هجرة الفنان العدني.. ياسر عوذلي أنموذجا

> مختار مقطري

> حتى الاستقلال الوطني 1967م، حقق الفنان العدني نجاحات فنية كبيرة، وصل بالأغنية العدنية، شعرا وكلمات وأداءً وعزفا، لمصاف الأغنية العربية في مصر ولبنان وسوريا والعراق، ولم يكن يشكو من تهميش أو هضم حقوقه المادية والأدبية، وكانت الفرق الموسيقية متوفرة وشركات الإسطوانات موجودة والإذاعة والتلفزيون فاتحين بابيهما دائما للتسجيل.
وكان معظم فناني عدن موظفون وذوو مهنة وحرفة، فلا تسمع أحدهم يتبرم من الفن، فالفن كان عندهم موهبة وهواية، وليس وسيلة لكسب لقمة العيش.

ومع الاستقلال الوطني، بدأت مضايقة المبدع العدني، من قبل أولئك الذين ظنوا أنهم أحق بالوظيفة، حتى التي تلك تحتاج لخبرة وعلم، وبدأت أول هجرة مشهورة بين فناني عدن، بسبب المضايقات، ومن أبرز الأسماء الكبيرة التي هاجرت في الستينيات، ومطلع السبعينيات، عبدالرحمن باجنيد، جميل مهدي، فرسان خليفة، سالم بامدهف، وغيرهم كثر، مما تسبب بضرب الأغنية العدنية في مقتل، وقل النشاط الفني، ثم بدأت حركة تأميم الفن مطلع السبعينيات، وبدأت مرحلة الأغنية الموجهة، وأغاني انتفاضة الصيادين والفلاحين والشريم والمنجل ولجان الدفاع الشعبي، وبدأنا نجتر أغانينا الوجدانية منذ الخمسينيات حتى حفظناها، وصار تقديم أغنية عاطفية جريمة يتم التغاضي عنها لمكانة الفنان، وتبقى الأغنية الثورية أفضل منها في رأي اللجنة المركزية وأصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة.

وهكذا.. لم تكن هجرة فناني عدن في الستينيات بسبب لقمة العيش، ولكن لأسباب تبدو سياسية، ثم أصبحت ظروف المعيشة صعبة جدا منذ العام 1970، وصارت الحياة خالية من الحياة، والفنان موظفا في وزارة الثقافة، والحفلات الأهلية العامة محرمة، ولم يجد الفنان غير راتبه القليل، وزاد منذ مطلع الثمانينيات عدد الفنانين غير الموظفين في عدن، وزادت موجة هجرة الفنان العدني بسبب لقمة العيش، ضف إلى ذلك إحساسه بالمهانة، ويتطور الفن في العالم كله إلا في عدن، والفنان عادة طموح.

ولا يزال الفنان العدني يهاجر ويترك عدن إلى اليوم، ولذلك سيكون لي عدة مقالات عن عدد من فناني عدن المقيمين في الخارج، لأتعرف من خلالها عن سبب هجرتهم، وأنا واثق أن السبب لن يخرج عن صعوبة العيش أولا ثم الطموح الفني، لعل الجهات المسؤولة تعيد النظر نحو الفنان العدني، وتمكنه من ممارسة نشاطه في مدينته، والأهم من ذلك أن توفر له الوظيفة التي يمارس نشاطا من خلالها خلال العام، وليس في المناسبات، ثم عليها الاهتمام بالمنشآت الفنية والفرق الموسيقية، لا أن تستدعي (هيئة) المسرح من الإمارات، لتقوم بترميم مسرح حافون لتنظم عليه مهرجانا مسرحيا، وهو قاعة اجتماع.

وفي هذا المقال، تواصلت، عبر الواتس، مع الفنان العدني المهاجر المقيم في لندن، ياسر عوذلي، وطرحت عليه بعض الأسئلة، ويبدو أن الموضوع قد هيج أشجانه واشتياقه لمدينته الحبيبة عدن، فجاءت إجابته كلها شجون.
وياسر عوذلي فنان آثر الهجرة إلى لندن، منذ أكثر من 15 عاما، مرورا بأبوظبي، حيث قضى فيها عامين، وحقق نجاحات ولمع خلالها اسمه، فلماذا ترك عدن؟ وهل كان مضطرا؟ وهل في عدن فنانون كثر غادروها؟

لاشك أن الفنان ياسر عوذلي كان مضطرا لمغادرة عدن، لسببين اشتركا معا فكان السفر، أولهما صعوبة الحياة من كل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وصعوبة تحقيق حياة هانئة وهادئة يحتاجها الفنان، وبالتالي تصبح المرارة هي كل إبداعه، ثم تتفاقم المرارة وتعجزه عن الإبداع.
وهنا يقول الفنان المهاجر ياسر عوذلي: «لم أغادر عدن وفق مشيئتي، بل تركتها وأنا كارها فراقها، مضطرا للهجرة، والله يعلم وحده كم كان ألمي شديدا وعذابي لا حد له، فعدن كانت ولازالت بلدي وأمي ومعشوقتي، فيها ولدت وترعرعت، أولى نسمات هوائي من هوائها وأولى قطرات مائي من مائها، وهي فرحانة وهي حزينة وهي فخورة وهي يائسة، تبقى هي عدن، بشروقها وبشمسها وشتائها الجميل، روحي تحوم فوق شمسان وحقات وصيرة والغدير، في لندن ومدن أوروبية أخرى، من أجمل شواطئ العالم، وأنا أتمنى قضاء ساعة في ساحل أبين، حتى في عز يوم صيفي شديد الحرارة، ولذلك فرحت بكلمات أغنية (ريت المعلا في وسط لندن) للشاعر أحمد مطهش، لأنها ترجمت اشتياقي لعدن وذكرت بعض أسماء مناطقها ومدنها، وجاء اللحن ملائما لدفء الكلمة، والأغنية تحقق نجاحا كبيرا إلى اليوم، ولست وحدي هنا المشتاق لعدن، فالشوق لها ميزة كل عدني، بل وكل مهاجر ليس من عدن وزارها يوما، ويشتاق لها، حتى من إخوتنا العرب».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى