الألغام.. الموت المتخفي لأبناء الحديدة

> تقرير/ نوارة قمندان

> تسببت الألغام التي زرعتها قوات الحوثي وصالح في المناطق والمحافظات التي اندحرت منها بالكثير من القتلى والجرحى ولإعاقات الدائمة، في صفوف المدنيين من الأطفال والنساء.
وعلى الرغم من كل الجهود التي تقوم بها الإمارات والسعودية في انتزاعها إلا أن التقارير تُشير إلى أن البلاد بحاجة إلى 20 عاما للتخلص من المتفجرات التي زرعها الحوثيون.
وهو ما يؤكد أن الموت الكامن في الأرض سيظل يحصد أرواح المواطنين لفترة طويلة، وأن معاناتهم ستستمر في ظل ضعف وغياب الاهتمام من قبل الجهات المعنية في الحكومة.

ألغام مُموهة
أطفال وأبناء الحديدة، عروس البحر الأحمر، لم يكونوا أحسن حظاً من غيرهم من أطفال ونساء البلاد إذ نالهم نصيب من جحيم الألغام المزروعة والعبوات الناسفة من قِبل قوات الحوثي وصالح في كل منطقة تم تحريرها.
الطفل بشار جميل (تسعة أعوام) وأحد من أبناء المحافظة الذين اكتووا بنيران ولظى هذه الألغام حيث تسببت بتمزيق أعصاب إحدى كفيه، الأمر الذي أفقده القدرة على تحريكها.

يقول والده جميل محمد في روايته لتفاصيل الحادثة لـ«الأيام»: "حينما احتلت قوات الحوثي الحي الشاذلي بمديرية المخا الذي نسكن فيه أُجبرنا على مغادرته بحثاً عن الأمان، وفور تحريره سرعان ما عدنا إليه، ولكن كانت المليشيات قد تركت خلفها الكثير من الألغام مزروعة في أرض الحي والمديرية بشكل عام ونحن لا عِلم لنا بها، وبينما ابني بشار يلهو ويلعب مع أقرانه فرحاً بالعودة إلى منازلنا رأى بالقرب منه ساعة ذهبية، ولم يكن يعلم حينها بأنها لغم مُموّه، فسارع لأخذها وما إن أمسك بها حتى انفجرت في يده متسببة له بتلف في الخلايا والأعصاب المسؤولة على تحريك أصابع يده اليمني”.

وأوضح محمد أنه “قد باع في سبيل معالجة طفله ما يملك من أراض، إلى جانب ما استدانه من المال من أقربائه وأصدقائه لتغطية نفقات العلاج التي تجاوزت العام دون أي تحسن يذكر لطفله الذي أصبح غير قادر على تحريك أصابع يده”.
وبمرارة يختم بالقول: “ولدي يحتاج إلى متابعة طبية ولا أملك القدرة على علاجه بعد أن استنفدت جميع إمكانياتي”. 

وفي الحي ذاته تعرضت المواطنة روضة يحيى (26 عاما) للإصابة في عمودها الفقري ووفاة أخيها جراء انفجار لغم زرعه الحوثيون قبل تحرير المنطقة من قبل أفراد المقاومة الجنوبية والتهامية.
تقول روضة يحيى: “أجبرتنا مليشيات الحوثي أثناء احتلالها لحينا على تركه، وقبل أن تُغادرها مهزومة لجأت إلى زراعة أراضيها خصوصًا الطريق المؤدي إلى المخا بمجموعة من الألغام، وبينما أنا عائدة بمعية عائلتي للمنزل انفجر بنا وأحد منها متسببًا بوفاة أخي عدي (13 عاما) وأصابتني في عمودي الفقري بإصابة بالغة، وقد تكفل دكتور من الحديدة بعلاجي، ولاستكمال جلسات العلاج الخاصة يُرسل لي مبالغ مالية شهريا، تمكنت من خلالها السير بشكل مبدئي، ولكنني ما زلت بحاجة إلى مواصلة العلاج لأستطيع السير بشكل طبيعي”.
وأوضحت يحيى لـ«الأيام» أن “هناك الكثير من المنظمات التي عملت على تقييد أسمائهم وحالاتهم ولم تقدم لهم شيئًا بعد، مع غياب تام لاهتمام الجهات الحكومية”.

المعاناة مستمرة
علي ثابت سالم (17 عاما) لم يكن أحسن حالاً من سابقيه إذ تجرع من نفس الكأس الذي نصبه الحوثيون لكل شيء يتحرك على وجه الأرض التي تركوها مهزومين.
لم يغادر سالم وأسرته منزلهم في إحدى مناطق الحديدة بعد اجتياحها من قوات الحوثي مؤمنين في ذلك بقضاء الله وقدره.

في ذات يوم ذهب مع ابن عمه إلى أحد الحقول بالمنطقة، ولم يكونا على علم بأنها قد زُرعت بمجموعة من الألغام من قِبل الحوثيين.
يقول سالم في حديثه لـ«الأيام»: “بينما نحن نسير فيها دستُ على واحد من تلك الألغام، وهو ما تسبب لي بإصابات في كلتا قدماي، وكان نصيب اليسرى الأكبر من الإصابة، وعلى الفور تم إسعافي من قِبل أفراد المقاومة إلى أقرب مستشفى ومكثت فيه ثمانية أشهر خضعت خلالها لأكثر من سبع عمليات لرجلي اليسرى، تحملت عائلتي فيها تكاليف العلاج، وحالياً تحسنت رجلي اليمنى، فيما اليسرى من سيئ إلى أسوأ، ومما زاد من معاناة أهلي أننا لم نلق أي دعم أو اهتمام من الجهات المعنية في الحكومة، أو من جمعية المخا التي قُدم لها ملف علاجي، في الوقت الذي أنا فيه بأمس الحاجة لمواصلة جلسات العلاج لأتمكن من العودة لحركتي الطبيعية”.

الضحايا في تزايد
وتقول أم (أ. س. 16 عاما): “لقد تسبب الموت الكامن في الأرض ببتر يد ابني، والذي سرعان ما تم إسعافه إلى أقرب مشفى لتلقي العلاج والمجارحة، ولكن الصدمة القوية له كانت حين استيقظ في المشفى ولم يجد يده اليمني التي بُترت بسبب لغم، حيث استمر لخمس دقائق يُنقِّل بصره بين يده وبيني قبل أن يجهش بالكباء والصراخ بشكل هستيري، كما أُصيب بعد هذه الحادثة الصادمة أيضاً بحالة من الاكتاب والانعزال عن الدائرة المحيطة به كالأصدقاء والأقارب والأخوة، فضلاً عن تخليه عن المدرسة”.
وأوضحت أن “ولدها لم يتحصل على أي من المساعدات المالية في الوقت الذي بات فيه بحاجة ماسة ليد صناعية تمكنه الخروج من الحالة التي يعيشها ويمارس حياته بشكل طبيعي”.

اغيال براءة الأطفال
فيما أجبرت الظروف المعيشية الصعبة أم الطفلة (م.أ) على البقاء مع أطفالها الخمسة وزوجها في البيت على الرغم من الخطورة التي تحيط بهم من كل الجهات.
تقول الأم لـ«الأيام»: “ذات يوم وبعد أن اشتد بنا الجوع أرسلت طفلتي الصغيرة (م. أ) ذات الخمسة أعوام إلى منزل جارتي لإحضار بعض الطعام لها ولأخوتها، وما إن مرت على ذهابها خمس دقائق حتى سمعت دوي انفجار بالقرب من منزلنا، وسرعان ما هرعت إلى منزل جارتي باحثة عن ابنتي ولكن لم أجدها، وعند عودتي إلى المنزل سمعت أصوات الأطفال وهم يصرخون (يا عمة بنتك (م .أ) كلها دم)، وحينما وصلت إليها وجدتها جثة هامدة مضرجة بدمائها والخبز بين يديها.. لقد فارقت الحياة بسبب دوسها على لغم زرعته المليشيات الحوثية في الطريق بين الرمال وعلى الرغم من مرور سنة على الحادثة إلا أن أصداء صوتها ومزاحها وضحكاتها ما يزال يتردد في أذني”.

وفي تصريح سابق أكد وزير حقوق الإنسان د.محمد عسكر أن “الوضع الإنساني كارثي في اليمن منذ سيطرة جماعة الحوثيين على أنحاء متفرقة من البلاد”.
وأوضح في تصريح له لقناة “أكسترا نيوز” أن مئات النساء اليمنيات أصبحن معاقات بسبب الألغام التي زرعها الحوثي في كثير من المناطق”.

وفي الأسبوع الأخير من الشهر الماضي أطلق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، المشروع الضخم لنزع الألغام في اليمن “مسام”، بحضور عدد من المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي وممثلي المنظمات الدولية الإنسانية.
وأكد المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على المركز، عبد الله بن عبدالعزيز الربيعة، أن كوادر سعودية وخبرات عالمية تعمل من خلال المشروع السعودي لنزع الألغام (مسام)، على إزالة الألغام بكافة أشكالها وصورها، التي زرعتها الميليشيات بطرق عشوائية في الأراضي اليمنية، وخصوصا محافظات مأرب وعدن وصنعاء وتعز.

وأضاف: “تم حتى الآن حصر ما تعداده أكثر من 600 ألف لغم في المناطق التي تم تحريرها من المليشيات الانقلابية، بالإضافة إلى 130 ألف لغم بحري مضاد للزوارق والسفن، وهي من الألغام المحرمة دوليا، و 40 ألف لغم في محافظة مأرب، و16 ألف لغم في جزيرة ميون .

وأوضح أنه “بحسب تقارير صدرت عن الحكومة اليمنية منذ شهر ديسمبر عام 2014 حتى شهر ديسمبر لعام 2016، فقد تم تسجيل ما مجموعة 1539 قتيلا ومصابا من العسكريين، والمدنيين والنساء والأطفال، منهم 900 شخص أصيبوا بإعاقات دائمة، كما تم تسجيل أكثر من 615 قتيلا منهم 101 من الأطفال و26 امرأة، فيما بلغت الإصابات 924 إصابة بينهم 10 أطفال و36 امرأة، بينما ما تم تسجيله في محافظة تعز وحدها 274 حالة بتر لأطراف وإعاقات دائمة منهم 18 حالة لفقدان البصر”.

وأشار الربيعة إلى أنه “في خلال عام واحد فقط، سجل البرنامج الوطني لنزع الألغام عددا كبيرا من الضحايا والإصابات، فقد وصل عدد ضحايا الألغام في كل من محافظات عدن ولحج وأبين وتعز 418 ضحية، في حين أنه تم في نفس الفترة تسجيل 1775 إصابة، وسجل في كل من محافظتي الجوف ومأرب 380 ضحية و512 إصابة”.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى