> تقرير / وهيب الحاجب
العمالقة.. شوكة الميزان في مؤسسة عسكرية لقوات مسلحة جنوبية أشرفت على استكمال هيكلها
منذ اليوم التالي لاجتياح الجنوب وهزيمة الجيش الجنوبي في 7 يوليو 1994، كانت الحاجة ملحّة وضرورية إلى كيان مسلح يقاوم الغزو العسكري الشمالي الذي فطن كثيرٌ من قيادات الجنوب آنذاك أنه احتلال عسكري مكتمل الأركان، وأن الجنوب بعد ذلك
التاريخ دخل منعطفا خطيرا أُريد له أن يُمحى من الخارطة السياسية بفعل سياسات التدمير والطمس التي مارسها نظام علي عبدالله صالح، واستهدف بها قبل كل شيء الجيش الجنوبي وبنيته وكوادره؛ خشية أن تعيد بقايا هذا الجيش الكرّة في معركة أخرى لاستعادة الجنوب ولو بشكل مقاومة.

وبالفعل بدأت بعض قيادات الجيش الجنوبي بالعمل على إيجاد مقاومة مسلحة وتشكيلات عسكرية سرية بهدف مقاومة (الاحتلال) الذي تبنته في البدء حركة (موج)، ثم حركة تقرير المصير (حتم) التي يؤرخ لها اليوم كأول تشكيل عسكري جنوبي بعد هزيمة جيش الجنوب وكأول لبنة لبناء المقاومة وتأسيس الجيش الجنوبي بصورته التي وصل إليها اليوم.. حتم- التي قادها وأشرف عليها عيدروس قاسم الزبيدي وعددٌ من القيادات العسكرية الجنوبية المسرحة- نفذت عمليات ضد القوات الشمالية في ردفان والضالع وآتت أكلها، وإن كان بشكل نسبي إلا أنه، وفق عسكريين وسياسيين جنوبيين، أسس لثورة جنوبية سلمية رفعت صراحة شعار طرد «الاحتلال الشمالي» تطور لاحقا إلى عمل مدني منظم قادته مكونات سياسية خلقها الشعب لقيادة مطالبه وتوجهاته وموقفه من وضع ما بعد الاجتياح وما تلاه من ممارسات ممنهجة طالت البنية الكلية للجنوب، ودمرت كل ملامح الدولة.

البدايات الأولى
استمر النضال السلمي وارتفع صوت شعب الجنوب للمطالبة بتقرير مصيره واستعادة دولته وقدم آلاف الشهداء ومثلهم من الجرحى والمعتقلين والمشردين في سبيل ذلك الهدف، وصُمت آذن العالم ولم يستحب أو يتعاطى أحد مع ثورة الجنوب ومطالبها، وصل الجنوبيون إلى طريق مسدود في نضالهم السلمي، وعاد خيار المقاومة المسلحة يطرح بقوة وبدأت قيادات عسكرية في الضالع وأبين ويافع منهم عيدروس الزبيدي في الضالع ومحمد صالح طماح في يافع وشحتور في أبين تتحدث عن المقاومة بشكل صريح وواضح، فكان هذا الخيار محط خلاف وتباين بين مكونات الحراك السلمي.. وشرعت بعض قيادات الحراك السلمي تفكر جديا بإيجاد مقاومة مسلحة ولو بشكل بدائي لعلها تجد من يدعمها ويساندها لاحقا.. جَمْع الأسلحة القديمة في يافع والضالع ولاحقا ردفان وأبين كان أولى بدايات التحشيد العسكري لمقاومة القوات الشمالية، فتم تجميع كم من الأسلحة الخفيفة من آليات كلاشنكوف ورشاشات وقناصات ومعدلات، وكذا الأسلحة القديمة مثل (الكندة والجرمل والشيكي والخشبي)، وشراء مدافع هاون وبعض الأسلحة المتوسطة، استخدمت لتدريب الشباب الملتحقين بمعسكرات تدريب سرية، منها معسكر أنشأه العميد محمد صالح طماح في وادٍ بيافع، وتخرج منه مئات الشباب، ومثله معسكرات في الضالع بقيادة عيدروس الزبيدي وضباط آخرين، وغيرها من معسكرات التدريب السرية في عدد من مناطق الجنوب التي ربما لم يُعرف عنها حتى الآن.
الغزو الثاني
في العام 2015 عندما غزت قوات الحوثي وصالح الجنوب مجددا كانت الرغبة الجنوبية للمقاومة المسلحة جامحة، وبلغت هذه الرغبة أوجها بعد سنوات من الشد والتجاذبات والتباينات بين مكون الحراك السلمي.. وجد مقاومو الجنوب وقياداته العسكرية المتعطشة لإعادة الكرة مع الغزو الشمالي فرصة لكسر قوى الاستكبار وإعادة الاعتبار للجنوب أرضا وشعبا وجيشا.. هب شباب الجنوب وقياداته إلى جبهات القتال في عدن ولحج وأبين وحضرموت بأسلحتهم الشخصية للدفاع عن تراب الجنوب وقاتلوا أسابيع بإمكانات عسكرية شبه منعدمة قبل إعلان عاصفة الحزم وقبل وصول مددها وعتادها إلى أيدي المقاومين.. إعلان العاصفة وتدخل التحالف العربي عسكريا كان بمثابة الفرج الذي انتظره شعب الجنوب سنوات، وإن كان ذلك التدخل لإعادة الشرعية اليمنية، إلا أنه أنعش خيار المقاومة الجنوبية المسلحة ورسم لها خطوطا عريضة دفعتها خطوات لتحقيق المشروع الوطني الجنوبي الذي بدأ منذ اليوم التالي للاجتياح الأول في العام 1994م.. قاتل أبناء الجنوب بشراسة وبدوافع وطنية تأجلت وتأخرت كثيرا بسبب إمكانية التسليح، فتحررت العاصمة عدن وبقية مدن الجنوب في وقت قياسي أثار انتباه دول التحالف العربي والمجتمع الدولي، لاسيما مع عجز قوات الشرعية اليمنية عن تحقيق أي نصر أو تقدم في جبهات الشمال.

جيش الجنوب
يبلغ قوام قوات الحزام الأمني اليوم حوالي 10 آلاف مقاتل موزعة على خمسة ألوية تشكلت بقرارات جمهورية من الرئيس هادي، وهي ألوية الدعم والإسناد، التي تضم داخلها كتائب للتدخل السريع ومكافحة الإرهاب والمهمات الخاصة، ومنها من عهد إليه مهمات عسكرية للقتال في الشمال كاللواء الثالث دعم وإسناد بقيادة العميد نبيل المشوشي الذي يشارك في معارك الحديدة واللواء الخامس بقيادة مختار النوبي الذي يرابط في مناطق التماس مع تعز، ومنها ما هو باق في عدن وأبين لمكافحة الإرهاب كاللواء الأول بقيادة منير اليافعي (أبو اليمامة)، ومثله اللواءان الثاني والرابع.
وتوالت التشكيلات العسكرية الجنوبية بإنشاء قوات النخبة الحضرمية بقوام يقرب من ثلاثة آلاف جندي ومثلها قوات النخبة الشبوانية اللتان عملتا على تحرير محافظتي حضرموت وشبوة من التنظيمات الإرهابية وعملتا على هزيمة التمدد الحوثي وكسر الاعتداء الشمالي على الجنوب.

بعد تأمين عدن اتجه آلاف المقاتلين الذين انخرطوا مبكرا في المقاومة الجنوبية وقوات الحزام الأمني وفي طليعتهم السلفيون إلى القتال في جبهة الساحل الغربي عند إعلان عملية الرمح الذهبي بقيادة الشهيد أحمد سيف المحرمي، لمواصلة اجتثاث المد الفارسي وقطع يد إيران من المنطقة العربية.. وفي إطار شراكة القوات الجنوبية مع التحالف العربي، كان للسلفين من أبناء الجنوب الفضل الأكبر في تحرير باب المندب وذوباب والتقدم إلى الخوخة ثم حيس والدريهمي حتى خط الكيلو 16 الذي تم تحريره الأسبوع الماضي.. معارك الساحل الغربي كانت سببا لتشكيل وإنشاء ألوية العمالقة الجنوبية التي تتصدر المشهد هناك وتتحكم فيه، إذ بلغ عدد هذه الألوية 12 لواء بقوام 21 ألف جندي كلهم جنوبيون عدا بعض التواجد الشلكي لأبناء تهامة. وبالتالي فإن العمالقة قوات جنوبية تدين بالولاء لله أولا ثم للجنوب وقضيته العادلة ومطالبه المشروعة، ولها ارتباط مباشر وتواصل مع نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي والرجل السلفي هاني بن بريك.

في ظلال الجنوب
الانتماء للجنوب والشغف بتحرير الأرض كان هو الحاضر الأقوى في جبهات القتال ضد الغزو الثاني للجنوب، ورأى كثير من القياديين العسكريين أنها الفرصة لإعادة الاعتبار ورد الصاع في وجه المنتصر بالغزو الأول 94م، فتقدمت قيادات عسكرية جنوبية من الحجم الكبير صفوف المقاتلين بين أفرادها ومقاتليها وقاسمتهم الحر والجوع والعطش والعراء مقبلة على العدو حتى نالت شرف الشهادة بعد أن أسست لجيش جنوبي ذي عقيدة وطنية لن تكسر ولن تقهر أو تتراجع عن الخط الذي رسمه أولئك الشهداء من القياديين العسكريين الذين سقطوا وهم يدافعون عن حمى الجنوب ويقاتلون تحت رأيته ومع تطلعاته شعبه نحو تحرير الأرض وتقرير المصير، ومن هؤلاء الأبطال نائب رئيس هيئة الأركان العامة الشهيد أحمد سيف المحرمي اليافعي، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة الشهيد علي ناصر هادي، وقائد اللواء الثالث حزم الشهيد عمر سعيد الصبيحي، وقائد معركة تحرير عدن ومحافظها الشهيد جعفر محمد سعد الذي طالته أيادي الغدر والإرهاب.

اللواء جعفر محمد سعد (رحمه الله) يبحث خطة تحرير عدن مع نائب رئيس الجمهورية السابق خالد بحاح
كل الألوية والتشكيلات العسكرية الجنوبية عملت منذ وقت مبكر على تأهيل أفرادها ورفع خبراتهم إما بدورات تخصصية قصيرة في الداخل أو بابتعاث دفعات وكتائب إلى الخارج بدعم وتنسيق مع قوات التحالف العربي، فهناك قوات تم تدريبها في السعودية وأخرى في الإمارات وثالثة في معسكرات بإريتريا قبل الزج بها إلى جبهات القتال، وبعد تشكيل الألوية الجنوبية تقام دورات لتأهيل الجنود وتدريبهم على أيدي خبرات عسكرية جنوبية وضباط أكفاء من الإمارات والسعودية والسودان، وتم تخريج كثير من الدفعات في مجال مكافحة الإرهاب والتدخل السريع وحرب الشوارع والتحرك في مسرح العمليات، وغيرها من الفنون القتالية التي يتطلبها الجندي المقاتل ورجل الأمن.

جهاز مخابرات
كل الألوية الجنوبية من الحزام إلى العمالقة وما بينهما هي اليوم بمثابة «قوات مسلحة» جنوبية حقيقية بشقيها الجيش والأمن، وتعمل على الأرض باحترافية وثبات، وبشراكة فعلية مع قوات التحالف العربي ودول الإقليم؛ ما يؤهلها بالتالي لأن تكون قوات لدولة مستقلة قادرة على حماية هذه الدولة وسيادتها، وهذا ما يبدو أنه ينقص قوات الجنوب لاستكمال نضالها وتحقيق مشروعها، وهذا ما يفترض على دول التحالف العربي إدراكه والعمل عليه حتى لا تكون هذه القوات مشكلة في خاصرة الخليج، فهي لن ترضى بأقل من استعادة دولة الجنوب مستقلة بحدودها المعروفة قبل العام 1990.

ملخص القوات المسلحة الجنوبية
الحزام الأمني وألوية الدعم والإسناد وعددها خمسة ألوية بكامل إمكانياتها العسكرية من تسليح وأمور فنية ولوجستية، ألوية العمالقة وعددها 12 لواء بكافة تجهيزاتها وعتادها، النخبة الحضرمية، النخبة الشبوانية، ألوية وكتائب الحزم، قوات الأمن العام، الشرطة العسكرية، ألوية الحماية الرئاسية، تشكيلات تابعة للمقاومة الجنوبية لم تضم بعد إلى ألوية نظامية، قوات الاحتياط في الضالع ويافع.

