مدرسة "ابن سيناء" بعدن.. من منبر للعلم إلى وكر للهدم

> تقرير/ وئام نجيب

>
تُعد مدرسة "ابن سيناء" الواقعة في حي "سالم عمر" بمديرية التواهي في العاصمة عدن إحدى أعرق المدارس بالمدينة، ومعلمًا وصرحًا علميًا تاريخيًا يفخر به الأجيال المتعاقبة، لا سيما من نشأ وترعرع فيها، وهي خاصة بالفتيات.

ويعود بناؤها إلى أواخر خمسينيات القرن الماضي، بعد أن تكفل ببنائها بعض التجار والشخصيات الوطنية في مدينة التواهي، وكان يطلق عليها “مدرسة سالم عمر”، قبل أن يتغير إلى "ابن سيناء".


حال مدرسة "ابن سيناء" اليوم، وبعد مرور ما يربو على عشر سنوات على هدمها، تغير كثيرًا، وتحولت من منبر للعلم إلى وكر للفواحش وللمتاجرة بالمخدرات والحشيش، حيث كان من المقرر إعادة بنائُها قبل عام 2015م، وفعلًا بدأت اعمال البناء فيها لكن اندلاع الحرب الأخيرة على عدن والمحافظات الجنوبية من قبل الحوثيين اوقف عملية البناء، وقد لا يكون ذلك هو السبب الرئيسي توقف استكمال عملية البناء، إذ يؤكد معلم متقاعد درّس فيها سابقا أن “نهب الميزانية المرصودة للمدرسة من قبل جهات نافذة هو السبب الرئيسي في توقف استكمال عملية البناء”.

هيئة تدريس مدرسة “ابن سيناء” وادارتها وابناء الحي والأحياء المجاورة لها تعجبوا من عملية هدم المدرسة آنذاك، واثارت عملية الهدم استياء واسعًا من قبلهم، متسائلين عن سبب هدمها حينها، غير انهم لم يجدوا اجابةً شافيةً.
ورغم المتابعات الحثيثة التي يبذلها ابناء الحي في مناشدة الجهات المعنية بضرورة إعادة بناء المدرسة إلا انهم لم يجدوا آذانا صاغية، حد تعبيرهم.

نهب الميزانية
يقول أحد معلمي المدرسة (متقاعد)، عمل مدرسًا فيها منذ تسعينيات القرن الماضي، إن “مدرسة "ابن سيناء" تُعد من المدارس التي تعرضت للهدم والإهمال، علما بأنها كانت لا تستحق الهدم، وكانت هناك معارضة في هذا الامر من قبل ابناء الحي المتواجدة المدرسة فيه، وبعد هدمها من الاساس تم البدء في اعادة بنائها في فترة قبل الحرب الاخيرة على عدن، ونتيجة للأحداث آنذاك توقفت عملية استكمال البناء كون الميزانية المرصودة لبناء المدرسة نُهبت من قبل جهات نافذة”.

واضاف لـ«الأيام»: “تم هدم المدرسة منذ حوالي عشر سنوات، وقطاع المشاريع في وزارة التربية والتعليم هو المسؤول عن وضع المدرسة السيء الان بسبب صمته وعدم تحركه”.


وتابع "المدرسة مهملة من كافة الجهات المعنية، حيث لم ينزل إليها أحد، وقمنا قبل حوالي عامين بمعية ابناء الحي بتوجيه رسائل لوزارة التربية والتعليم طالبنا فيها بانقاذ المدرسة، كما ناشدنا رئيس الجمهورية ووزير التربية والمسئولين بضرورة الاهتمام بإعادة بنائها من جديد، لاسيما وأنها اصبحت وكرًا للمخدرات والفواحش".

واستطرد "بسبب إهمال الجهات المعنية بالمدرسة تجرأ احد الاشخاص وأخذ مساحة منها وقام ببناء منزل عليها، وكما يقال (المال السائب يعلم السرقة)، وما شجع على ذلك الوضع الأمني الهش، ورغم مناشداتنا العديدة إلا اننا لم نجد أي استجابة".

رفض عملية الهدم
وواصل المعلم، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، حديثه لـ«الأيام» بالقول: “كان اخر سعينا في اعادة بناء المدرسة قبل حوالي شهر من الان، حيث وجهنا رسالة إلى مأمور مديرية التواهي عبد الحميد الشعيبي، الذي أكد لنا انه كان لبناء المدرسة مبلغ مرصود قبل الحرب، إلى ان اتت الاحداث وتوقفت عملية البناء، وما تبقى من المبلغ تم نهبه، وهي الان بحاجة إلى ميزانية جديدة”.


واشار إلى أن “المدرسة كانت مخصصة للفتيات (من الصف أول ابتدائي وحتى الصف التاسع)، وكانت عبارة عن عشر شُعب دراسية، ومختبر ومستودع ومكتب للمدير ومكتب النائب ومكتب المعلمين إضافة إلى وجود مقصف وحمامات".
وتابع “بالفعل خسرنا مدرسة لا تستحق الهدم، رغم أنها كانت ملائمة (قبل الهدم) من حيث تهوية الفصول واسقفها متينة وجدرانها عريضة، وكان المبنى قويًا، لكن تم هدمها من اجل مصالح مالية.. نعم هذا ما اخبرني به المهندس الذي كان مشرفا على الهدم، وقال لي “لو اتيت انا وخمسون مهندسا لن نتمكن من إعادة بناء هذه المدرسة كما كانت”.


وأكد أن “مديرة المدرسة آنذاك رحيمة طربوش، كانت رافضة فكرة هدم المدرسة، ولكن كانت هناك جهات امرت بهدمها، وكانت تطالب الاستاذة رحيمة بهدم وبناء الجزء المستحدث الذي كان يستحق الهدم فقط، وهو جزء صغير عبارة عن ثلاث شُعب”.
واختتم حديثه قائلا “مدرسة “ابن سيناء” تُعد إحدى المدارس التاريخية في البلاد، وكانت تسمى بالأهلية، وتم هدمها للحصول على حفنة من المال، دون وضع اعتبار للجانب التعليمي ومصلحة الطلاب، ونحمل وزارة التربية والتعليم كل ما آلت إليه المدرسة، وبسبب ذلك تحولت إلى وكر للفواحش والمخدرات”.

تأجيل البناء
من جانبه قال رئيس المجلس الشعبي لمديرية التواهي، المدير السابق لمعهد التدريب المهني بخورمكسر، المهندس كتبي عمر كتبي، إن “المجلس الشعبي تأسس منتصف عام 2015م، كمساعد للسلطة المحلية في المديرية، ويتكون من بعض شباب المقاومة الجنوبية ومجموعة من الشخصيات الوطنية من ابناء التواهي والقلوعة”.

وأضاف لـ«الأيام» إنه جرى عقد عدة لقاءات في نادي شمسان قبل أن يتأسس المجلس فعليًا، ومن خلاله تم تشكيل عدة لجان للشهداء والجرحى والصحة والتربية.
وتابع “اصدرت وزارة التربية بيانًا تضمن ضرورة عمل دراسة عن واقع التواهي، لمعرفة المشاكل والمعوقات التي تقف امام التعليم في المديرية، اهمها الكثافة الطلابية في المدارس، حيث يصل عدد الطلاب في الفصل الواحد ما بين 60 إلى 70 طالب”.

إعادة بناء المدارس
واستطرد كتبي “قمنا بعمل دراسة للمدارس المتعثرة في البناء، ومعرفة المعوقات من خلال اعداد ملف بالتعاون مع السلطة المحلية بالتواهي، وقبل عام حملنا هذا الملف الى جميع الجهات المختصة، منها (القائم بأعمال محافظ عدن، ووزير التربية والتعليم، ووكيل قطاع المشاريع في وزارة التربية مدير عام التربية بعدن)، فيما خاطب مدير مديرية التواهي عبد الحميد الشعيبي قيادة وزارة التربية والتعليم بضرورة تحديد المبالغ المتبقية والبحث عن مصادر اخرى لاستكمال هذه المبالغ كي يكتمل البناء، ولكن لم يكن هناك اي تجاوب”.

وعود وهمية
وقال كتبي: “في السابق علمنا بأن القائم بأعمال محافظ عدن احمد سالمين رفع ملف استكمال المبلغ ليكتمل بناء مدرسة "ابن سيناء" الى رئيس الوزراء السابق د.أحمد عبيد بن دغر، وقال بن دغر بأنها ستدخل ضمن مشاريع الاعمار فقط”.
واردف “هناك أربع مدارس بالمديرية متعثرة في البناء، بالاضافة إلى وجود مدرستين مغلقتين بالكامل وهما (مدرسة تمنع، ومدرسة ابن سيناء)”.


وأشار إلى انهم لمسوا فيما يخص مشروع إعادة بناء مدرسة “ابن سيناء”، ان المشروع يتم ترحيله من عام إلى أخر، حد قوله.
وأكد كتبي أن “في عام 2016م، كان الهلال الاحمر الاماراتي سيتم إعادة ترميم هذه المدارس، وقد تم الاتفاق على كافة الاشياء، ومنها التكلفة، ولكن للاسف المقتحمين الذين قاموا بالبناء في هذه المدارس رفضوا الخروج منها رغم وجود أوامر بدفع تعويضات لهم، لكنهم طلبوا مبالغ كبيرة”.

وضع سيئ
وتابع “في الحملة الأخيرة الخاصة بإخراج المقتحمين والنازحين من المدارس قام المأمور الحالي بإخراج بعض المقتحمين من بعض المدارس، وتبقى مجموعة من المعلمين في مدرسة “تمنع”، ولديهم عقود انتفاع وتمليك من قبْل “الوحدة اليمنية”، وقاموا باستغلال بعض الفصول واتخاذها سكنا لهم، أما عن مدرسة “ابن سيناء” فيوجد فيها مقتحمين، ولابد من اخراجهم، كونهم لا يمتلكون اي وثائق”.

منزل تم بناؤه في المدرسة
منزل تم بناؤه في المدرسة

وتأسف كتبي عن ما آلت إليه الأوضاع في مدرسة “ابن سيناء”، كونها تخلو من الحراسة مما جعل البعض يعبث فيها، “وأصبح وضعها سيء جدًا”، حد تعبيره.
وأشار إلى انهم التقوا بمنظمة” اليونيسيف” لإعادة ترميم هذه المدرسة، لكن المنظمة أكدت انها “لا تقيم مشاريع استثمارية كبيرة وانما تعمل صيانة لبعض المدارس”.
واختتم رئيس المجلس الشعبي لمديرية التواهي المهندس كتبي عمر كتبي حديثه لـ “الأيام” بالقول: “عملنا دراسة في العام الماضي تتضمن تخفيف اعداد الطلاب في الفصول (من صف اول وحتى ثالث ابتدائي)، لكننا لم نستطع تطبيق هذه الدراسة بسبب المدارس المتعثرة والمغلقة”.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى