ما إن أعلنت الوحدة في الـ 22 من مايو 90 حتى كان هشام وتمام باشراحيل جاهزين لإصدار صحيفة «الأيام»، أو بالأحرى إعادة إصدارها. صدرت «الأيام» وهي إحدى الصحف الريادية المؤسسة للصحافة العدنية ولحرية الرأي والتعبير إلى جانب شقيقتها الكبرى «الرقيب».
اختلف مع رابطة أبناء الجنوب، ووقف إلى جانب الجبهة الوطنية المتحدة، كما دافع عن الأحرار وفتح لهم صدر «الرقيب» و«الأيام». دافع كموقف وطني مستقل عن الحق في المقاومة الوطنية ضد المستعمر البريطاني، ودفع الثمن باهضاً، وظُلِم من جميع الأطراف بحسب شهادة الزميل عبد الرحمن خبارة.
فتحت «الأيام» صدر صفحاتها لكل الاتجاهات السياسية، ولأبناء اليمن شمالاً وجنوباً، وتبنت ودافعت عن قضايا اليمن كلها. كان لـ «الأيام» رائدة الصحافة ولمؤسسها الريادي باشراحيل الدفاع الأول عن حقوق المرأة في التعليم، والمطالبة بمساواتها أولاً بمواطن الكمنولوث ثم بأخيها الرجل. أول مظاهرة واعتصام للطالبات كانت من أجل تحديث المنهج، وإعطاء الطالبة العدنية الحق في الحصول على المنحة الدراسية في الخارج. بدأت المظاهرات والإضرابات في صفوف الفتيات، وحصلت الطالبة العدنية على مطالبها.
دافعت الصحيفة عن الأحرار اليمنيين، وفتحت لهم صفحات لمقالات بأسماء حقيقية ومستعارة، كما دافعت عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر، ووقفت ضد الاستعمار البريطاني، واهتمت أيضاً بالقضايا العربية والدولية.وما إن أُعلنت دولة الوحدة السلمية والديمقراطية حتى بدأ الأخوان الناشران: هشام، وتمام باشراحيل بإعادة إصدار الصحيفة «الأيام». قرن من الزمان لم تمح الأيام من الذاكرة الأثر العميق الذي تركته «الأيام»، فما إن صدر العدد الأول منها حتى بدأت الصحيفة تتبوأ مكانتها لدى القارئ. لقد كانت الميزة الرائعة أن الأخوين: هشام، وتمام كانا حريصين وأمينين على تراث «الأيام» الذي تركه المؤسس الرائد محمد علي باشراحيل. اختطت «الأيام» الطريق الديمقراطي المستقل المتنوع والمتعدد، فاتحةً صفحات لأبناء اليمن جميعاً وللاتجاهات السياسية المختلفة بنزاهة وتقبل.
شُنَّت الحرب على «الأيام» بعد يأس صالح من شراء ذمة الفقيد الكبير هشام باشراحيل الأب الروحي للصحافة اليمنية. بدأت الحرب بالهجوم على مقرها الرئيسي في صنعاء بعدة أطقم عسكرية، واتُهم الحارس عبادي المرقشي بقتل أحد المهاجمين، وهو لا يزال رهن الاعتقال حتى الآن.
الحرب الثانية والأخطر كانت بعد انتقال الصحيفة إلى عدن، فقد قُصِفَ مقر الصحيفة (سكن المحررين هشام وتمام وأسرتهما)، وجرى تدمير أجزاء من المقر والصحيفة والسيارات. كان انزعاج السلطة الفاسدة والمستبدة المتمركزة على نفسها في صنعاء بسبب النجاح الكبير الذي أحرزته الصحيفة. كان الشارع يستيقظ ليجد «الأيام» قد سبقته، ولا تمضي ساعات حتى ينفد العدد.
نحتفي زملاء وأصدقاء وتلاميذ الفقيد الكبير هشام باشراحيل في الذكرى السادسة لرحيله من خلال الاحتفاء بـ«الأيام» الرئة النقية لليمنيين جميعاً، وقد خاض الفقيد معارك بالكلمة في مواجهة ترسانة صالح العسكرية كشهادة صحفي حصيف ومقتدر، وهو الأستاذ نجيب يابلي، ومنع من السفر للعلاج في إصرار جائر لقتله بالأمراض الناجمة عن العدوان العسكري.أتذكر أن الفقيد الكبير كان يسهر الليالي الطوال لمراجعة مواد الصحيفة، وتفريغ المقابلات من الأشرطة. وأهم ما ميز «الأيام» عن الصحافة الكاثرة بعد الوحدة هو رصد المعلومات، وتحري دقتها، ثم متابعة وقائع الأحداث إلى نهايتها.
فرحم الله هشام باشراحيل أحد رموز حرية الصحافة وبناتها!