نازحو الحديدة إلى صنعاء.. كالمستجير من الرمضاء بالنار

> تقرير/ خاص

> تسببت الحرب الدائرة في محافظة الحديدة بنزوح مئات الأسر، لاسيما القريبة من المطار ووسط المدينة، إلى العديد من المحافظات الأخرى كصنعاء وإب وذمار ولحج وعدن.
وشوهِدت الأسر وهي تصل إلى صنعاء بجماعات وفرادى تحملهم سيارات وشاحنات نقل بضائع، وكثير منهم لم يصطحبوا معهم سوى الشيء القليل أو ما خف وزنه.

وعبّر لـ«الأيام» العديد منهم عن شكواهم من الممارسات غير الأخلاقية من قِبل مشرفي وأنصار جماعة الحوثي تجاههم، فضلاً عن الارتفاع الجنوني في أسعار المواصلات والمواد الغذائية والاستهلاكية.
الصحفية والكاتبة حميدة شحرة وصفت الوضع الذي يعيشه المواطن بأنه «حالة من التيه المؤلمة والتي كُتبت على الأنسان اليمني داخل وطنه».

وتضيف لـ«الأيام»: «تنتقل الحرب بين المدن بشراهة الموت لالتهام أكبر قدر من الضحايا، وفي حالنا نحن اليمنيين ينطبق علينا المثل القائل (عاري نطل فوق مخلوس)».
وللحرب والنزوح الجاري آثارهما على المدى الحاضر والبعيد في نفسيات الأطفال وأوساط الأسر وبشكل عام، أبرزها الانكسار والقلق والخوف من المجهول، نتيجة لِما يلاقونه في أماكن النزوح من مضايقات وحرمان ومضاعفة لقساوة الحياة، والتي لا تقتصر على الفقر والجوع والحاجة وتفشي الأوبئة، بل طالت الجانب الأخلاقي، وكذا الاحتكار بالبضائع وجشع التجار المتصاعد والمستغل لحاجة المواطنين المشردين.

يقول الصحفي وليد غالب، وهو أحد أبناء محافظة الحديدة: «إننا نعيش حربا شعواء اضطر بموجبها أهالي تهامة للنزوح منها علّهم يجدون مأوى يستريحون فيه من لظى الحرب المستعرة وقذائف وألغام الحوثيين العشوائية.. لقد غادرناها وأعيننا تفيض من الدمع، كي نأتي إلى هنا حيث ضاقت علينا اﻷرض بما رحبت».

ويوضح لـ«الأيام» أن «المعارك الدائرة ألقت بظلالها على السكان المدنيين في المحافظة منذ مطلع الشهر الجاري متسببة بنزوح آلاف الأسر منها، فضلاً عن محاصرة آلاف آخرين بداخلها من قبل قوات الحوثي من خلال إغلاقها لكل شوارع المدينة ومداخلها».

وأوضح غالب أن «الحصار القائم يهدف من ورائه الحوثيون استغلال الوضع الإنساني وجعل منه ورقة ضغط سياسية من شأنها أن تُجبر المقاومة والقوات المشتركة على التراجع وتخفيف الضغط عليها».
وتوزعت حركة النزوح إلى عدة محافظات منها صنعاء، وإب، وعدن، وتعز، وغيرها.
ووفقاً لأمين عام جمعية الحديدة د.أحمد مكي «فقد وصل عدد النازحين إلى صنعاء نحو (10) آلاف أسرة، فيما أوضحت إحصائية للأمم المتحدة أن نحو (600) ألف أسرة متوقع خروجها».

انتهاكات الانقلابيين
وأوضح نازحون في أحاديث لـ«الأيام» تعرضهم لكل أشكال المعاناة والامتهان من قِبل الحوثيين خلال رحلة نزوحهم، مؤكدين في السياق أنهم «ما زالوا يتعرضون للإهانات في صنعاء حتى اللحظة بداخل المدرسة الوحيدة التي تأويهم بمنطقة عَصِر».
ودفعت المعارك التي وصلت إلى محيط مطار مدينة الحديدة بالمئات من الأسر القاطنة في الأحياء القريبة منه وأماكن المواجهات الأخرى إلى مغادرة منازلهم، خصوصًا بعد أن اقتحمها عناصر من الانقلابيين واستخدامها كمتارس ومخازن لأسلحتهم».
ويفيد المواطن هيثم محمد، وهو أحد النازحين من المدينة إلى صنعاء أن «سعر إيجار الراكب الواحد وصل إلى 20 ألف ريال».

وأضاف لـ«الأيام»: «هناك غياب تام لدور الحكومة والمنظمات، لاسيما فيما يتعلق بموضوع إخراج النازحين من مناطق الصراع».
فيما يقول آخر: «اضطررت وأسرتي المكونة من تسعة أفراد إلى النزوح من منزلنا الكائن بقرية المنظر، قرب المطار، بعد أن نصب الحوثيون بجوار منزلنا رشاشا ومدرعة».
إبراهيم فتيني هو الآخر أجبر على مغادرة منزله بمدينة الدريهمي نتيجة لتصاعد المعارك فيها.

وقال في حديثه لـ«الأيام»: «نحن فقراء وغالبية أبناء المنطقة يعملون بالأجر اليومي ولانملك المال أو الطعام، ونكتفي بما تقدمه المنظمات الإنسانية ولكننا سنصبر حتى يفرّج الله من عنده».
وبحسب النازح عبدالله علي: «فقد وصل العديد من النازحين إلى صنعاء بحثاً عن الأمان غير أنهم وجدوا معاناة أشد وأنكى، أبرزها الغلاء الفاحش في المواد الغذائية والاستهلاكية وكذا بأسعار المنازل».

وأبدى عدد من النازحين في أحاديث متطابقة لـ«الأيام» انزعاجهم من جشع أصحاب العقارات بصنعاء، مؤكدين بأن «هناك استغلال لوضعهم الإنساني والمادي».
وشكا نازحو مدرسة الصديق بصنعاء، التي باتت تكتظ بالمئات منهم، من الاستهتار والتعامل السيئ من الانقلابين تجاه بعضهم.

وكشف نازحون لمراسل «الأيام» عن «قيام عناصر حوثية بتحويل المدرسة التي فُتحت لإيواء بعض النازحين من الحديدة، إلى سجن يمنع الدخول إليها أو الخروج منها، فضلاً عمّا يتعرضون فيها من ممارسات تعسفية وانتهاكات صارخة وصلت حد التحرش الجنسي بالنازحات».

وقال أحد النازحين، طلب عدم الكشف عن اسمه: «إن النازحين الذين تم تسكينهم في المدرسة بمنطقة عصر بصنعاء أصبحوا سجناء داخل المدرسة وممنوع خروجهم من داخلها، ويتعرضون لانتهاكات صارخة ومعاملة مشينة من قبل الحوثيين»، لافتاً إلى أنه «تم تخصيص فصول دراسية للنساء مع الأطفال، لكي يأخذن راحتهن دون مضايقة من أحد، ولكن يتعمد مشرفون وعناصر حوثية القيام باقتحام تلك الفصول فجأة دون أي سبب يذكر، ويفتحون الأبواب على النساء دون استئذان، وخصوصًا في أوقات متأخرة من الليل، وهو ما يثير الفزع والرعب لدى النساء النازحات وأطفالهن، فضلًا عن قيامهم بالتواجد في الممرات وبالقرب من دورات المياه لمضايقتهن والتحرش بهن».

وأوضح في حديثه لـ«الأيام» أنه «يتم تخصيص وجبة غداء لكل أسرة مكونة من أرز وحبة زبادي فقط ممّا يجعل جميع النازحين يعانون من الجوع طوال اليوم»، مشيرًا إلى أن «النازحين كانوا أجبروا علی النزوح من منازلهم واتجهوا إلى صنعاء على أمل أن يجدوا من يأويهم ويغيثهم سواء من الجهات الحكومية أو المنظمات الإنسانية الدولية، غير أنهم وجدوا العكس»، مؤكدين بأنهم «باتوا يفكرون بالعودة إذا ما استمر التعامل المشين تجاههم».

ولم يكتف الحوثيون بمضايقاتهم النازحين بعد تشريدهم بل لجأوا إلى خداع العديد من الأسر بأساليب كثيرة للدفع بأبنائهم للانضمام إلى جماعتهم.
تقول الأم «فطوم» في حديثها لـ«الأيام»: «إن أحد المشرفين الحوثيين في الحديدة ويدعى أبو عمار تعهد لها بعد أن أقنعها بالدفع بابنها للانضمام لهم بإعطاء لها مرتب شهري ومواد غذائية، غير أنها وجدت نفسها في الأخير في العراء بلا سكن ولا مواد غذائية ولا تعرف عن ابنها شيئا».
وأجبر القتال آلاف من السكان على النزوح من المحافظة، وقدرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية عدد النازحين من الحديدة بما يتراوح بين 50 ألفا و60 ألف شخص.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى