذه الصواريخ أو بعض من أجزائها أو التكنولوجيا المتعلقة بها قد نقلت من إيران إلى اليمن.
وحتى يخرج هذا التقرير الأممي إلى العلن، ستبقى صواريخ الحوثيين تقض مضاجع السعودية التي تدرك جيداً أن الاستيلاء على ميناء الحديدة، لن يوقفها ولن يساعد على إنهاء الأزمة اليمنية عبر السلاح، وهذا ما تبرزه تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين عززوا موقفهم ‏بإرسال مدمرة وحاملة مروحيات إلى خليج عدن، وهي رسالة مفادها أن أزمات المنطقة «رزمة واحدة» وإيران شريكة في الحلول مثلما هي السبب – من وجهة نظر خصومها – في اندلاع هذه الأزمات.
* (القدس العربي)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى