جديّة واشنطن تتطلب استغلال الأمن القومي لإنهاء حرب اليمن

> «الأيام» غرفة الأخبار

>  تقول مجلة «ناشيونال إنترست» «إن الإجراء التشريعي الذي اتخذه مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن إنهاء المشاركة العسكرية الأمريكية في حرب اليمن يُمثِّل تحدِّيًا مؤسسيًا هامًا من الكونجرس لضبط أسوأ النزعات في سياسة دونالد ترامب الخارجية».
واعتبرت المجلة في تقرير نشرته، أمس الأول، أنَّ هذا التشريع «مجرَّد بدايةٍ لجدالٍ سيمتد طويلًا».

وبحسب «ناشيونال إنترست»، حصد إجراء الكونجرس هذا الذي اتفق عليه الحزبان (الديمقراطي والجمهوري) دعمًا متزايدًا في أعقاب قتل عملاء الحكومة السعودية للصحافي جمال خاشقجي بطريقةٍ وحشية، وأثارت جهود ترامب للتستر على جريمة القتل حفيظة الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، وزادت من المخاوف بشأن تصرُفات السعودية المُتقلِّبة.

لكنَّ «ناشيونال إنترست» ترى أنَّ الإجراءات التشريعية لا تكفي وحدها لإنهاء الحروب. وتوضح أنَّه إذا كانت الولايات المتحدة جادةً بشأن إنهاء حرب اليمن فإن عليها استغلال كافة أدوات الأمن القومي الأمريكي لتتحوَّل الشعارات إلى واقع ملموس، وهو درس تعتقد المجلة أنَّه كان على الولايات المتحدة أن تتعلَّمه من حرب العراق.

وتشير المجلة إلى أنَّها قبل أكثر من عقدٍ من الزمن نشرت تقارير ومقالات استخدمها الديمقراطيون داخل الكونجرس كنموذجٍ لإنهاء المشاركة العسكرية الأمريكية في حرب العراق، وطبقت إدارة أوباما أجزاءَ منها. ودعت المجلة، تحت شعار «إعادة نشر القوات على المستوى الإستراتيجي»، إلى تحديد موعدٍ لسحب الجنود الأمريكيين المقاتلين بالتزامن مع اتّخاذ تدابيرَ للحيلولة دون تفاقم التهديدات الإرهابية المُنبثقة من العراق، فضلًا عن تدابير دبلوماسية واقتصادية إقليمية فعَّالة بغرض توفير دعمٍ دائمٍ للعراق.

وترى «ناشيونال إنترست» أنَّه من المؤسف أنَّ مُعظم الناس يركزون فقط على الموعد المُحدَّد لإنهاء العمليات القتالية الأمريكية. إذ إنَّ أجزاء الخطة الأخرى التي تعرَّضت للتجاهل أو التقليل في السياسة الأمريكية كانت ضروريةً لتعزيز المصالح والقيم الأمريكية داخل العراق، ومن بينها تدابير مكافحة الإرهاب والدبلوماسية الإقليمية المُكثَّفة، ودعم المُصالحة السياسية وإعادة بناء الاقتصاد على المدى البعيد. ولا تُحوز تلك الأدوات غير العسكرية على الكثير من التركيز في الجدل الدائر اليوم حول اليمن.

ما طُرح في الكونجرس مجرَّد بداية لجدال سيمتد طويلا

ويضيف التقرير أنَّ تخفيض أعداد القوات الأمريكية في العراق يُقدِّم درسًا مُستفادًا. إذ أتمَّت حكومة أوباما انسحاب القوات الأمريكية الكامل بحلول ديسمبر من عام 2011، وشرعت أيضًا في خفض التركيز الأمريكي على العراق وتقليل الاستثمارات الأمريكية فيها. وبعد مرور سنواتٍ قليلة، انهار أمن العراق تحت وطأة نهوض «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)».

ولهذا تعتقد المجلة أنَّ تجربة العراق بها خمسة دروسٍ مهمةٍ مستفادةٍ عن كيفية إنهاء الحرب في اليمن، سردتها في النقاط التالية:
1 - هناك فارقٌ بين إنهاء المُشاركة الأمريكية والتواطؤ الأخلاقي في الحرب، وبين إنهاء الحرب فعليًا.
ترى المجلة أنَّ المجموعات الحقوقية تتجاهل أحيانًا الحقائق المُعقَّدة التي تُؤدِّي إلى الصراعات، وفي حالة اليمن، هناك العديد من الصراعات بجانب القصف السعودي والتدخُل الإيراني. ويستبعد التقرير أنَّ تنتهي تلك الصراعات والمعاناة الناجمة عنها بكل بساطةٍ نتيجة إقرار الكونجرس لتشريعٍ يُنهي مشاركة الجيش الأمريكي في الحرب.

2 - سيظل الإرهاب تهديدًا دائمًا يتطلَّب اليقظة.
تعتقد «ناشيونال إنترست» أنَّ إدارة أوباما تباطأت في الاستجابة للتهديدات الإرهابية المُتغيِّرة التي تمثَّلت في تنظيم (داعش) إثر الانسحاب من العراق. وكان لذلك أكبر الأثر على شعوب منطقة الشرق الأوسط؛ لذا استحوذ هذا الملف تقريبًا على أجندة السياسة الخارجية لحكومة باراك أوباما في فترة ولايته الثانية. ولحسن الحظ تمكَّنت حكومة أوباما في النهاية من الاستجابة بفاعلية، وسارت حكومة ترامب على نفس الخطى لهزيمة (داعش) عسكريًا. وفي اليمن اليوم يُمكن للجماعات ذات السطوة الإقليمية والدولية - مثل تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب - أن تضر المصالح الأمريكية، ولهذا ترى المجلة أنَّه يتعيَّن على الولايات المتحدة أن تظل مُنخرطةً في الأحداث حمايةً لمصالحها من تلك التهديدات.

3 - ما يزال الدعم الأمريكي للمحادثات السياسية بين الفصائل المتنافسة ضروريًا، حتى مع انتهاء الدعم والعمليات القتالية.
يُشير التقرير إلى معاناة الولايات المتحدة داخل العراق، في ظل حكومتي جورج بوش الابن وباراك أوباما، من أجل التوسُط بين الفصائل المُتنافسة. استغلت حكومة أوباما نفوذها بفاعلية للخروج بنتيجةٍ سياسيةٍ داخل الحكومة العراقية عام 2014؛ مما ساعد على بناء هيكلٍ سياسيٍ ناجحٍ وأكثر استقرارًا.

وفي اليمن يلقى مارتن جريفيثس، مبعوث الأمم المتحدة في اليمن، استحسانًا كبيرًا لدفعه أطراف النزاع إلى المشاركة في في جولة محادثاتٍ أُقيمت مؤخرًا بالسويد. ويُمكن أن تستغرق تلك المحادثات وقتًا طويلًا، لكنها تتطلَّب دعمًا أمريكيًا واضحًا؛ إذ يجب أن يسعى التعاون الأمني والدبلوماسي الأمريكي مع القوى الإقليمية مثل السعودية إلى خلق عواملَ تُحفِّز على حل الصراع وتوفير ضماناتٍ بشأن التعامل مع التهديدات الأمنية الحقيقية.

4 - يجب أن تعمل التدابير الأمنية والدبلوماسية الإقليمية الأمريكية على تقليل التوترات الإستراتيجية في جميع أرجاء المنطقة.
تتميَّز حرب اليمن مثل حرب العراق بمُشاركة العديد من الدُول المُجاورة في الصراع، فضلًا عن تأثيرها المُدمِّر من وجهة نظر «ناشيونال إنترست». ولذلك ترى المجلة أنَّه ينبغي للولايات المتحدة استخدام دبلوماسيتها وبصمتها العسكرية ودعمها الأمني في تقليل التوتُرات الإقليمية بين السعودية والإمارات وإيران. ولسوء الحظ تسبَّبت حملة التحدِّي و «الضغط المُكثَّف» التي شنتها حكومة ترامب ضد إيران في زعزعة استقرار المنطقة، وتحفيز القوى الإقليمية على تصعيد تحركاتها المُدمِّرة بشكلٍ كبير.

5 - من الضروري استغلال أدوات التنمية والاقتصاد الفعَّالة في التصدي للكارثة الإنسانية الحالية والتحديات الاقتصادية التي تُواجه اليمن على المدى البعيد.
لا تحظى فكرة الاستثمار في بناء اليمن بشعبيةٍ كبيرةٍ داخل الولايات المتحدة، بحسب تقرير «ناشيونال إنترست». فضلًا عن أنَّ البلاد التي من المُرجَّح أن تستثمر في مستقبل اليمن هي أطرافٌ مُنافِسةٌ في الصراع الجاري أيضًا. وحتى من يُصرون على وضع حدٍ لمشاركة جيران اليمن في الحرب، عليهم أن يتفهموا أنَّ تلك البلاد لديها الموارد المالية اللازمة ومصالح مباشرة تتعلق بأمنها القومي تجعلها راغبةً في إرساء دعائم الاستقرار الاقتصادي في اليمن. ويُمكن للولايات المتحدة أن تُؤدِّي دورًا محوريًا في حشد الدعم العالمي اللازم لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة وخلق هيكلٍ للاستقرار في اليمن.

 تُمثِّل التدابير المطروحة في الكونجرس الأمريكي تعبيرًا هامًا عن نظرة أعدادٍ متزايدةٍ من قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى الصراع الدائر في اليمن، ويجب أن تُمثِّل هذه التدابير بدايةً لمحادثةٍ أطول أمدًا بين الكونجرس والإدارة الأمريكية. ويُمكن أن تُؤدِّي تدابير مثل تلك التي طرحها عضوا مجلس الشيوخ روبرت مينينديز (الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي)، وتود يانج (الجمهوري عن ولاية إنديانا) في مشروع قانون مساءلة المملكة العربية السعودية بشأن اليمن إلى تعليق مبيعات الأسلحة للسعودية، وتوقيع عقوباتٍ على المُتسبِّبين في إعاقة وصول المساعدات الإنسانية، وتحميل القوى الإقليمية المسؤولية عن جرائم الحرب.

وكما تعلَّم الكونجرس على مدار العقد الماضي من محاولته وضع معاييرَ تشريعيةٍ للتحوُل السياسي في العراق، من المُرجَّح أنَّه يعلم أيضًا محدودية تأثير تلك المعايير على أرض الواقع من حيث ما يُمكنها إنجازه بمفردها لتحقيق الاستقرار في مناطقَ مثل اليمن. ويرى التقرير أنَّ إنهاء الحرب في اليمن بجديةٍ يتطلَّب مجموعةً من الاستثمارات الدبلوماسية والأدوات الاقتصادية الفعَّالة، وإستراتيجيةً بعيدة الأمد في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، وهذه الأخيرة كانت مُفتقدةً قبل وصول دونالد ترامب إلى سُدَّة الحكم بفترةٍ طويلة.​

إنفجرافيك
إنفجرافيك

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى