عقدة قراءة وتفسير الأحداث التاريخية

> أحمد عمر حسين

>
لست مؤرخاً، ولكنني في فترة ما ولعدة سنوات شغفت بقراءة كتب التاريخ وخاصة اليمني، وتجولت بين صفحات كتب التاريخ القديم (ما قبل ميلاد المسيح، عليه السلام، وما قبل الإسلام، وهكذا للعصر الإسلامي حتى عصرنا الحاضر). ومن أهم المؤلفين الذين قرأت لهم د. جواد علي ود. محمد عبدالقادر بافقيه ود. عبدالله الشيبة، وكذلك للهمداني وابن الأثير وياقوت الحموي. وكذلك كنت أحرص على المجلات المحكمة الفصلية كالإكليل واليمن، ورأيت هناك اعترافات من المؤرخين عربا وأجانب بوجود صعوبة في التفسير لكل النقوش، وعدم فهمها وشرحها شرحا كاملا، والأسباب عديدة، ولكن وهذا رأي خاص استخلصته ولا أدعي أنه أصح الأقوال، وخاصة التفسير لمسألة تحرير اليمن من الغزو المسيحي الحبشي، بواسطة الاستعانة من قبل سيف بن ذي يزن بالفرس، ورأيي حول هذه الحادثة التاريخية وحوادث أخرى لا يتسع الحيز للحديث عنها الآن. ورأيي الشخصي الذي اقتنعت به حول ما يسمى العقدة اليزنية كما تطرق إليها الأخ بدر قاسم.

وجوهر رأيي أن هناك قراءة وتوثيقا خاطئا لهذه الحادثة، فالإمبراطورية الرومية والإمبراطورية الفارسية في ذلك العهد كانتا دولا عظمى بالمفهوم السياسي، وكان بينها صراع على النفوذ والمصالح. وإمبراطورية الروم اتخذت من حادثة إحراق المسيحيين من قبل الملك الحميري والذي اعتنق اليهودية وجعلها الدين الرسمي، اتخذت إمبراطورية الروم هذه الحادثة ذريعة وإمارة الحبشة وهي مسيحية وتابعة للروم أمرتها بغزو اليمن، واليمن حينذاك كانت من أهم المصادر للسلع وبالذات اللبان والطيوب، وبما أن اليمن كانت غير خاضعة لأي نفوذ قبل الحادثة فقد كانت سلعها تصل للإمبراطوريتين، لكن بعد الاستيلاء من قبل الأحباش والموالين لبيزنطة تحركت الإمبراطورية الفارسية للدفاع عن مصالحها والتي تضررت.

والحديث عن ذهاب القيل اليزني هو تخريجات من وجهة نظري غير صائبة. ولنا في ما حصل بالأمس القريب من تنافس على المصالح والنفوذ ويحصل اليوم لنا من ذلك عبرة فما يحدث اليوم لا يختلف عما حدث في الماضي السحيق، وأتمنى أن يتم الالتفات لتصويب ما كتب في الأثر من حكايات حول هذه الحادثة وغيرها. وضروري مثلما أتت أمريكا بغزوتها الظالمة للعراق، ونصبت أحمد الجلبي، فالدولة العظمى القديمة (فارس) حينما غزت اليمن لدحر نفوذ بيزنطة بدحرها للأحباش قد اضطرت لفترة قصيرة أن تنصب حاكما محليا، وحينما نسجت علاقات صهارة ونسب مع محيط صنعاء قتلت ابن ذي يزن، وظهرت بحلة جديدة بعد أن امتزجت مع قبائل همدان فظهر الأبناء (كناية عن الفرس المتوالدين من جيش الغزو الفارسي وبنات بعض فروع همدان اليمنية)..

وهذه هي الرؤية التي أراها والقراءة التي أراها أقرب للصواب وإلى طبيعة الإمبراطوريات التوسعية.. أما حكاية الاستنجاد بفارس فذلك غير واقعي، فقبائل اليمن كثيرة ولديها من الفرسان المحاربين الكثير، ويكفي أن تقسم القبائل فرسانها نصفين، نصف يهاجم الأحباش في صنعاء وقسم يرابط بالمخا والحديدة ليمنع أية نجدة رومانية أو حبشية أخرى.
نتمنى أن نتحرر من بعض القراءات والتفسيرات التي ورثناها في كتب أصحاب السير، ونقرأ ونفسر الأحداث بحقيقتها وحقيقة الفاعلين حينها ومن هم وما وضعهم كدول ذات تأثير كبير في المنطقة العربية وجوارها. تحياتي للأخ بدر ولإسقاطاته وتوظيفها الرائع.. ولكنني هنا أقرأ الحادثة قراءة مغايرة ورابطا بين العلة والسبب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى