أين الخلل في التصدي للأفكار المتطرفة؟!

> سعيد عبيد الجِمْحي*

>
تُبذَل محاولات جادّة ومتواصلة في مختلف البلدان الإسلامية لمكافحة التطرف عن طريق الجهود التي تحاول دحض التفسيرات الفقهية المتطرفة التي تعتنقها الجماعات المتشددة كتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» والقاعدة، بطريقة تُظهر الخلل في مفاهيم تلك الجماعات، وكون تلك المفاهيم والتفسيرات المتطرفة تتناقض مع حقيقة الإسلام السنّي المعتدل.

ولستُ بصدد تقييم تلك الجهود، فهي ضرورية، وآتت ثماراً ملموسة، لكن اللافت هو أن التصدي لمنظومة الأفكار المتطرفة، تقتصر على الجماعات التي تتبنى ايديولوجية العنف، وتتناسى الجماعات الإسلامية التي مهدت لتلك الجماعات المتشددة.

فهناك جماعات وتنظيمات سبقت ومهدت للفكر المتطرف، منها حزب التحرير، والجماعة الإسلامية في مصر وبعض التنظيمات المستلهَمة جميعها من فكر جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعتبر البؤرة والنواة الأم، لكل ذلك التشدد الديني، ولم يشملها التحليل والاهتمام وجهود الترشيد.

فرغم أن جماعة الإخوان المسلمين استخدمت القرآن الكريم والحديث النبوي والمفاهيم بطريقة مشابهة للمجموعات الجهادية السلفية في نصوصها الأساسية، في تقارب واضح بين السلفية الجهادية وبين الخلفيات الفكرية لدى جماعة الإخوان، إلا أن جهود اصلاح الفكر الديني لم يشملها !

التقارب الأيديولوجي بين الإسلاميين الذين يتسترون بالانشغال بالسياسة وبين الجهاديين المتطرفين، الذين يرفضون عالم السياسة، ويعتبرون الأدوات السياسية كُفراً، ويحرمون التعددية السياسية، والبرلمانات، والحزبية... إلخ، هذا التقارب يتجلى من خلال عدة جوانب، منها أن عدداً من مُنظري الجماعات المتطرفة، هم في الأصل كانوا جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين، وتربى غالبية المتطرفين في أحضان الإخوان.

وعند تتبع التفريعات والانقسامات التي حصلت داخل الجماعات الإسلامية، نجد أن غالبية التنظيمات والجماعات تفرعت عن جماعة الإخوان المسلمين، بدءاً بمصر ومروراً بسورية والجزائر وتونس والمغرب. وقد تتبعت هذه التفريعات، وخصصتُ لها صفحات من كتابي «تنيظم القاعدة -  النشأة - الخلفية الفكرية - الامتداد»، فيمكن الرجوع إليه، لمزيد من التوضيح.

يُدين المحللون الممارسات المتطرفة ويصنفونها بأنها غير إسلامية؛ ومعظم الجهود تفشل في الرد على المحاججات الأساسية التي يسوقها المتطرفون، نتيجة إهمال وتجاهل حقيقة التطرف، وجوهر مشكلة التشدد الديني، الذي يتلبس بلباس السياسة، ومزاعم أهمية التسوية السلمية، وحرية الرأي، وإعطاء المرأة كافة حقوقها، وغيرها من اللافتات التي تتستر خلفها جماعات الإسلام السياسي، ولا تؤمن بها واقعاً حقيقياً.

وتتركّز معظم الجهود لمحاربة التطرف حول الردّ على مشكلة العنف، والهجمات الانتحارية، وتهمل القضايا المتعلقة بإقامة دولة إسلامية، وهي الدائرة الأساس، التي تتفق حولها كافة الجماعات والتنظيمات الإسلامية، بمختلف عناوينها ومسمياتها، ويتم نقل هذه القناعات إلى الآخرين بطرقٍ متعددة، لاستقطاب الاهتمام من خلال شبكات من وسائل الإعلام والمنصّات الفعالة، لفرض إسلامٍ ، يُفضي الى الاستيلاء على الحكم. وتناضل كافة الجماعات، سواء المتشددة أم التي تزعم أنها معتدلة، لتحقيق هذه الغاية؛ ولكنها تعجز أن تمتلك مشاريع ورؤى تحافظ بها على ما وصلت إليه، ويتساوى في هذا المصير، الجماعات المتطرفة مع جماعات الإسلام السياسي.
*خبير في شؤون الجماعات الإسلامية​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى