مشاورات السويد.. لا أمل في اختراق جدار الأزمة اليمنية

> محمود الطاهر

>
بعد أن وعد مارتن جريفيثس المجتمع الدولي في أثناء مشاركته في جلسة لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 16 من نوفمبر الماضي بأن يجعل الأطراف اليمنية المختلفة سياسيًا وعسكريًا ومذهبيًا تجلس على طاولة المشاورات في السويد بأي وسيلة، وهدد بقرار أممي جديد من شأنه أن يكبل الحكومة اليمنية من استمرار معركة التحرير، ويعطي إيران فرصة أكبر للتغلغل في الجزيرة العربية، ها هو يحقق أول هدف له بإعلانه بدء جولة المشاورات يوم الخميس الماضي، لكنه لم يحقق أي اختراق في جدار الأزمة السياسية حتى اليوم.

ورغم دعوات مجلس الأمن الدولي في تلك الجلسة للأطراف اليمنية بالجلوس على طاولة الحوار دون شروط مسبقة، فإن الحوثيين تجاهلوا تلك الدعوات، وفرضوا شروطًا بهدف إفشال تلك المشاورات مرة أخرى، وأبرز تلك الشروط «إخراج جرحاهم ومرافقيهم وأطباء إلى عمان، وأن تقل وفدهم طائرة كويتية أو عمانية»، وهو ما تم تحقيقه لهم نتيجة ضغط مارتن جريفيثس على التحالف العربي والحكومة اليمنية.

واقعيًا وصول الحوثيين والحكومة اليمنية إلى السويد له عدة دلالات سياسية وعسكرية، «أهمها أن تلك المشاورات لم تكن تتم لولا الضغط العسكري المتواصل من قوات المقاومة الوطنية المشتركة في الحديدة التي اقتربت بشكل كبير من ميناء الحديدة» (نحو 5 كيلومترات)، إضافة إلى اقتراب الجيش الوطني من معقل عبد الملك الحوثي في صعدة، وهذا يحسب نجاحًا لنظرية التحالف العربي والحكومة اليمنية، الذين يقولون إن العمليات العسكرية ستجبر الحوثيين على القبول بالجلوس إلى طاولة المشاورات للتشاور بشأن المرجعيات الثلاثة، وهي (قرار مجلس الأمن الدولي، والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني).

لكن في نفس الوقت ذهب الحوثيون إلى ستوكهولم بعد أن خضع المجتمع الدولي والتحالف العربي والحكومة اليمنية لشروطهم المسبقة التي وضعوها كشروط لا بد من تحقيقها، ومن دونها لن يكون هناك أي مشاورات سياسية أو محادثات، وحققوا نجاحًا سياسيًا ومعركة إعادة بناء الثقة بينهم وبين مقاتليهم في الجبهات والقبائل الموالية لهم، التي تمنحهم الشعور بأن المليشيات الحوثية ما زالت على أشدها وقادرة على أن تقود دفة المحاورات، وهو ما يثبتهم في الجبهات أكثر.

على عكس ذلك ترى الحكومة اليمنية أنها قدمت تلك التنازلات من أجل أن تبدي كثيرًا من المرونة في سبيل إنجاح المشاورات التي ستكون مقدمة لإنهاء الأزمة الإنسانية والسياسية في اليمن، وهي كذلك بداية الطريق لأن ينفذ الحوثيون القرار الدولي 2216، لكيلا يكون لديهم أي ذرائع أخرى لعدم الحضور إلى مشاورات السويد بحسب حديث معمر الإرياني وزير الإعلام بصفحته في تويتر.

وتقول الحكومة اليمنية: «إن فشل هذه المحادثات في حال إصرار الحوثيين على عدم تنفيذ القرار الأممي 2216 بتسليم السلاح للدولة، وانسحاب مليشياتهم من المدن اليمنية، فإن خيار الحسم العسكري سيكون الطريق الوحيد لإنهاء معاناة الشعب اليمني»، لكن الحكومة اليمنية ليس لديها الجرأة بأن تحسم الأمر عسكريًا «نتيجة عدم قدرتها على اتخاذ مثل هذا الموقف، واعتبار أن ما يحدث في اليمن شأن داخلي لا علاقة للأمم المتحدة به»، واستمرار مثل هذا الصراع يزيد من تفاقم الأزمة السياسية اليمنية ويطيل أمد الحرب.

الإطار العام للمفاوضات
يقول مارتن جريفيثس: «إنه حتى الآن لم ترتق الأطراف اليمنية إلى مرتبة المحادثات، وما يحدث في السويد هو إطار عام ومشاورات من أجل الوصول إلى محادثات سلام يمنية»، متوقعًا أن تكون هناك جولة أخرى مطلع العام القادم 2019م، وما يحدث حاليًّا هو «بناء الثقة من أجل وضع خطوط عريضة لمفاوضات قادمة».

لكن الحكومة اليمنية وضعت مبادرة من أربع نقاط «تطالب بخروج الميليشيات الانقلابية من الساحل الغربي بالكامل، وتسليم المنطقة للحكومة الشرعية، على أن تشرف على أمن المدينة الشرطة تحت إدارة وزارة الداخلية، ويكون الميناء تحت إشراف وزارة النقل، وتحويل موارد الميناء إلى البنك المركزي بعدن»، ولديها استعداد لفتح مطار صنعاء بشرط «أن يكون مطارًا داخليًا لا يستقبل الرحلات الخارجية».

وهو ما يعني أن الحكومة اليمنية لديها عزيمة على استعادة الأراضي اليمنية ولها الحق الكامل في إدارتها، وتأمل في أن ينتهي ذلك الصراع وفقًا لتلك المحددات.

لكن المليشيات الحوثية، ذهبت إلى هناك وفق آلية محددة، وهي فتح مطار صنعاء الدولي، ووقف هجمات التحالف العربي، وانسحاب المقاومة الوطنية المشتركة من الحديدة بشكل كامل، على أن تتسلم إشراف مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة بريطانيا تحت مظلة الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن الحوثيين يريدون أن يعرقلوا المشاورات، بل ويثقلوا كاهل اليمن بـ»احتلال بريطاني» جديد، ويضاعفوا معاناة اليمنيين لتتفرق السيادة اليمنية على دول إقليمية.

كان الحديث عن فتح مطار صنعاء بداية المشاورات التي بدأ الحوثيون بالحديث عنها، متجاوزين بذلك بنود بناء الثقة التي تحدث معهم المبعوث الأممي لتكون بذلك بداية للمشاورات الأخرى، لكنهم رفضوا الدخول إلى أي نقاط أخرى بعد الحديث عن فتح مطار صنعاء الدولي، وهو ما نقله المبعوث الأممي مارتن جريفيثس إلى الحكومة اليمنية.

ويبدو أن الحديث عن فتح مطار صنعاء أول مدار جدّي للخلافات بين الطرفين، حيث كشفت حكومة الرئيس عبد ربّه منصور هادي عن تصورها لفتح المطار، وهو تصور يقوم على تحويله إلى مطار داخلي حتى يتسنى تفتيش جميع الرحلات القادمة إليه والمنطلقة منه، وهو ما رفضه الحوثيون الراغبون في جعل السفر عبر المطار نحو الخارج مباشرة ودون أي رقابة، عدا رقابة سلطاتهم الموازية على محتوى الرحلات.

وعندما نقل مارتن جريفيثس تصور الحكومة اليمنية لفتح مطار صنعاء، وتحدث معهم في نقاط التفاوض عما يجب فعله، صعد الحوثيون من لهجتهم تجاه المبعوث الأممي البريطاني جريفيثس، في محاولة منهم لتعقيد الأزمة ووضع عراقيل أمام المبعوث ليعلن تأجيل المباحثات إلى حين الاتفاق على أطر واضحة.

الحوثيون في مفاوضات السويد تحدثوا عن تشكيل دولة أولاً ثم يسحب السلاح من جميع الأطراف عندما نقل لهم جريفيثس عن تسليم السلاح وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2216، وعندما نقل لهم موضوع تسليم ميناء الحديدة قالوا إنهم مصرون على مقترحهم وهو تحييد الميناء عن الصراع وتتسلمه الأمم المتحدة.

وعندما نقل لهم المبعوث أنه لا بد من تسليم الدولة للحكومة الشرعية كان ردهم عليه لا بد من تشكيل مجلس رئاسي لتسليم الدولة لهم ولا يعترفون بالرئيس هادي أو حكومته.

في خطة جديدة تبدو خبيثة من مليشيات الحوثيين، قال عبد الملك العجري أحد أعضاء الوفد المفاوض للمليشيات الحوثية الموجود في السويد، إنهم لا يرفضون المرجعيات الثلاثة للحل السياسي في اليمن ولكن بنفس الوقت لا يوافقون عليها، مشيرًا إلى الحاجة لمسار انتقالي جديد لحل الأزمة في اليمن، معتبرين أن استمرار الحديث عن المرجعيات الثلاثة هو استرضاء للحكومة اليمنية.

وقال العجري للصحفيين: «ليس لدينا رفض للمرجعيات ولا موافقة عليها، لأن هناك الكثير من القضايا، على سبيل المثال، المبادرة الخليجية استنفدت كثيرًا من أغراضها لأنها كانت اتفاقًا يمثل فقط طرفين من السلطة وكانت فيها حكومة توافقية مشكلة من المشترك والمؤتمر آنذاك، وهذا لم يعد قائمًا الآن».

وبرر بأن الوضع تغير وقال: «نحن نشهد ما يسمى بفشل الدولة في اليمن، هناك انهيار للدولة في اليمن، هناك جيش منقسم، هناك مؤسسات منقسمة، ولذلك نحن بحاجة لمسار انتقالي جديد كالذي حصل في 2011، هذا المسار الانتقالي الجديد يبنى على مؤسسات انتقالية جديدة على المستوى التنفيذي وعلى المستوى التشريعي وعلى مستوى الجيش والأمن».

لكن محمد عبد السلام رئيس الوفد المفاوض للحوثيين، قال لرويترز إن جماعته تدعو في المفاوضات إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة تستوعب المكونات والأحزاب السياسية كافة.

من حديث العجري وعبد السلام يتضح أن المليشيات الحوثية ذهبت فقط إلى السويد من أجل فرض أجندتها والضغط من أجل أن تتنازل الحكومة اليمنية أكثر للمليشيات الحوثية وصولًا إلى تهميش دور الرئيس اليمني في المرحلة القادمة، وهي تسعى بأن تنجح في هذا التصور.
نجاح تصورها هذا سيجعل اليمن كلبنان، والحوثيين كحزب الله، ستكون هناك حكومة صورية في اليمن ومن يتحكم بالقرار السياسي ومصير البلد هي المليشيات الحوثية والأخطر من ذلك أن المليشيات الحوثية لن تهدأ ولن تستقر في اليمن بعد هذا الاتفاق إن تم أصلاً، وإنما ستتوقف في مكة المكرمة على اعتبار أن مكة لآل البيت!

توقعات مستقبلية
حديث الحوثيين الذين استبقوا المشاورات وبدأوا بالحديث عن انتهاء المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ولم يعد للأحزاب اليمنية التي اتفقت عليها وجود، يكشف مدى غرور الحوثيين وما يشكلوه من خطورة على الديمقراطية في اليمن، إذا إنهم يتحدثون حاليًّا عن انتهاء الأحزاب ودورها، وكأنهم يريدون إيصال رسالة أن الأمر الواقع الآن هو لهم، وأن الأحزاب السياسية في اليمن تلاشت وهو ما يضع التعددية السياسية وحرية الرأي المعتقد في مهب الريح إن نجح الحوثيين ولو حتى بالمساهمة في المشاركة 50% بأي حكومة يمنية قادمة طالما هم على الوضع العسكري الحاليّ.

منطق الحوثي مخيف، فهو يبحث عن تهميش الجميع، ويتحدث الآن بأهمية تشكيل حكومة انتقالية، إضافة إلى إلغاء دور الأحزاب اليمنية، ويعني تشكيل حكومة انتقالية مثلما دعا إليها محمد عبد السلام المتحدث باسم الحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي، تهميش الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته، وإنجاح مشروعهم وهزيمة التحالف العربي في اليمن.

كما تحدثنا في مواضيع سابقة، بأنه لا أمل في أي مشاورات أو محادثات يكون الحوثيون طرفًا فيها، لأنهم لا يمكن أن يقبلوا بالمرجعيات الثلاثة لإنهاء الأزمة اليمنية، وذهابهم للسويد كان دون أطر واضحة وحاسمة بهدف المراوغة لتخفيف الضغط العسكري عليهم والبحث عن انتصار سياسي.
سيفشل الجميع في هذه المشاورات، وكل ما يمكن أن نتحدث عنه، يمكن أن يحدث اختراقًا في ملف الأسرى بتوقيع الاتفاق عليه، لكن لا نتوقع أن يلتزم الحوثيون بالإفراج عن المعتقلين بشكل كامل، سوى من قضت مدة احتجازهم الفترة القانونية وزادت عليها.

رغم التسهيلات والتنازلات الكبيرة التي قدمتها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، فإن الحوثيين سيستمرون بالتملص والهروب من أي اتفاق، وذهاب وفدهم إلى السويد هو من أجل المراوغة وإسقاط واجب لا أكثر، ونتوقع أن تفشل هذه المشاورات وسوف تشتعل الجبهات مجددًا.
عن (نون بوست)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى