في محراب مقبل

> السفير د. محمد صالح الهلالي

>
​علي صالح عباد مقبل زعيم أكتوبري فذ، ورجل وإنسان مبدع في القيادة والسياسة والتضحية والإنسانية،   ومدرسة في الوطنية والفكر والصبر، وواحد من قادة ومفكري ومناضلي هذا الوطن العربي -المثخن بالجراح والمليء بالعثرات والنكبات- المشهود لهم بالثبات.. تمرس في معترك النضال وسار على خطى وطريق المناضلين الأنقياء والاتقياء والمتصوفين الثوريين العظام، نزيه ونظيف اليد والضمير مثل كل العملاقة والمفكرين والأحرار، وإن اختلفت الدرجات والمواقع والإمكان، كعبد الناصر وخالد محي الدين ورفعت السعيد والبردوني وقباني وهوشي منه وكاسترو وجيفارا وأحمد فؤاد نجم وجار الله عمر ونيلسون منديلا واليندي وجون قرنق وجياب وسالمين وهواري بومدين والابنودي، وغيرهم من العظام الأبرار مشاعل الفكر والتغيير مما كانوا خيرا للناس وأفنوا أعمارهم وحياتهم وجهدهم لخدمة أوطانهم وشعوبهم وتحررها، وللقيم والمبادئ السامية والخيرة التي آمنوا بها وسعوا لها في سبيل صنع غد مشرق آمن وحياة سعيدة وحرة وعادلة لشعوبهم وبلدانهم ولكل الناس، وعاشوا وظلوا عفيفي اللسان ونظيفي اليد والضمير، وبعضهم رحل وترجل واقفا شامخا وعزيزا ونظيفا ناصعا كالماس لم يخلف سوى مآثر وسيرة طيبة، وآخرون لازالوا يواجهون سيف ومخرز مصاصي الدماء قراصنة العصر بصدورهم وأيديهم..

وبن عباد مقبل منهم ومن أوائل من انخرطوا في النضال التحرري الوطني، واستلهم أفكار الحرية والكرامة منذ صباه مثله مثل كل القادة العالميين المذكورين، وعلى مستوى الإقليم كان في طليعة قوى التحرر مع رفاقه فيصل الشعبي وعبدالفتاح وقحطان الشعبي وسالمين وأحمد سالم عبيد وعنتر والجفري وشيخان ومكاوي وحتى زهرة صالح وعلي ناصر هادي وجعفر سعد والمحرمي وآخرين ممن ضحوا ووقفوا بشجاعة وصلابة في وجه قوى التخلف والإرهاب والظلام والظلم والإقطاع والاستعمار والتبعية وقوى الشر والتفرد والاستبداد والدكتاتورية بكل أنواعها المتوحشة والفاحشة أكان العسكري أو القبلي أو المشايخي أو الديني أو الكهنوتي أو السلالي الزيف والمقيت، المتاجرة بالدِّين والمورث الديني، والتي برزت نتانتها وإفرازاتها الكريهة ونتاج تسلطها اليوم سما وفشلا وخرابا وقتلا وفوضى لأوطاننا وشعوبنا.

وواجه مقبل مثل أقرانه الكثير من المتاعب والملاحقات والسجون وحتى محاولات التصفية والاغتيال مرات عديدة من عديمي الضمير والعقل والخلق، ممن تلوطت عقولهم بالرجس والدنس، وتلوثت أيديهم وبطونهم بدماء وحقوق المعدمين والفقراء، سماسرة الدين والأوطان، وقراصنة قرون الظلام، ومافيات وضباع الجيف ومقالب المخلفات، عصابات تحالف (العسقبلمشيالديني)، مختطفو السلطة في غفلة من التاريخ اختطفوا الوطن وثرواته خلسة من أيدي رجاله وأبنائه المخلصين بعد التآمر عليهم والتخلص منهم، وحولوا نهار الأوطان إلى ليل دامس، واستباحوا محرماته ولوثوا مآذنه ومعابده ومعالمه وحرفوا هويته وانتهكوا تشريعات ونواميس وأعراف الحياة وقوانينها وبثوا الانحراف في أرجائه حتى دمروا كل جميل موجود، وأفشلوا وميعوا الدولة وأشاعوا التفسخ والفوضى والفساد، وأصبح المواطن، ناهيك عن المفكر أو المناضل، لا كرامة ولا قيمة له، والذي لم يمت قتلا يموت جوعا أو قهرا أو معاناة ومرض أو في المنافي والبحار، والمفكر الوطني بن عباد مقبل وأمثاله أحدهم وواحد ممن اختاروا طريق المعاناة والعيش والموت وسط المحرومين والمظلومين ومعهم من أبناء أمته وشعبه، ورفض الابتعاد عنهم والاقتراب من الشبهات وكير الحاكم وزبانيته، لكي لا يتشوه تاريخه ويتلوث بياض وألق ثوبه حتى وهو في الرمق الأخير وأحرج اللحظات، يا له من رجل!

فذوو الجاه والسلطان بائعو ضمائرهم وأوطانهم مدنسون ورهائن للكرسي ولنزواتهم وأطماعهم ولقوى خارجية تسيرهم وتحركهم وفق مصالحها ورغباتها مقابل تدمير أوطانهم وبيعها لاستمرار تسلطهم فقط على رقاب العزل والمحرومين من السواد الأعظم من الناس، هؤلاء النخاسون جعلوا من الوطن سلعة ومسرحا لعبث وتجارب تلك القوى الباغية والمتصارعة، وهذه قمة الخيانة والتبعية لم تشهدها أي حقبة زمنية حتى أيّام دويلات السلاطين والمماليك كل تلك الانحدارات، ويلمسها الناس ويعانون منها اليوم بما يجري في المنطقة.

سلام عليك ولك الله يابن عباد مقبل، ودمت بخير والله معك وهو خير معين، وسيذكرك التاريخ بأحرف من نور، ويسطر المؤرخون اسمك مع العظماء بأنك علمت حواريك ومريديك والناس الصبر والجلد، وظليت منافحا قويا عن قيم الحق والخير والعدل والحرية وعن قناعتك بمبادئك السامية حتى آخر رمق، وضربت مثلا في الصبر والنضال السلمي المثابر مثل أبي ذر في زهده وتحمله، بينما منهم في نعيم الجاه والسلطان وضباع الأوجار استأثروا بكل المغانم الدنيوية والحكم، فكان مآلهم ومصيرهم، مثل كل المخلفات والموبقات، النسيان ومزبلة الشعوب والتاريخ.. والله المستعان!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى