الحوثي والشرعية وجهان لكارثة واحدة ولديهما ما يكفي من الوقت لحرب طويلة

> أحمد عبد اللاه

> جريفيثس نسخة أوروبية سبقتها نماذج مغاربية تخرّجت على بركتها أفواج من المصائب

​ما أن أُذيع “برومو” جولة جنيف القادمة في اجتماع مجلس الأمن حتى ولّعت الأطباق وتكاثف ظهور المتأرجحين بين مفردات التحليل السياسي النمطي بنفس وتيرة الموال والبنية اللغوية المسموعة منذ بداية الحرب.. كأنهم يؤدون خدمات “المسحراتي” دون تغيير في اللهجة أو النغمة. ربما الجديد هذه المرة أن الشعب بكل فئاته المطحونة لم يعد يهتم لما سيقوله هؤلاء، لأن الوضع الملموس في اليمن أصبح أعقد من مفاهيم التسويات التقليدية.. مع استحالة إمكانية تخصيب المرجعيات أو الاستمرار في تحمل الكوارث لأجلها.
الفضاء العربي ممتلئ جداً بأمثولات المبعوثين، إذ لا تحل كارثة الا وتوِّجت بوجه مكتئب يُوفد من أروقة الامم إلى الشرق المنحوس، وهو يدرك سلفاً بأنه ذاهب إلى أكبر معمل كوني لإنتاج الأزمات، وأن العبارات اللائي يركبها في دماغه لن تعيد حبل خيمة إلى وتدها. لكنها وظيفة ومال وطائرات وتلفزة صبورة على العبارات المكررة منذ عهد الرعامسة.

وعلى ذكر المبعوث يلزم التنويه بأن الأخضر الإبراهيمي، طليعة المبعوثين إلى اليمن في حرب ٩٤، أصبح في سجل التاريخ مثل ذلك الغراب الذي أوعز لقابيل كيف يواري جثمان أخيه القتيل.. فصار المبعوث الأممي منذ ذلك الحين، بغض النظر عن اسمه وصفته، نذير كارثة عند الكثيرين، كلما مر ظله على المنعطفات الساخنة. وما جريفيثس إلا نسخة أوروبية باردة سبقتها نماذج مغاربية تخرّجت على بركتها أفواج من المصائب حتى انهدَّ “حيل” اليمن.
فماذا أنت فاعل أيها “الجريفيثس” الإنجليزي وما عسى جمجمتك أن تحمل أكثر من النحت في دبلوماسية الوصلات المكوكية بعباراتها الشهيرة مثل: “إطار التفاوض” و “إجراءات بناء الثقة”  و “خطط الدفع بعملية السلام قُدماً”.. مع التوكيد على حكاية “قُدماً”، لأن لها دلالة كوميدية غبراء في زمن المصائب.. بالرغم من كونها إحدى المفردات التي فاتت الزعيم الأباصيري.

الأمم المتحدة لم “تفك” أزمة في تاريخ الشرق الأوسط. وأقصى ما حققته تجربتها في اليمن هو أن الجولات التشاورية استقرت في الموسوعة الحرة - ويكيبيديا. حتى أن أحدا لم يعد يحمل ذرة أمل في أن يحقق جريفيثس شيئا عدا أن يجمع المتحاورين ليمر من أمامهم شريط الذكريات الذي يحمل الجلسات “الجنيفية” السابقة وماراثون الكويت التي تحملت أطول استضافة تشاورية / تفاوضية في التاريخ العربي، وسخرت لها القصور والفنادق والمواكب الأميرية الراقية، لتتفاجأ بعدئذٍ بأن المقاتلين يتدافعون إلى خطوط النار بحماس أكبر من ذي قبل.

سفر جريفيثس في سبتمبر القادم إلى جنيف ليس أمرا غير تقليدي، وما سيقوله لن يميزه عن سابقيه.. وإن كان هناك جديد هذه المرة فإنه يتركز في التأكيد على أن أهل اليمن يتحركون فوق محيط دائرة شيطانية.
رمال الحديدة في عز الصيف والرطوبة جحيم مستعر. ومع أن هناك تسهيلات للمحاربين باختيار ما قلّ ودلّ من الزّي الحربي وما نُفخ وظلّ من المزاج القتالي، إلا أن سكّان المدن من الفقراء لم يتبق لهم أي حق في اختيار طريقة الموت. فهناك سُبل ملزمة للهلاك وأسهلها هي أن يقف النبض فجأة من الخوف.. وهذا بريستيج قدري يكون فيه ملك الموت أكثر رشاقة ونعومة. أي أن أحدا لا يستطيع وصف حالة الناس هناك خاصة وأن الحديدة المغلوبة على أمرها منسية لأجيال حتى بدأ العالم يتلمس أسماء المدن والنواحي بعد الثلاث العجاف المتوّجة بهذا الجحيم المتعاظم.

وبالتأكيد فإن جنيف المحاطة بجبال الألب الخضراء - أجمل فراديس الأرض - ستكون بانتظار أن يرتاد فنادقها “المريدون” بعد أن تُعد لهم “سكيتشات” تبين الصالات والمطاعم وغرف النوم وقليل من عناوين الكلام الرسمي في ساحة الوغى التشاورية. كانوا هناك قبل ثلاثة أعوام وعادوا إليها بعد أن قُتل “المزيد” من الآلاف ودمرت “المزيد” من المدن وتكدست “المزيد” من أموال الحرب بأيدي تجار الموت، وانتفخت الأدمغة بلهجات العفن السياسي.. وتراجع اليمن ألف عام نحو التعقيدات الكبرى.

الحوثيون قبل ذهابهم إلى جنيف يؤكدون بأن مسارات الأمم المتحدة غير مجدية ولديهم خبرة مستوردة من موكّلهم كيف يناورون ويحاورون لإطالة معاناة الشعب حتى يتخذ العالم تدابير أخرى. وبالتأكيد لديهم مقاربة ثابتة حول حل الأزمة تتمثل في الجلوس مع الأحزاب اليمنية وترتيب الأمور داخلياً على نمط “اتفاق السلم والشراكة” وربما بشروط أفضل لصالحهم بعدما أثبتوا لأنفسهم بأنهم تجاوزوا مراحل الشدة واكتسبوا فنون القتال والصبر ولم يتضرر سوى الشعب المنكود.

ومن ناحية أخرى يسعون علناً إلى عقد صفقة مباشرة مع المملكة السعودية لتقبل الأمر الواقع، على اعتبار أن يمن (أنصار الله) ليست أقل شأنا من لبنان (حزب الله)، وأن جيش المملكة على حدودها الجنوبية الوعرة ليس أقوى من جيش إسرائيل على حدودها الشمالية بطبيعتها الغناء.. ويمكن أن تُرسم خطوط زرقاء تحفظ “الهُدنات” الطويلة.

كرسي “الشرعية” يطول بقاؤه كلما تعقدت الأوضاع.. ولهذا تظل متخشِّبة في النَّص ومستمسكة بعروة المرجعيات فوق “الترابيزة” وتحتها، ولن تتزحزح قيد حرف واحد عنها، مع أن العالم يفهم بأن تنفيذها يحتاج إلى خيال “بوليوودي” أكثر منه إلى واقعية مبعوث أممي له من نحس سابقيه نصيب.. حتى وإن كان يتمتع بميزة تكمن في إدراك ما تريده الدول العظمى بالتفصيل.

الحوثي والشرعية وجهان لكارثة واحدة، ولديهما ما يكفي من الوقت لحرب طويلة طالما والحرب تملأ خزائن النافذين منهما. كما أن تعاطي الإقليم والمجتمع الدولي مع قشور الأزمة سوف يطيلها ويزيدها تعقيدا.
بمعنى أنّ الاقليم إن أراد إيجاد حل للأزمات المتراكمة في اليمن عليه أولاً أن يتخلى عن الوسائل الحالية وأن يقارب الأزمة اليمنية المركبة ابتداء من جذورها. ومع ذلك سيحتاج إلى قوة أكبر فعاصفة الحزم - حسب مراقبين محايدين - أثبتت ضعف التحالف العربي ولم تثبت قوته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى