الأغنية اليمنية.. النهر الذي لا ينضب

> مازن علي حنتوش

>
سنتعرض في هذا المقال إلى نماذج من الأخذ التي تتعرض لها الأغنية اليمنية، وكيف يتم الاقتباس منها، إذ ليس بالغريب. أنه ومنذ اكثر من أربعة عقود، والأغنية الصنعانية والحضرمية واللحجية واليافعية تتعرض ولم تزل إلى الأخذ منها، من قبل فنانين اخوة لنا في الخليج وعرب، بل واسرائيليين.

أربعة عقود وهؤلاء يمارسون السطو على أغاني الفقراء وهمومهم الموسيقية، وتراثهم الفني، وبسبب غياب استراتيجية ثقافية اعلامية يمنية، صار التراث الغنائي اليمني نهباً للجميع، وسوقا شعبية، يتمكن مال إعلام الأشقاء في الخارج من السطو على حقوق اليمنيين الفنية ومصادرة هويتهم الابداعية الغنائية، وليس بغريب ان ينسب راغب علامة في برنامج (عرب ايدول) اغنية (سر حبي فيك غامض) المحضارية الشهيرة، للتراث الخليجي، ثم يعتذر، لنتفاجأ بعدها بأحلام وهي تنسب اغنية (يا منيتي يا سلا خاطري) للتراث الخليجي أيضاً، بينما هي من كلمات ولحن أحمد بن فضل العبدلي اللحجي الشهير بالقمندان، وقد ذاعت شهرتها في اصقاع المعمورة، وتغنى بها القاصي والداني، وصدح بها المقيلون في دوواينهم وفي الاعراس وفي مخادرهم، وغناها الأجانب شرقيون وغربيون، آسيويون وأفارقة، حتى لم يبق عاشق للطرب لم يسمعها او يستمتع لها، و كان أول من تغنى بها هو الموسيقار فضل محمد اللحجي، وسجلها على اسطوانات التاج العدني عام 1939، وغناها من بعده بامخرمة وعبد المحسن المهنا وفيصل علوي وطه فارع وبشير ناصر وسعيد سيلان ونوال ونور الهدى وأسماء المنور وعبود الخواجة وأصالة، وطابور من المغنيين من كل بلد.

ان مدارس الفن اليمني هو هذا التراث، سواء في شمال اليمن أو في جنوبه، وله مدارس متعددة ومتنوعة، فهناك المدرسة اللحجية – نسبة إلى منطقة لحج – ومدرسة الفن اليافعي – نسبة إلى منطقة يافع – التي تزعمها الشاعر الغنائي يحيى عمر اليافعي صاحب أغنية:
(يحيى عمر قال قف يا زين
سالك بمن كحل أعيانك)،
وهي الأغنية التي تغنى بها الفنان محمد عبده بعد تحريف لحنها ونسبة كلماتها – المحرفة أيضًا – إلى غير شاعرها الحقيقي، محمد عبده استخدم الألحان اليمنية في أغانيه، من دون إشارة إلى مصدرها الأصلي، مثل أغنية (شدت خيول العوالق ..ليتني عولقي)، التي تؤرخ لأحداث حربية مرّت بها قبائل العوالق اليمنية، والتي غنّاها الفنان اليمني صالح عبدالله العنتري، أوّل مرة عام 1939، وسجّلها في الأربعينات، قبل مولد محمد عبده بسنوات، إضافة إلى أغنيات اخرى مثل: (جل من نفس الصباح) و(لي في ربا هاجر غزيِّل) و(رسول قوم بلغ لي إشارة)و(سرى الليل ونا نايم على البح).

الفنان السعودي، راشد الماجد، أدّى أغنية (أجيبه يعني أجيبه)، دون ذكر اسم صاحب اللحن الأصلي، بينما يترنم اليمنيون بهذا اللحن في أغنية (يا جانيات العناقيد) للفنان الصنعاني أحمد السنيدار، منذ بداية الثمانينات، كما تمّ أداء أغنية (سامحني وأنا با توب) من قبل فنانين خليجيين، قالوا إنها من الفلكلور الخليجي، وهي لمؤسس الفنّ اللحجي أحمد فضل القمندان المتوفى عام 1943. وكذلك الأمر بالنسبة لأغنيتي (مني مسا الخير) و(مسكين والله) اللتين لحنهما القمندان أيضاً ليغنّيهما الفنان الكويتي محمد المسباح، بلحن القمندان نفسه، وكتب على الشريط (فلكلور).

 سأقوم بالإشارة هنا إلى بعض الأغاني التي تم اخذها والتحايل عليها، لكي نأخذها كمثال، ولتعزيز الفكرة عند الجميع.
ولكن قبل ذلك احب اشير عن كيفية استخدام  أنماط الاخذ والتحايل هنا، فهناك نمط مغاير وحاذق من السرقات الغنائية، التي طالت التراث اليمني، لا تعتمد إلى تبني الأغنية بكاملها كلمة ولحناً، ونسبها لغير مبدعيها الأصليين، بل سطو يقوم على التقاط اللحن وتركيب كلمات أخرى عليه، فيما يكتفي الفنان بالإشارة للحن بوصفه فلكلورا، مع أن ملحن الأغنية معروف مثلاً أغنية (يقولولي قنع منك وفي الآخر رماك)، للفنان السعودي طلال مداح، لحنها مأخوذ كلياً من لحن أغنية (يقولولي نسي حبك وليه تجري وراه) التي غناها الفنان اليمني أحمد يوسف الزبيدي، وغنتها الفنانة اليمنية أمل كعدل أيضاً، وكلماتها الأصلية للأمير: صالح مهدي العبدلي، ولحنها للأمير محسن بن أحمد مهدي العبدلي، والكلمات التي قام طلال مداح بتركيبها على اللحن كتبها لطفي زيني.

أغنية (كلمة ولو جبر خاطر) التي اخذها الفنان عبادي الجوهر، بسبب تجهيل وطمس التراث اليمني، وبعدما غناها الشاب عبدالله الخليفي المتسابق في برنامج (عرب ايدول) قالت الفنانة المهرجة احلام ان هذه الاغنية سعودية! لكنها للأسف لم تكن تعلم أن قصيدة (كلمة ولو جبر خاطر) تم توثيقها في ديوان مطبوع للفنان محمد سعد عبدالله، وسجلت الأغنية في بيروت في منتصف الستينات، ومعروفٌ للجميع أن الأغنية والقصيدة هما لمحمد سعد عبدالله، شعرا ولحنا. ‬

‪الفنان البحريني خالد الشيخ لم يكتف بالسطو على كلمات الأغنية التراثية اليمنية (اللون الصنعاني) وإنما أخرج مسخا لا ملامح له في اغنية بعنوان: (نعم نعم هذه سنة المحبيّن) حيث قام بالمزج بين اغنيتين يمنيتين مقتبسا، ودون حياء أو خجل، ابياتا من قصيدة (الناس عليك ياريم اقلقوني) للشاعر الفقيه بن مهير، وأربعة ابيات أخرى من قصيدة (عليك سموني وسمسمون) لابن شرف الدين.
وأغنية (شي معاكم خبر زين) التي لطشها الفنان الكويتي خالد الملا وغناها عدة فنانيين خليجين، فيما يشيع اعتقادا أنها أغنية من التراث البحريني، بسبب ذكر المنامة والبحرين في مطلعها المعدَّل.
الأغنية في الأصل تقول:
شي معك لي أخبار
قل لي واحادي العيس لا تخيب ظنوني
كيف شفت المكلا والحبايب في الديس
عاد شي يذكروني.
تم تعديل كلماتها لتصبح:
ما معاكم خبر زين يارسول السلامة
لا تخيب ظنوني.. بسألك عن البحرين
كيف أهل المنامة.. عاد هم يذكروني
الأغنية من كلمات شاعر أبين عبد الله مقادح وهي من ألحان وغناء فنان أبين أيضاً محمد علي ميسري.
 وقد قام، مؤخرأ الكثيرون من أعمدة الفنّ الخليجي بإنصاف اللحن والأغنية اليمنية، ضمن أنشطة فنية متعدّدة، كان أبرزها الملف الوثائقي الذي نفّذته وكالة أنباء الشعر العربي، عام 2012، وقدّمت في ثناياه تحليلاً نوعياً عن ظاهرة الإجحاف بملكية الفلكلور الغنائي اليمني من قبل بعض الفنّانين العرب.

يضع المهتمّون بالفنّ اليمني قائمة طويلة من الأغاني اليمنية، التي تمّ تداولها في دول الخليج، من دون أن يشار إلى أصلها الحقيقي، وبالتركيز على الألحان، لعلّ أبرز أغنية استغرقت نقاشاً طويلاً، هي التي كانت مصدر لحن أغنية (يا مستجيب للداعي)، والتي أداها الراحل طلال مداح، ثم أعاد أداءها محمد عبده، مشيراً إلى اللحن بـ(التراث)، وقد أجمع منتدى (فني خليجي) على أصل هذا اللحن التراثي اليمني، من دون معرفة صاحبه بالتحديد. وكمثال آخر، برزت أغنية (سقى الله روضة الخلان) التي قال العُمانيون إنّ لحنها من تراثهم القديم، بينما يصرّ اليمنيون على أنها لفضل محمد اللحجي، وقد قام بأداء الأغنية الفنان محمد عبده كحال سابقتها، ولكن لازال هذا الاقصاء الى يومنا هذا، فمتى ندافع عن حقوقنا؟ لنفوز بالاعتراف بحقنا الفكري والادبي والفني والمادي كذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى