بطليموس العرب.. مؤذن اكتشف أن الأرض ليست مركز الكون

> عندما تذكر نظرية لا مركزية الأرض في الكون، وأنها مجرد جسم كسائر أجرام أخرى تدور حول نجم معلق في الفراغ، فسرعان ما تتبادر إلى الأذهان صورة العالم الغربي نيكولاس كوبرنيكس (1473 – 1543م) الذي ينسب إليه القول بذلك الشيء، باعتباره صاغ نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرمًا يدور في فلكها وذلك في كتابه المسمى "ثورات الأجواء السماوية".
ربما قلة تعرف أن أول من توصل إلى لا مركزية الأرض ودورانها حول الشمس هو العالم العربي ابن الشاطر الذي عاش في الفترة من (704هـ /1304م إلى 777هـ/1375م)، وكان عالمًا برع في فنون الفلك والرياضيات، بهذا فإن ابن الشاطر هو أول من صحح فكرة بطليموس حول كون الأرض مركز الكون والذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد.

مؤذن الجامع الأموي
اسمه أبو الحسن علاء الدين بن علي المطعم الأنصاري، وينسب إلى دمشق التي ولد فيها وقضى فيها معظم حياته في عمله مسؤولًا عن التوقيت بالجامع الأموي ورئيس المؤذنين، لكن ذلك العمل قاده بفعل الانتباه والاستنتاج إلى توليد الفكر والابتكار، إذ طوّر ساعة شمسية للصلاة أسماها "الوسيط" تم وضعها في إحدى مآذن المسجد الأموي.
من تلك البدايات نشأت العلاقة بينه وبين الشمس والأجرام وحركة الزمن، فيما بعد طور كذلك صناعة الاسطرلاب تلك الآلة التي يستخدمها البحارة لتحديد مواضع الأجرام في القبة السماوية، وهذا التحديث جاء من فكرته عن الفلك الذي صار علمه المفضل تقريبًا. بالإضافة لذلك فقد مضى كذلك في تطوير الساعات الشمسية.

صناعة التحف الفنية من العاج
رغم أنه نشأ يتيم الأب إذ توفي والده وهو في سن السادسة، فقد كسب ثروة من خلال عمله في تطعيم العاج وصنع تحف فنية منه، وبهذا المكسب المادي استطاع أن يتنقل في البلدان ليزداد علمًا في الفلك والرياضيات بشكل خاص.
سافر ابن الشاطر إلى مدن الشام ومصر والحجاز واليمن وأخذ من العلم الديني كذلك علوم الطبيعة ليوازن في المعرفة بين الاثنين.

تأمل قبة السماء ودراسة الأفلاك
كان ابن الشاطر قد شغل عقله بحب الفلك وشغف به وهو يتنقل بين الأمصار الإسلامية، ناظرًا إلى قبة السماء فوقه التي لا تفارقه أبدا متأملًا فيها ليصنع منها معرفة باقية إلى اليوم، فقد طوّر ضمن مشروعه الابتكاري نظريات فلكية ومعلومات لا زالت ذات صدى وقوة في الفكر الإنساني.
يرى العالم والمؤرخ البلجيكي جورج سارتون (1884 – 1956م) أن "ابن الشاطر عالم فائق في ذكائه، فقد درس حركة الأجرام السماوية بكل دقة، وأثبت أن زاوية انحراف دائرة البروج تساوي 23 درجة و31 دقيقة سنة 136م، علما بأن القيمة المضبوطة التي توصل إليها علماء القرن العشرين بواسطة الآلات الحاسبة هي 23 درجة و31 دقيقة و19.8 ثانية"، وهو فارق بسيط جدا يشير إلى دقة علم الرجل رغم الفارق الزمني الكبير الذي يقدر بقرون ورغم تطور الأدوات والآلات التي أصبح العلماء يستخدمونها في علوم الفلك الحديثة في القياسات وغيرها.

نظريته المبكرة حول لا مركزية الأرض
كلل ابن الشاطر استكشافاته الرائعة بنظرية لامركزية الأرض التي كتب عنها مخالفا زمنه والاعتقاد السائد قائلا: "إنه إذا كانت الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب، فالشمس إحدى هذه الكواكب تسير، ولكن لماذا يتغير طلوعها وغروبها؟ وأشد من ذلك أن هناك كواكب تختفي وتظهر سموها الكواكب المتحيرة. لذا الأرض والكواكب المتحيرة تدور حول الشمس بانتظام، والقمر يدور حول الأرض".

ويشير بعض العلماء إلى أن علم الفلك الحديث ومن زمن كوبرنيكس قد استفاد من علوم ابن الشاطر وقياساته حول الأجرام السماوية بشكل لا يتطلب كثير إثبات أو جدل حوله.
وقد قام منهج ابن الشاطر على قيم عديدة أبرزها التجارب والمشاهدة والاستنتاج الصحيح، ولابد أن القياس العلمي كان مربط فكره الذي يرتبط بالفلك الذي هو علم قياسات في المقام الأول، وساعدته دقته وحرفته المهنية في الصناعات التي تمت الإشارة إليها في الساعات الشمسية أو الأسطرلاب الذي طور في عمله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى