واعتلت روح صقر الجنوب (طماح) إلى بارئها

> قاسم داود العمودي

> في موكب مهيب له رمزيته ودلالاته، حركتّه مشاعر عامة امتزج فيها الاحساس بالحزن والأسى ووقع صدمة الرحيل المفاجئ مع إرادة التحدي والإصرار على مواصلة المشوار، شيعت جماهير الجنوب وقواه الثورية ومؤسساته المدنية والعسكرية جثمان الشهيد المناضل اللواء محمد صالح طماح إلى مثواه الأخير لتحتضنه أرض عدن المعطاة الأبية وترابها الطاهر.
اعتلت روح الفارس المغوار في رحلة العودة الأبدية إلى جوار خالقها الذي أكرمها بالشهادة ومراسم تشييع وعزاء دلت على المكانة التي تبؤاها الشهيد في عقول الناس وأفئدتهم داخل الجنوب وخارجه، كما دلت المشاركة الشعبية والرسمية الواسعة في التشييع ومجالس العزاء التي أقيمت داخل الجنوب وفي بلدان الاغتراب على وفاء شعب الجنوب الأبي مع من مكان وفياً معه ومخلصاً لوطنه والذي أعطى بسخاء ونكران للذات ومنذ سنوات الصبا وحتى آخر يوم من حياته المجيدة.. فلله وحده الحمد والشكر، ونسأله تعالى أن يتغمد الشهيد وكل الشهداء بالرحمة والمغفرة ويجعل الجنة مأواهم الأبدي، وأن يجزيهم خير جزاء لقاء ما قدموه في حياتهم من أعمال جليلة ومثمرة والمآثر التي اجترحوها والانتصارات التي ساهموا بتحقيقها.. فطوبى لمن وحد الناس حياً وميتاً.
كم هو شاق وصعب على المرء رثاء أخ عزيز عليه ورفيق درب وزميل عمر لأكثر من خمسة عقود، وخاصة إذا كان المرثي شخصية وقامة بمكانة الشهيد طماح الذي ربطتني به صلات وروابط قرابة وأخوة واحترام متبادل وصلات كان أساسها الصفاء والوفاء، وكان الشهيد القدوة والمثال لمن عرفه وزامله وعاش معه.

حقاً إنه لمن الصعوبة بمكان الكتابة وبإنصاف عن مسيرة حياة القائد طماح، وكل ما تخللها من مواقف والتمكن من الغوص في أعماق شخصيته الفذة والمتميزة، والإحاطة بكل الصفات والقيم التي تمرس بها وامتلكها، والتي جمعت بين الصلابة والشجاعة والقدرة على اتخاذ القرار والفعل والتأثير والإقناع وبُعد النظر وقول الحق والتعبير عن القناعة والرأي.. عاش حياته محباً لكل الناس دون حواجز أو تقسيمات مربعات، لم تجد النزعات المقيتة من العداء والكراهية والتعصب طريقاً إلى تفكيره وسلوكه وتعامله مع الآخرين، لم يهب يوماً ولم يتردد في نقده للأخطاء وفي الدعوة للمراجعة والإصلاح، لم يتعصب قط لحدث ما وإن كان مشاركاً فيه، ولم يتعصب لرأي سبق أن تبناه أو ناصره، ولا لقناعة كان جزءا منها ولم يرَ في ذلك ضعفاً أو نقصا!!

  في المرة الأولى التي تبنى فيها الشهيد فكرة الهجوم على قوات الاحتلال التي كانت مرابطة في جبل العر وفي رده على سؤال لأحد زملائه بشأن ضمانات نجاح العملية والانتصار في تحرير معسكر العر قال الشهيد طماح (إن لم نستطع تحرير جبل العر فعملية الاشتباك مع العدو سوف تمكننا من تحرير الإرادة الجنوبية أولاً مما لحق بها نتيجة لهزيمة حرب 1994م، فتحرير الإرادة مقدم على تحرير الأرض، بل وتعد ضرورة وشرطاً لها)، وقال ايضاً (علينا إن كنا لا نستطيع اليوم هزيمة ودحر قوات الاحتلال أن لا نتركها تعيش بأمن وطمأنينة على أي شبر من أرض الجنوب، بل المطلوب أن تعيش في خوف ورعب، وتدرك أن الجنوب يرفض وجودها، وسيستمر في مقاومته لها بكل الوسائل المتاحة إلى أن ترحل وتقر بحقه في الحرية والاستقلال).

في ذكرى انطلاق عملية التصالح والتسامح اختلطت الدماء الجنوبية في أرض العند الأبية تلك الأرض التي ستظل عنيدة وعصية على أعداء الجنوب والطامعة بأرضه وخيراته.. إن الدماء الجنوبية، دماء القادة والأفراد ومن مختلف مدن ومناطق الجنوب التي روت أرض العند وعدن، لم تكن إلا دليل على تجذر نجاحات التسامح والتصالح، وتؤكد اليوم على عظمة المسؤولية التي تقع على عاتق مختلف القوى والقيادات والمرجعيات الروحية والاجتماعية والسياسية والنخب وقادة وأفراد المؤسسات الأمنية والعسكرية ومجتمع الجنوب بأسره.
الخلود للشهداء والشفاء للجرحى.


> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى