فرصة ضئيلة للسلام في اليمن فهل لمرض هادي علاقة بالأمر؟

> «الأيام» عربي بوست

>
 في شهر سبتمبر 2018، فشل مارتن جريفيثس، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، في إقناع الطرفين المتنازعين بالجلوس على طاولة المفاوضات بجنيف، بعد مشاحنات في اللحظة الأخيرة. بيد أنَّه يأمل، هذه المرة، تحقيق نجاحٍ أفضل بعدما وصل الحوثيون إلى السويد في الرابع من ديسمبر 2018، لتتبعه الحكومة المعترف بها دولياً في اليوم التالي. وتُعَد المحادثات في السويد مشاوراتٍ أولية لتمهيد الطريق أمام المفاوضات النهائية. ويأمل جريفيثس أن يوافق الجانبان على بعض تدابير بناء الثقة الأساسية، وضمن ذلك تبادل الأسرى، وإعادة فتح مطار صنعاء، وربما التوصّل إلى اتفاقٍ لاستقرار مدينة الحديدة، فضلاً عن خارطة طريق واسعة للمحادثات المستقبلية.

ومن غير المقرر أن يلتقي الوفدان اليمنيان - المكوَّنان من ممثلين عن الحوثيين وحكومة عبد ربه منصور هادي - وجهاً لوجه في هذه الجولة. بل ستتوسَّط الأمم المتحدة بينهما وتنقل مطالب كل طرف إلى الآخر. لكن بالنظر إلى انهيار جميع جولات المحادثات السابقة -ومن بينها آخر مفاوضاتٍ جادة جرت في الكويت منذ أكثر من عامين- فحتى هذه الأهداف المحدودة قد تكون صعبة المنال. موقع Lobe Log الأميركي قدَّم قراءة للمشهد على أرض اليمن وفي السويد، وخرج بالتقرير التحليلي التالي:

هل حدث أي شيء منذ سبتمبر؟
أولاً: ما تغيَّر هو أنَّ العالم -على مرِّ الأشهر الثلاثة الماضية- صار أكثر إدراكاً للكوارث الجارية في اليمن وضرورة وقفها. بعض القادة في أوروبا والولايات المتحدة تحدثوا بوضوحٍ أكبر عن ضرورة إنهاء الحرب.
ثانياً: أدَّى مقتل الصحافي السعودي المُعارض جمال خاشقجي إلى تعزيز صفوف أعضاء الكونغرس الذين يحاولون فرض تغييرٍ في السياسة الأميركية تجاه اليمن، ما أثار نقاشاتٍ أوسع وأكثر علنيةً حول الحرب ودور الولايات المتحدة فيها.

مجلس الشيوخ يتحرك للضغط
وفي 29 نوفمبر 2018، صوَّت مجلس الشيوخ، بأغلبية 63 صوتاً مقابل 37 صوتاً، على تمرير قرارٍ يُلزِم إدارة الرئيس الأميركي ترامب «إخراج القوات المسلحة الأميركية من الأعمال العدائية في الجمهورية اليمنية أو التي تُلحق ضرراً بها». وينظر مجلس الشيوخ أيضاً في مشروع قانون ثانٍ، يهدف إلى تقليص الدعم الأميركي للسعودية.

يعد هذا المشروع بمثابة توبيخ للسعوديين على قتل خاشقجي، وتوبيخٍ لترامب أيضاً على إعطائه السعوديين دعماً غير مشروط. ويأتي هذا التحرك رغم جهود إدارة ترامب لدرء أي إجراءٍ قد يضر بعلاقات الولايات المتحدة بالمملكة السعودية.

شهادة مديرة الاستخبارات المركزية دليل على إصرار الكونجرس
وفي أعقاب شهادة مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أمام بعض أعضاء الكونجرس، في 4 ديسمبر 2018، بشأن جريمة قتل خاشقجي والمسؤولية السعودية عنها- يبدو أنَّ العزم على إنهاء الدعم الأميركي للحرب يتزايد.
وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي أصبح ناقداً صريحاً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إنَّه سيعمل على حشد الدعم لمشروع قانون يهدف إلى قطع الدعم العسكري الأميركي للجهود الحربية السعودية في اليمن، رداً على عملية القتل.

وفي محاولةٍ لاستباق أي إجراءات قوية من جانب الكونجرس، دعا وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الشهر الماضي (نوفمبر 2018)، إلى وقف الأعمال القتالية ومشاركة جميع الأطراف في محادثات السويد. وأعلنا لاحقاً إنهاء تزويد الطائرات السعودية العاملة في اليمن بالوقود الأميركي جواً.

وأوقفت بعض الدول الأوروبية مبيعات الأسلحة إلى الرياض؛ احتجاجاً على الطريقة العشوائية التي تشن بها حربها الجوية في اليمن. وقدَّمت المملكة المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن، لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن. لكنَّ موقف الولايات المتحدة ربما لم يتغيَّر بقدر ما قد يوحي به خطابها العام. ففي الوقت الذي دعت فيه إدارة ترامب علناً إلى إنهاء الحرب، دعمت سياسة السعودية في اليمن بصراحةٍ، وتناور سراً لإعاقة مشروع قرار المملكة المتحدة، ما يشير إلى أنَّ تصريحات المسؤولين الكبار الرسمية لم تكن صادقة. ففي بيان صدر في 20 نوفمبر 2018، كتب ترمب أنَّ إيران مسؤولة مسؤولية مباشرة عن حرب اليمن، في حين قال بومبيو، في 1 ديسمبر 2018، إنَّ الولايات المتحدة «تعتزم مواصلة» الدعم العسكري للرياض.

ما مدى احتمالات النجاح؟
قد يتمكن جريفيثس من تحقيق هدفه المحدود، المتمثل في إقناع الحوثيين وهادي بالموافقة على إجراءات بناء الثقة، والتوقيع على إطار أوسع للمفاوضات مع بعض التعديلات، وتحديد موعد محادثات السلام الجوهرية في المستقبل القريب. ولكن مع الأسف، هناك احتماليةٌ كبيرة لانهيار المشاورات، وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين، كما حدث في جميع الجولات السابقة، فضلاً عن أنَّ كلا الجانبين غير مستعدٍ لتقديم تنازلات. إذ يعتقد التحالف وحكومة هادي أنَّ الوضع قد انقلب ضد الحوثيين على الأرض، ويرغبان في الانتظار لتحسين موقفهم. ولكن، من المستبعد أن يُظهِر الحوثيون من جانبهم قدراً كبيراً من المرونة، بالإضافة إلى أنَّهم يعتبرون موجة الغضب الحالية في العواصم الغربية ضد المملكة العربية السعودية تحوّلاً لمصلحتهم. وقد يعتبرون حتى معركة ميناء الحديدة والمجاعة التي نجمت عنها وسيلةً لتحويل السردية ضد التحالف والحكومة، وتعزيز موقفهم التفاوضي، في ظل زيادة ضغط الحكومات الغربية لإنهاء الحرب.

نقطة فيصلية
وعلى الرغم من هذه الديناميات السلبية، ينبغي لجريفيثس أن يستخدم هذا الاجتماع لمحاولة بناء زخم خلف خطته الرامية إلى السلام والترتيب لمزيدٍ من المحادثات الجادة في عام 2019. وإذا استطاع إقناع الطرفين بالموافقة على إجراءات بناء الثقة على الأقل -ومتابعتها في الأسابيع والأشهر التي تلي المحادثات- فسيكون بإمكانه أن يدَّعي بموثوقيةٍ، أنَّ العملية التي تقودها الأمم المتحدة لها أهميةٌ جديدة.

والأهم من ذلك أنَّه يحتاج إلى الحصول على اتفاق بشأن الحديدة، من شأنه أن ينقذها من هجومٍ بقيادة قوات التحالف. وقال الحوثيون إنَّهم مستعدون لتسليم الميناء إلى الأمم المتحدة. ولا شكَّ في أنَّ إقناع الحكومة اليمنية -ومن ثَمَّ قوات التحالف- بالموافقة على ذلك ثم اتخاذ خطواتٍ لتجريد المدينة من السلاح، سيكون نجاحاً كبيراً.

ما الوضع في الحديدة اليوم؟
في الأشهر الثلاثة الماضية، ضيَّقت ألوية العمالقة والقوات اليمنية المشتركة الخناق على الحديدة، وهذا لا يترك أي طريق مفتوحٍ سوى الطريق الممتد على طول الساحل من شمال الحديدة، ويُطيل مسافة رحلة الإمدادات الحيوية التي يحتاج إليها ملايين من الناس. وهذا يزيد تكلفة السلع على الأشخاص الذين يعانون الفقر بالفعل، لأنَّهم لم يتلقوا رواتبهم في القطاع العام منذ شهور. وعلاوة على ذلك، تقع منشأة الطحن الوحيدة، الموجودة شرق الحديدة، تحت سيطرة القوات المدعومة إماراتياً، وقد حذَّر مارك لوتوك، رئيس الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، من حدوث «مجاعة كبيرة» ستضرّ 14 مليون شخص (نصف سكان البلاد) إذا لم يتوقف القتال فوراً. وإذا اندلع قتالٌ داخل الميناء (فضلاًَ عن المدينة)، فمن المتوقع أن يشارك فيه الحوثيون بضراوة. وسيسفر القتال وانعدام الأمن في الميناء حتماً عن مُفاقمة تعطّلِ آخِر خط استيراد متبقٍّ في الحديدة. ويمكن أن يدفع ذلك السكان اليائسين الجائعين في المرتفعات إلى مجاعةٍ صريحة.

لماذا تراجعت الحملة على المدينة؟
تسعى الحملة المستمرة منذ نحو عامين إلى قطع وصول الحوثيين إلى البحر وإيرادات الجمارك من الميناء. إذ يعتقد التحالف أنَّ خسارة الأراضي والإيرادات ذات القيمة العالية ستجبر المتمردين على تقديم تنازلات كبيرة.
وربما يأمل التحالف أيضاً تحويل العبء الأخلاقي المتعلق بالكارثة الإنسانية إلى كاهل الحوثيين؛ إذ يقول إنَّه في حال سيطرته على الميناء، فإنَّ أي عائقٍ أمام وصول المساعدات الإنسانية سيكون نتيجةً لتصرفات الحوثيين.

وتقول الإمارات إنَّ حملتها تهدف إلى إجبار الحوثيين على تبني موقف أكثر واقعيةً على طاولة المفاوضات. لكن هناك مؤشراتٍ على أنها تعتزم استعادة ميناء الحديدة بغض النظر عن نتيجة المحادثات، وربما استعادة المدينة أيضاً، إذ تعتبر مثل هذه الاستعادة خطوةً أساسية لا غنى عنها في تغيير نظرة الحوثيين وتوازن القوى العام. ويُعلن بعض صانعي السياسة في الإمارات العربية المتحدة صراحةً، أنهم يتوقَّعون فشل المحادثات، التي يزعمون أنها «الفرصة الأخيرة» للحوثيين قبل أن يدفعوا بقواتهم نحو ميناء الحديدة.

للحوثيين طرق أخرى
بيد أنَّ تاريخ الحوثيين المسلَّح، المستمر منذ 14 عاماً، يشير إلى أنَّ منطق التحالف خاطئ، لأنَّهم إن فقدوا الحديدة، فمن غير المرجح أن يستسلموا، ولن يُجرَّدوا بالكامل من مصادر الدخل؛ إذ يمكنهم فرض ضرائب على الشاحنات المارة من الحديدة إلى الشمال الغربي من اليمن. وأخيراً، سيلقون باللوم على التحالف في الكارثة الإنسانية التي قد تنجم عن ذلك؛ نظراً إلى أنَّ قرار التحالف الاستيلاء على الميناء (على الرغم من موافقة الحوثيين من حيث المبدأ على تسليم الميناء إلى الأمم المتحدة) سيكون هو المتسبِّب في تلك المجاعة. وهم واثقون بأنَّ قطاعاً كبيراً من الرأي العام الدولي سيتفق مع ذلك.

نقاط شائكة
وصل الحوثيون وحكومة «هادي» إلى السويد؛ بحثاً عن إحراز تقدّم في أجنداتهم الخاصة. ومن المحتمل أن يكون من الصعب إقناعهم بالاتفاق حتى على أبسط القضايا الأساسية. صحيحٌ أنَّ الاتفاق الأخير بشأن تبادل الأسرى خطوةٌ جيدة إلى الأمام، لكنَّه شهد مفاوضات بوساطة الأمم المتحدة ومحادثات عبر قنواتٍ خلفية، على مرِّ عدة أشهر قبل هذه المحادثات. ومن المرجح أن تكون إعادة فتح مطار صنعاء أو التوصُّل إلى تسويةٍ في الحديدة أمراً أصعب، إذ لن يميل أيٌّ من الطرفين إلى التنازل عن أي شيء للطرف الآخر. إذ ترى حكومة هادي أنَّها يجب ألا تُقدِّم أي تنازل على الإطلاق. وتعتقد أنَّها يجب أن تستعيد السلطة بموجب أحكام قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي يدعو الحوثيين إلى إلقاء أسلحتهم، وعودة «هادي» إلى العاصمة والإشراف على الانتهاء من العملية الانتقالية، التي استمرت من عام 2012 حتى سيطر الحوثيون على صنعاء في سبتمبر من عام 2014. ولا شكَّ في أنَّ الاستمرار في وضع إطار النقاش السائد وفقاً لهذا القرار يسمح للحكومة بالتعامل مع المفاوضات كما لو كانت تقرر شروط استسلام الحوثيين. وبينما قالت حكومة هادي إنَّها ستسمح للحوثيين بالمشاركة في الحكومات المستقبلية بطريقةٍ ما، فإنَّها تريد اتفاقاً مستقبلياً لتأكيد شرعيتها ومعاقبة الحوثيين على «الانقلاب». وفي الوقت نفسه، يصف الحوثيون انقلابهم بأنَّه ثورة شعب، ويقولون إنَّ الحرب التي يخوضونها ليست ضد حكومة هادي، بل ضد السعوديين والإماراتيين (بالإضافة إلى تنظيمي القاعدة وداعش). ولذلك، يقولون إنَّ الحرب بدأت في مارس من عام 2015، حين دخل التحالف بقيادة السعودية المعركة، وليس في سبتمبر من العام السابق، عندما استولوا على العاصمة بالقوة. ومن ثَمَّ، يضعون المفاوضات في إطار اعتبارها فرصةً لوقف الحرب، ويؤكدون أنَّ المحادثات ينبغي إجراؤها بينهم وبين الحكومة السعودية.

هادي مريض
مع أنَّ حكومة هادي تُقدَّم على أنَّها طرفٌ رئيسي في النزاع، فإنَّ موقعها ضعيف نسبياً. إذ يُشرِف هادي عموماً على منظومةٍ كبيرة من المجموعات، توصف في العموم بأنها الجيش الوطني والمقاومة الوطنية. ولكن في الواقع، تعاني الجماعات التي تقاتل الحوثيين على الأرض انقساماً شديداً، بل تتخاصم فيما بينها في أغلب الأحيان. ولا يقضي هادي الكثير من الوقت في مدينة عدن -التي أطلق عليها اسم العاصمة المؤقتة في عام 2015 - لأنَّ العديد من مناطقها خاضعةٌ لسيطرة مقاتلين مدعومين إماراتياً، أصبحوا خصوماً للقوات الموالية لهادي. وجديرٌ بالذكر أنَّ هادي موجودٌ حالياً في الولايات المتحدة لتلقي العلاج من مشكلةٍ بالقلب، ما أثار تكهّنات حول ما قد يحدث -أو ما ينبغي أن يحدث- إذا أصبح عاجزاً أو مات. فمن جهةٍ، ليس من الممكن إجراء انتخابات، ومن جهةٍ أخرى، قد تؤدي عملية تعيين رئيس جديد إلى إجراء تعديلات وزارية وتغييرٍ في الاستراتيجية التفاوضية، بل يمكن أن تسفر أيضاً عن صراع جديد بين الجماعات المناهضة للحوثيين. فعلى سبيل المثال، من المستبعد أن يقبل الجنوبيون سلطة نائب الرئيس الحالي، علي محسن الأحمر، الذي من المفترض -بموجب القواعد الدستورية- أن يحل محل هادي شهرين في حالة وفاته، وذلك بسبب دوره في حرب اليمن الأهلية عام 1994، والتي اندلعت بسبب محاولة الجنوب الانفصال.

الحوثيون مستنزَفون اقتصادياً
أمَّا على الجانب الآخر، فالحوثيون أنفسهم ليسوا في موقفٍ قوي جداً. صحيحٌ أنَّهم عزَّزوا سيطرتهم بسرعة على محافظات شمال غربي اليمن بعد مقتل الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، في ديسمبر 2017. لكنَّهم يتعرَّضون لضغوط اقتصادية ويفقدون الأراضي تدريجياً. ومع ذلك، أظهروا مراراً قدرتهم على تحمّل شدَّة رحى الحرب التي تحولت إلى حرب استنزاف. ويعرفون أنَّ أي مكاسب عسكرية مستقبلية من جانب الجماعات المدعومة من التحالف، من المرجح أن تُسفِر عن تكلفةٍ بشرية عالية يمكنها أن تضر التحالف وحكومة هادي. لذا يعتزمون مواصلة الضغط على التحالف، بالهجوم على مراكز حضرية في السعودية والإمارات بطائرات من دون طيار وصواريخ باليستية. لذا فعندما يدخل الطرفان في محادثات، تبدو تلك المقولة القديمة صحيحة وفي مكانها: تمنَّ الأفضل، وخطِّط للأسوأ.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى