> خلدون الشرقاوي*
يواصل حزب «التجمع اليمني للإصلاح»، الذراع الرئيسية لجماعة الإخوان في اليمن، اللعب على المتناقضات، لتحقيق مكاسب أكبر على المشهدين، الداخلي والإقليمي، فيما يخص اليمن، محاولاً إعادة الإخوان للواجهة، بعد التحجيم المفروض على الجماعة عقب سقوطها في مصر، والحصول على مكاسب على الأرض، لضمان لعب دور سياسي أكبر في مرحلة ما بعد هزيمة الحوثيين.
الاستراتيجية الأولى: إخلاء المدن
منذ أن تمكّن الحزب من مفاصل الدولة والدعوة والعمل الاجتماعي والاقتصادي، لا يمكن أن يمرّ عمل في الدولة اليمنية إلا وهو يخطط لأن يكون جزءاً منه، في مسلسل طويل من الممارسات تجمعها الانتهازية والتنكر للشعارات التي يرفعها، بلغت ذروتها بالاتهامات التي تلاحقه بالدور الذي لعبه في تمكين الانقلابيين من السيطرة على صنعاء، وأخيراً ترك المواقع للانقلابيين والإخلال بتفاهماته مع التحالف العربي في كلّ مواقع القتال.
الكاتب المصري، محمود جابر، الوثيق الصلة بالشؤون الإيرانية والحوثية، قال «الإخوان، ممثَّلين في حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسية للجماعة في اليمن، دعموا ظاهرياً في البداية «عاصفة الحزم»؛ لأنّها ستعيدهم إلى المشهد السياسي باليمن، من خلال تخفيف الضغط الذي فرضه عليهم الحوثيون، حيث إنّ هذا من الممكن أن يتيح لهم استعادة جزء كبير من نشاطهم وقدرتهم التنظيمية، لكنّهم وجدوا أنفسهم في مرمى الحوثيين، فتفاوضوا معهم عن طريق الدوحة، في لقاءات سرية، بغية البحث عن مكاسب سياسية، ولمّا زاد قصف قوات التحالف، أيدت الجماعة الحرب، دعائياً، في الوقت الذي صدّرت فيه للشعب اليمني وقوفها على الحياد من الأحداث، في انتظار من سيفوز في النهاية في تلك الحرب، أو من سيقدم دعماً وعوناً أكثر للإخوان، وفق فقه المصالح».
في هذا السياق، ذكرت تقارير صحافية يمنية أنّه «خلال الفترة التي سبقت دخول الحوثيين إلى العاصمة، ظلت جماعة الإخوان المسلمين، الممثلة في حزب «التجمع اليمني للإصلاح» تترقب وسيلة للتعايش معهم، وبعد تفاوض أفسحوا المجال للحوثيين لدخول العاصمة، ولم يقوموا بأيّ ردّ فعل، أو حتى الدفاع عن كيانهم ورموز حضورهم، مثل مقار الحزب التي كانت تنتشر بشكل كثيف في العاصمة، إضافة إلى منازل كبار قادة الجماعة».
وتشير تلك التقارير إلى أنّ ذلك جاء بناءً على اتفاق يقضي بعدم مساس الحوثيين بالمصالح الاقتصادية والشركات التابعة لقيادات الإصلاح، مقابل عدم اعتراض الحزب لتوسعات الانقلابيين، فأخلى الحزب معسكراته الكبيرة في صنعاء وعمران ومنها «الفرقة الأولى مدرع»، في الوقت الذي كان قادته يعلنون أنّهم يمتلكون 70 ألف مقاتل للدفاع عن العاصمة، لكنّهم فجأة اختفوا بأوامر سياسية، بحسب اعترافات أعضاء وقيادات إصلاحية من الصف الثاني، فاقتحم الحوثيون العاصمة بسهولة، وحاصروا منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي! ثم توجهوا إلى تعز، وهي المدينة التي يتواجد فيها أكبر عدد من قواعد الإصلاح، فوجدوا الحزب ينسحب بهدوء فدخلوها بهدوء دون قتال!
يقول مدير المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الإستراتيجية، سمير راغب: «لقد أخلوا تعز أمام الانقلابيين، وكرّروا ذلك مؤخراً، فحينما كادت المدينة أن تتحرّر، خانت العناصر التابعة للتجمع الوطني للإصلاح (الإخواني) التحالف، ما أدّى إلى تراجع الانتصارات لعناصر الشرعية».
وبيّن راغب أنّ عناصر الإخوان تخلوا عن خطوط ومواقع مكتسبة، ومنها هيئات مرتفعة مسيطر عليها، وطرق ومحاور إستراتيجية مسيطر عليها نيرانياً، وكذلك الأمر في مأرب، وفي النطاق القبلي حول صنعاء؛ في نهم، وبني حشيش، وبني إرحب، وسنحان، وبني بهلول!
الإستراتيجية الثانية: التعايش مع الحوثي
أهم بنود الاتفاق الذي عقد بين الحوثيين و«الإصلاح» في «كهف مران» العام 2014، الذي نقلته وكالات أنباء عالمية، وأفردت له صحيفة «الرأي» الكويتية الحديث في 20 سبتمبر 2014، هو التعايش، بمعنى عمليات استلام وتسليم من قبل الإصلاح لمليشيا الانقلابيين؛ حيث إنّه ما إن يدخل الحوثيون منطقة إلا ويسارع فرع حزب الإصلاح فيها بالتواصل مع الحوثيين، وتنصيبهم حكاماً رسميين لتلك المناطق، كما يترك الإصلاحيون الجبهات بالمحافظات الشمالية تنهار أمام الانقلابيين، ويقوم قواعد الحزب بنسف جهود التحالف الإغاثية والتنموية، وتعطيل أشكال الحياة وإبقاء الأوضاع الخدمية على ما هي عليه.
الإستراتيجية الثالثة: التخاذل في الجبهات
كان أعضاء الإصلاح يتطوعون في جبهات القتال، لكنّهم سرعان ما يتخاذلون في الجبهات، وهذا حدث بمأرب ونهم والجوف، وحول صنعاء، وفق ما نشرته «سبوتنيك» الروسية، بتاريخ 9 يوليو العام 2018؛ حيث رأى الكاتب والباحث السياسي اليمني، علي نعمان المصفري، أنّ جماعة الإخوان تحوّلت في وضع اليمن الحالي إلى «سرطان».
في 20 سبتمبر العام 2017، نشرت تقارير صحافية، كيف أنّ حزب «الإصلاح» يسلم أسلحته للحوثيين، وأنّ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرّر إقالة محمد علي المقدشي، المنتمي لـ «حزب الإخوان» من رئاسة الأركان، وتعيين «طاهر علي العقيلي» بدلاً منه، لأنّه، وفق التقارير الصحافية آنذاك، يتواطأ مع ميليشيا الانقلاب، ويسرّب لهم معلومات سرية وخطرة، ويرفع إحداثيات لاستهداف الجيش الوطني والمقاومة في مأرب، ويؤخر الحسم العسكري بالمحافظة، كما يهرّب كميات كبيرة من الذخائر والعتاد العسكري إلى صفوفهم.
وقد أعلنت قوات التحالف، يوم 22 سبتمبر العام 2017، بالفعل، ضبط عدد من شحنات السلاح المهربة، التي كانت في طريقها من محافظة مأرب إلى الانقلابيين في محافظة صنعاء، بدلالة ظهور القيادي الانقلابي، محمد علي الحوثي، وسط صنعاء، على متن مدرعات قدّمت تعزيزاً لجبهات القتال في محافظة مأرب، التي تدار من قبل قيادات تنتمي لحزب الإخوان.
بدوره، يتساءل المحلل السياسي سمير راغب، في معرض حديثه لـ»حفريات»: «لماذا تقف معارك تحرير صنعاء عند الطوق القبلي حول أمانة العاصمة صنعاء؟ ولماذا نجحت عمليات الساحل الغربي في الخوخة والتحيتة، وحتى الحديدة، بقيادة الإمارات؟ الإجابة هي: أنّ أبوظبي لم تعتمد على عناصر إخوانية، بل اعتمدت على عناصر مستقلة».
الإستراتيجية الرابعة: دعم التنظيمات الإرهابية
ثمة مؤشرات أنّ «الإصلاح الإخواني» مرتبط بالتنظيمات الإرهابية، حتى أنّ عدداً منها في مدينة تعز لها ارتباطات تنظيمية، وقد كشفت وثائق عثرت عليها قوات التحالف العربي باليمن في مدينة شبوة، التنسيق بين الإخوان وتنظيم القاعدة بشكل مباشر، والتستر خلف عباءة المقاومة للقيام بأعمال إرهابية في الجنوب اليمني، وفق ما أشارت له تقارير صحافية، ومراقبين.
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب المختصّ بالشأن الحوثي، محمود جابر «الإخوان يلعبون على محورين مختلفين متناقضين متحاربين؛ محور التحالف عن طريق ما يسمّون «الحمائم»، في الوقت الذي يلعب «الصقور»، بقيادة عبد الملك المخلافي، دور محاولة تكوين تحالف آخر، يضمّ قطر وتركيا وربما إيران، ومعهم الجماعات المتشددة الأخرى، وهم بهذا، وعن طريق بيانات عدد من المنظمات الحقوقية، يحاولون الابتزاز».
وكشف محمود جابر، الوثيق الصلة بالشؤون الإيرانية والحوثية، «عن لقاءات وتنسيق جمع بين حزب «الإصلاح»، وميليشيات الحوثي، تحت رعاية قطرية، مهّدت لها تصريحات قيادات بارزة في حزب الإصلاح الإخواني، دعت بشكل مباشر للتحالف مع الحوثي تحت ستار «المصالحة الوطنية»، ولإبعاد اللوم عنهم، غلّفوا الأمر بغطاء ديني، قائلين: إنّ هذا الأمر «واجب ديني»، وفق جابر.
ويضيف جابر: «علاقة حزب الإصلاح بجماعة الحوثي ليست جديدة، فقد جمعت بينهما علاقة وطيدة، حين كانت مليشيات الجماعة مسيطرة على محافظات الجنوب قبل طردها، كما ظهر ذلك في التخاذل، الذي أبداه حزب الإصلاح في مقاومة الحوثيين في الشمال، الذي سيطروا عليه بسهولة، وكان التحالف بين الطرفين غير معلن في البداية، غير أنّه ظهر في تسليم الإخوان لمواقعهم القتالية لمليشيا الحوثي؛ بل وانخرطت عناصر إخوانية في القتال إلى جانب تلك المليشيات».. وأضاف أنّ الجماعة تستخدم «القاعدة» و»داعش» لفرض مشروعاتها، ضارباً المثل بمدينة تعز؛ حيث توجد بها العديد من التنظيمات والفصائل الدينية، بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة، والآخر بـداعش، لكن ما يجمعها هو ارتباطها بجماعة الإخوان وحزبها الإصلاح.
*كاتب مصري - عن (حفريات)