قصة قصيرة.. المجهول

> مصطفى محمد

>
كان كل ما يدور بذهنها في ذلك الوقت هو ألّا تتركه وحيدا... يجب عليها مرافقته أينما ذهب، فهي لم تتعود الحياة بدونه، اصطحبها لرحلته، أتى بها على جزيرة في منتصف المحيط، تخلو من الحياة البشرية وما إن وطأت أقدامهما أرضها حتى صار هو آدم الذي خلّفه الله في أرضه.. وكانت له حواء التي لم يعهد أنثى قبلها.

جزيرة أصلها ينبت في الجنة وثمارها على الأرض، بحر ممتد على مد البصر، لا تعرف له نهاية، لون السماء الأزرق طمس عليه بجميع درجاته حتى يخيل لك أن السماء والبحر قطعة واحدة، رسمة واحدة تدرّج بها اللون الأزرق من الأزرق البحري حتى الأزرق الليليّ مرورا باللون التركوازي واللبني والسماوي. لولا تداخل الدخّان الإلهي بكثافة فمحا بعض درجات الأزرق ليعوضها بسحُب بيضاء تطل عليهم من جنابات السماء.

سحاب يرسم أشكالا تنفذُ إلى العقل، فهي لا تُدرك عن طريق العين، تحتاج لساعات من التحليق في تلك السماء لتتفقدها وتتعرف عليها من قرب. ولكن جاءت كلماتها في لهفة لتجيب على سؤال لم يقال.
- إنه ملاك... قد أتى الله به ليظلنا تحت جناحيه ويشهد على حبنا الأبدي.

تلعثم ثم جمع شتات ذهنه وأجابها
- بل هي نجمة تبكي... فقد كانت هي أجمل ما تحمله الجزيرة، حتى شهدت تربعتي أنتِ كملكة على عرشها.
تناقشا وتبادلا الحديث وأجمعا أن تلك السحابة هي وردة تستحي خلف السماء وسط الغيوم.

أراد أن يدركها.. قفز من موضعه.. ركض على الرمال، لحقته بلهفة في عينيها تتفقده، تشتيه، ركضا كطفلين يصارعان الحياة، لا يعرفان مللا ولا كللا.
يتركان آثار أقدامهما محملة بفتات الماضي وأحزان طالت قلبيهما، لا يشكيان ألما ولا غما.. فقط يضحكان ويتبادلان النظرات. وقعا من كثرة الضحك، استلقيا تحت ظل نخلة، أغمضت عينيها وباتت بين ذراعيه، يشعر بأنفاسها الملتهبة تلامس خديه، يشتهيها، تدنو منه.. تتلامس الشفاة، وتفقد شفتاها عذريتها من ريقه.

جسدها أصبح في حاجة له، يريد أن يفقد بكارته على يديه كتلك الجزيرة التي لم تعلم من قبل بوجود البشر، نعم جسدها كان كتلك الجزيرة حتى وطأها بيديه، فهي لم تكن تعرف أن لها جسدا من قبل.

وتتخلل أشعة الشمس المياه فتنعكس صورتها فتسقط على أعينهم، تشل حركاتهم، حتى تذوب الأشعة في المياه ويدنو قرص الشمس من سطح البحر فيحتويه، يقبله كقبلة للتو طبعت على شفتيها، يبتلعه، فيحل الظلام تاركا خلفه ضوء الشموع وتلك النجوم التي تفترش السماء.. يأخذ يدها ويقبلها، فترتديه كمعطف في ليلة باردة، يراقصها على أصوات الطيور التي سكنت الأشجار. تدنو منه فتغمض عينيها مستلقية بين ذراعيه، تجلس على قدميها وتمسك إحدى الشموع، فتفتح عينيها لتجد نفسها ما زالت هناك جالسة في إحدى المقاهي ممسكة بقلمها الذي رسم كل هذه الصور على ورقة بيضاء لازالت في يديها وهو يمشي بعيدا عنها.. يفارقها.. ويتركها ليبدأ رحلته من دونها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى