بالوثائق.. «الأيام» تكشف حجم تلاعب المنظمات الموزعة لإغاثة مركز الملك سلمان بتعز

> تحقيق/ حسان الياسري

>
 منذ أكثر من ثلاث سنوات ومحافظة تعز تعيش ظروفا حالكة لم تعانِ منها في أي من مراحلها السابقة.

فالانقلاب الذي حدث في 21 سبتمبر 2014م من قِبل الحوثيين حمل لمدينة تعز على وجه الخصوص كل ألوان العذاب تنوعت بين قتل وتشريد وصولاً إلى التجويع بفرض حصار جائر ومطبق على ساكنيها.
وضاعف الصمت المتعمد من قبل المنظمات والهيئات الدولية وانقطاع المرتبات خلال العامين الماضيين من مأساة أبناء المحافظة على كافة الأصعدة، الأمر الذي أضحى على إثره المواطنين على حافة المجاعة.

منظمات لأجل الثراء
وأصبح جوع وعطش أهالي تعز سبباً لثراء الكثير من مسؤولي المنظمات والجمعيات، وصارت المتاجرة بآلامهم مصدراً مضموناً لوصولهم إلى مصاف الأغنياء، والأرصدة المتخمة في البنوك، في الوقت الذي يزداد فيه أنين وصرخات الضعفاء والفقراء.
“الأيام” تطرقت في هذا التقرير لهذه القضية التي أضحت حديث الكل في المحافظة، لاسيما بعد أن زادت حدتها وطفت على السطح إثر تبادل الاتهامات والشتائم بين أطراف كثيرة؛ لمعرفة مصير السلال الغذائية التي وصلت إلى المحافظة.
 
إنشاء مركز الملك سلمان
عقب الانقلاب الحوثي على الدولة وبعد مرور شهرين من تعطل الأعمال وحدوث شلل تام في الحركة الاقتصادية، بدأت الأزمة الإنسانية تظهر على السطح بشكل مرعب، وإزاء ذلك أصدر الملك سلمان مرسوماً ملكياً بإنشاء مركز للإغاثة والأعمال الإنسانية، وتم الإعلان عنه وافتتاحه بتاريخ 13 مايو 2015م، وكانت اليمن أُولى أهدافه.

بدأت المساعدات المختلفة تتدفق ومنها الغذائية بسخاء بالغ إلى مختلف محافظات البلاد بما فيها تلك الواقعة تحت سيطرة قوى الانقلاب، وكان لمحافظة تعز نصيب كبير منها وإن كانت في بداية الحرب مجهولة الكمية والمصير والجهات الداخلية التي استلمتها، ونفس الحال مع أي مساعدات غذائية من دول ومنظمات أخرى.

لجنة الإغاثة العليا والفرعية ودورها
بتاريخ 2015/8/30م أعاد مجلس الوزراء تشكيل اللجنة العليا للإغاثة برئاسة عبد الرقيب فتح وزير الإدارة المحلية، وفي تاريخ 2016/12/28م صدر قرار بتشكيل اللجنة الفرعية بمحافظة تعز برئاسة م. رشاد الأكحلي، وكيل المحافظة، وبحسب تصريحات عديدة للأخير فإن مهام اللجنة مقتصر على التنسيق والإشراف والرقابة ولا علاقة لها باستلام أي مساعدات وتوزيعها، ولا تمتلك اللجنة أي مخازن خاصة بها.

وقال الأكحلي إن مسألة التنسيق تتمثل بقيام المنظمة أو الجمعية الحاصلة على مساعدات غذائية بإبلاغ فرع اللجنة عن نوع الإغاثة والكمية المستلمة والجهة الداعمة، وتقوم اللجنة الفرعية بدور تحديد نطاق العمل الذي يمكن أن يعمل فيه المنفذون حتى لا تتكدس الإغاثات بمناطق وأحياء دون أخرى.

واضاف: “من المؤسف أن تتفاجأ اللجنة بقيام بعض المنظمات والجمعيات بتوزيع إغاثات دون علم اللجنة وفي مناطق قد حصلت على مساعدات غذائية، الأمر الذي يكون على حساب مناطق محرومة من أي مساعدات.. وأما بالنسبة للإشراف على سير عمل الجهة المنفذة للمشروع، فهذا يتطلب تكليف أناس للإشراف على التوزيع من قبل اللجنة الفرعية، وذلك يحتاج إلى مبالغ مالية مقابل عمل المشرفين، ونظراً لعدم وجود موازنة مالية لأعمال اللجنة فلم يتم تنفيذ هذا الدور”.

 وفيما يخص الرقابة قال الوكيل الأكحلي “إن اللجنة تقوم بإعداد تقارير حول سير عملية التوزيع ومدى التزام الجهة بالمعايير والشفافية، لكن من الصعب تنفيذ هذا الدور أيضاً في ظل عدم تنفيذ العمليتين السابقتين”.

بداية اشتعال القضية
بتاريخ 2017/7/26م وأثناء لقائه بمحافظ محافظة تعز السابق علي المعمري، كشف رئيس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عبدالله الربيعة عن قيام المركز  بإرسال (871073) سلة غذائية لمحافظة تعز في وقت سابق، وتم تسليمها لشركاء في الداخل، وهذا الخبر الصاعق كان بمثابة انفجار قنبلة ضخمة، لازالت آثارها حتى اللحظة تظهر من حين لآخر على شكل مناكفات وتبادل اتهامات بين ناشطين وصحفيين ومواطنين عاديين، جميعهم ينتمون لحزبين معروفين هما: التنظيم الناصري، والتجمع اليمني للإصلاح.

ومرد كل ذلك في الأساس هو الخلافات والتباينات في بعض المواقف السياسية، فاستغلت كوادر الإصلاح ذلك الخبر لتنال من التنظيم الناصري ممثلاً برئيس اللجنة الفرعية من خلال هجوم شرس عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي وأخذت تكيل له الاتهامات، وبالمقابل بقيت كوادر التنظيم تدافع باستماتة وتطالب بالتحقيق حول هذه القضية وإظهارها للرأي العام.

بداية إظهار الحقيقة
لقد بذلنا جهدا كبيرا على مدى شهر في التقصي والبحث عن معلومات ووثائق للوصول إلى الحقيقة المجهولة والغائبة عن أعين أبناء تعز.

وبناءً على ما سبق وسعياً منها لتبرأة نفسها من التهم التي تطاردها، قامت اللجنة الفرعية بتحرير مذكرة برقم (54) وتاريخ 2017/7/29م، وأخرى تعقيبية برقم (103) وتاريخ 2017/9/23م موجهة إلى مركز الملك سلمان، طالبت من خلالها بالكشف عن الشركاء الداخليين في محافظة تعز، والكمية التي استلمها كل شريك.

وبدوره اضطر عبد الرقيب فتح رئيس اللجنة العليا للإغاثة للذهاب إلى مركز الملك سلمان لمعرفة ملابسات وخلفيات تلك القضية، خاصة أنه نال نصيبه من الاتهامات ونيرانها التي وصلت إلى جعله يقوم بتوضيح على صفحته بالفيس بوك، أعقبه مؤتمر صحفي له في محافظة تعز أثناء تواجده مع وفد الحكومة قبل سنة، وأفصح عن المعلومات التي حصل عليها والتي أولها تصحيح للرقم الذي ذكره عبدالله الربيعة ليكون الرقم الحقيقي هو (746610) سلال، إضافة إلى أسماء الجهات في الداخل والكميات التي استلمتها وكانت على النحو الآتي:
1 - (205000) سلة استلمها ائتلاف الإغاثة الإنسانية - تعز .
2 - (100000) سلة استلمتها المنسقية الرباعية.
3 - (88250) سلة استلمها ائتلاف الخير - حضرموت.
4 - (12700) سلة استلمتها مؤسسة البادية - حضرموت.
5 - (10000) سلة استلمتها مؤسسة إنجاز.

الغوص في الحقيقة
فعلى ضوء تلك الخيوط التي تم التوصل إليها كان لابد من التواصل مع تلك الجهات لمعرفة ردة فعلهم وقولهم حول تصريح عبدالرقيب فتح، أو الحصول على وثائق تؤكد استلام تلك الجهات لمساعدات مركز الملك سلمان من عدمه، وهذا الأمر كان بمثابة رحلة أخرى من البحث المتعب واستكمال التقصي لتكتمل الصورة أمام الرأي العام.

وبناءً على تلك المعلومات، قامت اللجنة الفرعية في أغسطس 2017م بتحرير مذكرات إلى الجهات آنفة الذكر، تطلب فيها تقارير مفصلة وواضحة حول مقدار الكميات المستلمة، وأين وكيف تم توزيعها؟.. وكان من أبرز نتائج البحث:

أولاً: ائتلاف الإغاثة الإنسانية في تعز
كان رده بمذكرة موجهة لفرع الإغاثة تحمل رقم (611) وتاريخ 2017/8/22م والتي كان مضمونها بأن الائتلاف قام بتوزيع حصته من إغاثة سلمان على مرحلتين ولعدد 200 ألف سلة شملت 20 مديرية إضافة إلى نازحين في الصومال ونازحين في عدن ومؤسسة (رعاية) ونازحي الوازعية والصراري في تعز.

وبحسب العدد المحدد والمعلن عنه، يتبقى لدى الائتلاف 5 آلاف سلة لم تشمل تقريرهم، وفي اتصال هاتفي أجريناه مع د. عبدالكريم شمسان رئيس الائتلاف أكد بأن الكمية التي تم تسليمها لهم بحسب ما هو معلن هي 200 ألف سلة، وأرفق الائتلاف كشوفات بأسماء المديريات والكميات الموزعة فيها وعدد الجمعيات والشركاء الآخرين رقماً لا اسماً.

الأمر الذي جعل اللجنة الفرعية تقوم بتحرير مذكرة رقم (99) وتاريخ 2017/9/19م تطلب فيها استكمال وثائق التقرير على أن يشمل صورة من استلام الكمية والتوريد المخزني والتقرير المالي الخاص بالكمية وأسماء الجهات الشريكة والمنفذة للمشروع والكميات المسلمة لها وأماكن التوزيع، وأخيراً كشوفات المستفيدين وبصماتهم بما يفيد استلامهم للإغاثة.

وبحسب مسؤول في اللجنة الفرعية، وأمام تلك الاستفسارات لاذ الائتلاف بالصمت وعدم الرد، لأسباب مجهولة لا يعلمها إلا القائمون على الائتلاف.

ثانياً : المنسقية الرباعية
تواصلنا مع عدد من مسؤولي المنسقية ومنهم نجيب قحطان وسند راوح الذين أكدوا استلامهم للكمية التي تم الإعلان عنها (100 ألف سلة) في بداية الحرب وتم توزيع معظمها في مديريات خارج المدينة وجزء منها على سكان مديرية المظفر، فطالبت اللجنة تزويدها بتقرير مفصل بمثل ما طلبته من ائتلاف الإغاثة.

وكان ردهم بأنهم قدموا ذلك إلى عبده علي حين كان نائباً لمدير مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل قبل أن يصبح مديراً للمكتب، ونسخة أخرى تم تسليمها إلى لجنة فرع الإغاثة، ولم نستطع الحصول على أي وثائق أو تقرير  يؤكد التزامهم بالشفافية.

ثالثاً: ائتلاف الخير - حضرموت
بعد محاولات عديدة للوصول إلى أحد مسؤولي الائتلاف استطعنا الوصول إلى فهمي بن منصور الذي بدوره أكد بأن “الائتلاف لم يستلم ما ورد بتصريحات رئيس اللجنة العليا للإغاثة (88250 سلة) وأن الكمية الحقيقية التي وصلت إليهم هي (76250 سلة) فقط، وأنه تم توزيعها في تسع مديريات تقريباً خارج المدينة مع شركاء في تعز لم يسمهم.. وفي هذه الحالة يتضح أن ثمة 12 ألف سلة مفقودة، وعندما طلبنا منه إعطاءنا صورة من التقرير النهائي لتنفيذ المشروع أو إعطاءنا المزيد من المعلومات، اعتذر وقال إن “بإمكاننا الحصول على ما نريد من اللجنة العليا للإغاثة أو السلطة المحلية”.

وتقول المعلومات إن قبل عملية تدشين المشروع عقد لقاء رباعي في محافظة عدن بين كلٍ من عبدالرقيب فتح ورشاد الأكحلي وعبده علي مدير مكتب الشؤون والعمل في تعز وائتلاف الخير - حضرموت، وتم الاتفاق على أن يسلم الأخير قاعدة البيانات للجهات المعنية في تعز قبل تنفيذ المشروع وأن يتم التنفيذ بالتنسيق مع لجنة فرع الإغاثة وهو ما لم يتم، إذ تفاجأ الجميع بتدشين المشروع بالتنسيق مع رفيقة الكهالي وشخص آخر يدعى مختار هزبر.

ومن جهة أخرى وبحسب مسؤول في اللجنة الفرعية، أن ائتلاف الخير لم يرد على طلب واستفسارات اللجنة التي وَجهت للسابقين المتضمنة طلب عمل تقرير مفصل عن تنفيذ المشروع، وتقول إحدى الوثائق التي حصلنا عليها والتي ذكرت مخالفات الائتلاف، والتي أهمها أن عملية التوزيع استهدفت مواطنين من تيار حزبي معين وأن السلة كانت ناقصة ولم تشمل مادة الدقيق.


رابعاً: مؤسسة إنجاز
بموجب الوثائق وبحسب اتصال هاتفي أجريناه مع حمود محمد حمود مندوب المؤسسة، فقد أكد لنا باستلامهم للكمية المعلنة (10000 سلة)، وأنه تم توزيعها في منطقة النجيبة (2500 سلة) وباب المندب (1000)،  والجديد القريبة من باب المندب (1500) ومنطقة المخا (5000 سلة)، وقال أحد المسؤولين في اللجنة الفرعية إن المؤسسة قدمت تقريراً مفصلاً يجيب على أسئلة اللجنة باستثناء كشوفات المستفيدين وبصماتهم والذي أبدت المؤسسة استعدادها لتسليمه في وقت لاحق.

خامساً: مؤسسة البادية
تقول المعلومات الواردة بأن المؤسسة استلمت (12700 سلة) من مركز الملك سلمان، لكننا حاولنا مراراً الاتصال بأحد المعنيين لدى الجهة المنفذة ليؤكد لنا صحة المعلومات أو نفيها، حتى توصلنا إلى محسن صادق مسؤول العلاقات العامة، والذي أكد بأن المؤسسة تنفي الرقم الذي ذكره عبدالرقيب فتح رئيس اللجنة العليا للإغاثة، وأن العدد الصحيح هو (10 ألف) سلة، وهذا معناه أن هناك فارق يقدر بـ 2700 سلة لاتزال مفقودة.
كما أكد لنا محسن أن المناطق التي شملها المشروع هي المخا ورأس العارة على دفعتين وخلال شهري مايو ويوليو 2017م وبإشراف من قبل منظمة سكوب للرقابة التي أُعطيت حق الرقابة من قبل مركز الملك سلمان، وتم تسليم الجهة الداعمة تقريرا مفصلا حول تنفيذ المشروع.

سادساً: منظمة الغذاء العالمي
حاولت لجنة الإغاثة الفرعية في تعز مرات عديدة من خلال مذكرات رسمية الحصول على معلومات بشأن ما حصلت عليه منظمة الغذاء العالمي من كمية غذائية (330660 سلة) لكنها لم تتلقَ أي ردود، وبدورنا حاولنا الوصول إلى أي مسؤول في مكتبهم في اليمن، ومن بينها الاتصال إلى مكتبهم في صنعاء على الأرقام: 214100 - 214101، ولم نسمع إلا الرد الآلي فقط، الذي يطلب من المتصل تسجيل رسالة صوتية، ففعلنا ذلك وذكرنا في الرسالة أرقام هواتفنا على أمل أن يتم الاتصال بنا.. لكننا لم نجد أي رد أو اتصال.

وكون أن المنظمة لم تصدر أي بيان رسمي ينفي ما ذكره الوزير فتح حول الكمية المعلنة فهذا يؤكد أنه كان لها حصة من مساعدات مركز الملك سلمان، ويبقى مصيرها مجهولاً حتى اللحظة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى