مركز عدن للرصد والدراسات: اتهامات للحكومة بالتمرد على القرارات الرئاسية ومخرجات الحوار الوطني

> تغطية/ رعد الريمي

>
عقد صباح أمس مركز عدن للرصد والدراسات والتدريب بمقر المركز بعدن حلقة نقاش تضامنية بعنوان «المتقاعدين قسراً.. ربع قرن من المعاناة والنضال» شارك فيها جمعية المتقاعدين المدنيين، الهيئة العسكرية العليا للجيش والأمن الجنوبي، واللجنة العمالية للعمال المسرحين والمبعدين، وعدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني وناشطون وإعلاميون.

وتمحورت الحلقة التضامنية النقاشية حول معاناة المتقاعدين قسرا من قبل نظام صنعاء على مدى ربع قرن، مجسدين في نقاشهم حجم المعناة التي تلقوها، وأن ما عانته هذه الشريحة لم تعانه أي شريحة أخرى في المجتمع الجنوبي، من القهر والظلم والتعسف والاضطهاد وحرب ظالمة وتدمير ممنهج طال ثلاثة أجيال جنوبية.

وأشاروا إلى أن هذه القضية هي بالدرجة الرئيسية قضية سياسية واجتماعية وحقوقية ومدنية، غير أنها توقفت برغم ما تسبب به انطلاق هذه القضية من ثورة للحراك السلمي، والتي اعتبرت في زمن سابق سببا رئيسيا في الانتفاضات التي شهدتها الجنوب.

كما أشاروا إلى أن عقد الحلقة اليوم يهدف لإعادة الاهتمام بالقضية محليا وللمنظمات الدولية وللمبعوث الدولي، وذلك لكون القضية من الأهمية بمكان، وخاصة أنها باتت لهذه القضية آثار مجتمعية، حيث شهدت المرحلة الماضية جملة من التداعيات والآثار المجتمعية كمرض عدد من المقاعدين وكذا انتحار بعضهم وتراجع مستوى التعليم عند عدد من أسرهم، معتبرين ما حدث إبادة جماعية لشريحة من المجتمع، خاصة أن من طالهم الظلم (185000) موظف من أبناء الجنوب.

وبالحلقة النقاشية قدم رئيس مركز عدن للرصد والدراسات والتدريب قاسم داود علي ورقة قال فيها: «إننا نلتقي اليوم (أمس) مع هذه النخبة المتميزة من أصحاب الحقوق المهدرة، ومن يمثلهم من هيئات وجمعيات ولجان، وحقوقيين وقانونيين، ومجتمع مدني، وإعلاميين، لنقف مجدداً أمام هذه القضية المحورية، التي مر عليها ربع قرن من الزمن، والتي تعتبر قضية ذات أبعاد وطنية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية، وإنسانية، وحقوقية».

وأشار إلى أن «هذا الوقوف من قبل المركز لما تحتله هذه الشريحة من مكانة واسعة بين أبناء الجنوب الذين عملوا في أجهزة دولة الجنوب ومؤسساتها المدنية والعسكرية، وفي مختلف المؤسسات الخدماتية والإنتاجية حين تم غزو الجنوب واحتلاله، والذين كانوا أول الضحايا لما طالهم، حيث تم إقصاؤهم من أعمالهم بصورة جماعية مع حرمانهم من كافة الحقوق المعنوية والمادية، في انتهاك واضح للدستور والقانون واتفاقيات الوحدة وتعهد الحكومة اليمنية للمجتمع الدولي من خلال الرسالة التي وقع عليها القائم بأعمال رئيس الحكومة آنذاك محمد سعيد العطار».

وكشف قاسم عن حجم الجرم وقال: «إن الظلم الذي طال الجنوبيين يمكن توصيفه بالإبادة الجماعية من خلال تسريح ما يقارب 185000 موظف، وإذا اعتبرنا أن كل واحد من هؤلاء يعيل أسرة من ستة أفراد كمتوسط عام فتكون النتيجة تضرر 1110000 مواطن، نتيجة الإجراء التمييزي الذي استهدف أبناء الجنوب حصراً».

وأشار إلى بعض مما طال هذه الشريحة من حالة بؤس وعوز وفقر عمت ثلاثة أجيال، وكذا أمراض مستديمة وفقدان القدرة على العلاج، وحرمان الأبناء من التعليم بسبب عدم القدرة على الإنفاق، ومشاكل اجتماعية وتفكك أسري ومظاهر انحراف سلوكي، علاوة على ما خلفه هذا الظلم من حالات قتل وانتحار فردي وجماعي طالت أسر بكاملها، وتأثير هائل على الاستقرار والتنمية والسلم الاجتماعي، وعلى الوشائج بين أبناء الشمال والجنوب، والمحاولات الإصلاحية، وكيف تعاملت السلطة مع هذه الجريمة بالكذب والتسويف، وشراء الوقت، والمراهنة على إخضاع الجنوب وابتلاعه وهضمه.

ونوه إلى أنها «نشأت فرصة لمعالجة هذه القضية مع غيرها بعد نقل موقع رأس السلطة، وتولي الرئيس هادي رئاسة الدولة، واحتلت المسألة حيزاً من الاهتمام عند بدء التحضير لمؤتمر الحوار، ليس بدافع القناعة بأهمية معالجة هذه القضية، وتقدير خطر استمرار الوضع المختل، وليس حباً في الجنوب وإنصافاً لشعبه، وإنما من أجل حل مشكلة تمثيل الجنوب في مؤتمر الحوار، أي حل أزمة الحوار، وليس أزمة البلد، وهو ما أكدته التطورات اللاحقة، إلا أنه تم إهدارها من قبل مؤسسات الحكم والنظام السياسي».

وتابع: «إنه جرى التوافق على النقاط العشرين بما فيها الإحدى عشر الخاصة بالجنوب، والتي أُكد عليها لاحقاً من قبل كل أطراف مؤتمر الحوار، والتي نصت في إحدى فقراتها على إعادة الموظفين والعسكريين والموقوفين والمحالين قسراً إلى التقاعد والنازحين في الخارج، جراء حرب صيف 94م إلى أعمالهم ودفع مستحقاتهم القانونية، ومعالجة الأوضاع الوظيفية والمالية لمن فقدوا وظائفهم نتيجة لخصخصة المؤسسات العامة بشكل غير سليم بعد حرب صيف 94م، وتوجيه اعتذار رسمي للجنوب من قبل الأطراف التي شاركت في حرب صيف 94م واعتبار تلك الحرب خطأ تاريخيا لا يجوز تكراره».

وأعاد الأستاذ المشارك بجامعة عدن ورئيس جمعية المتقاعدين المدنيين د. جعفر الشلالي  السبب لـ «الموقف من قبل نظام صنعاء الذي كان مبنيا على البعد السياسي، والذي كان من أبرز مظاهره مقاعدة 80 أستاذا جامعيا في جامعة عدن»، مؤكدا بأن «المستهدفين من هذا الإقصاء هي تلك الأصوات التي بدأت تلهج بالنقد للوضعية المتردية لجامعة عدن»، مشيرا إلى أن «هذا التوجه السياسي انطلق من المؤتمر الخامس للمؤتمر الشعبي العام في ميدان 22 مايو، وأنه اتخذ حينها قرارا بالتخلص من الأكاديميين».

ووصف الشلالي هذا التصرف بالغريب على المستوى المحلي والعربي، وقال: «كان هذا التصرف حالة نادرة محليا وعربيا ومخالفا لما هو مقرر في الأروقة التعليمية، إن الأستاذ في الجامعة لا يحال للتقاعد فالدول المتطورة تحرص على بقاء الأستاذ الجامعي ولو كلف إحضار الأستاذ الجامعي على كرسي متحرك لتأدية الواجب».

وحول أبرز الإحداثيات التي طرأت على قضية المتقاعدين قسرا يجدر الإشارة إلى أنه وتطبيقاً لمخرجات الحوار الوطني فقد أصدر الرئيس هادي في يناير 2013م قراراً جمهورياً نص على تشكيل لجنتين حقوقيتين رئاسيتين، تعنى الأولى ببحث قضايا الأرض في الجنوب، فيما تختص الثانية بقضايا الموظفين الذين تم تسريحهم بعد حرب 1994م خلافاً للقانون.

وأوضح المناقشون في هذه الحلقة بأن «دور الرئيس هادي كان محورياً وهاماً سواء في إصدار القرار وتشكيل اللجنتين، ومنحهما الصلاحيات والثقة والموارد الضرورية، وكان وراء ما أنجزتاه في العام الأول من تشكيلهما».
وأضافوا «غير أنه وبخلاف موقف الرئيس وقناعته ودوره في السنة الأولى، فقد وقفت كل مؤسسات الدولة (مكتب الرئاسة، الحكومة، الوزارات، والأجهزة) عائقاً أمام تنفيذ مخرجات الحوار التي تهم الجنوب، وكذا صد القرارات الرئاسية، وقرارات اللجنة القضائية، وتمكن لاحقاً شركاء حرب 94م (مؤتمر وإصلاح) من التأثير على دور الرئيس إزاء هذه المسألة، والذي كان من نتائجه خسارة فرصة كبيرة لتهيئة ومعالجة هذه المشكلة، ومنح الناس حقوقهم بتمويل خارجي من الدول والمؤسسات المانحة، عبر صندوق يُنشأ لهذا الغرض».

وأشاروا إلى الضغط الذي شكله نضال شعب الجنوب والذي شرع فيه المقاعدون قسراً، وأيضاً الاهتمام والضغط على المجتمع الدولي في تحريك هذه القضية، وانتزاع الحلول والمعالجات التي باتت تنتظر التطبيق.
كما أشاروا إلى أن الانقلاب على الشرعية في سبتمبر 2014م ضررة كبير على صعيد هذه القضية، حيث تراجعت مكانتها ومستوى الاهتمام بها، وأنه ومنذ مطلع العام 2014م وحتى تاريخنا أوقفت السلطة بالشرعية بمختلف مستوياتها التعاطي مع قرارات اللجنة القضائية، والقرار الرئاسي ومخرجات الحوار، مما أعاد القضية للمربع الأول، وأكد صحة القناعات التي شككت بوجود إرادة صحيحة لمعالجة نتائج 94م، ولا يمكن لنا أن نصف موقف الحكومة الشرعية بهذا الصدد إلا أنه يشكل تمرداً على القرارات الرئاسية ومخرجات مؤتمر الحوار، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن تشبث هذه الحكومة بمشروع الستة الأقاليم الذي أُقحم به مؤتمر الحوار، وتنصلها عن باقي المخرجات الإجرائية والشرعية التي كانت محل توافق.

توصيات الورشة
وفي ختام الحلقة النقاشية نوه المشاركون إلى جملة من القضايا، وقالوا حتى تكون الصورة واضحة نعرض للحاضرين وللرأي العام ولكل من يهمه الأمر في حاضر ومستقبل هذه البلاد ومن أجل إعادة الأمور إلى نصابها بما يخدم التوجهات الإنقاذية وتهيئة بيئة مواتية لمفاوضات سياسية مؤمل أن تصل لتسويات جذرية وشاملة لتؤسس لسلام مستدام، وتقديراً منا لما تحتله هذه المسألة من أهمية ولما لها من تأثير، كونها من أهم عناصر القضية الجنوبية، فقد دعا الحاضرون الرئيس عبدربه منصور هادي إلى استعادة هذا الملف والتعاطي معه بإرادة سياسية حازمة، يُلزم كامل المنظومة الشرعية من مكتب الرئاسة مروراً بالحكومة والوزارات المعنية بتطبيق نصوص القرارات الرئاسية واللجنة القضائية المشار لها آنفاً كاملةً وبدون مماطلة، وتقديم ما يلزم من موارد وإمكانيات لتمكين اللجنة القضائية كامل المهام التي حددت لها في القرارات الرئاسية، وحتى يتم إغلاق هذا الملف بكل جوانبه وأبعاده.

كما دعوا القوى والمكونات الجنوبية، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي، إلى إعطاء حيز واسع من اهتمامها ونشاطها لهذه القضية وبكل أبعادها، وذلك في إطار النظرة الشاملة للنضال الجنوبي العام، وتقديم كل أشكال الدعم للهيئات المناط بها المتابعة.
كما دعوا أصحاب الحق، وهم عشرات الآلآف والذين سبق لهم أن حركوا الشارع الجنوبي من أقصاه إلى أقصاه وأطلقوا ثورته السليمة، إلى استعادة هذه الروح والمبادرة وبما يراعي الظروف الراهنة، والعمل على تطوير وتنويع وسائل وأشكال الضغط والنضال، على أسس خطط نشاط كاملة ومتكاملة تكون جزءا من النضال الجنوبي العام وليس خارجه، ولا بمعزل عن أهدافه العامة.

كما خلصت الورشة بدعوة إلى تشكيل لجنة بقوام ثلاثة أفراد، ودعوا الأطراف الخارجية والحكومات والمنظمات وعلى وجه خاص ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، إلى إعطاء عناية خاصة لهذه المسألة وعدم إهمالها أو الحط من أهميتها بحكم الظروف والمستجدات، وأن موقف كهذا يعد تجسيداً لالتزامات الأطراف التي رعت العملية السياسية، ويعد هاماً وضرورياً لإكساب المفاوضات السياسية القادمة قدراً من الثقة والتأييد الشعبي، وحتى لا يتكرر معها ما آل إليه مصير مؤتمر الحوار ومخرجاته.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى