شبوة.. عاصمة حضرموت

> إعداد/ علوي بن سميط

>
سابوتا أو شبوة عاصمة مملكة حضرموت قديماً من حيث موقعها تسيطر على طرق القوافل وبوسط الصحراء وعاصمة تحيط بها أو على مقربة منها ممالك ودول - حينذاك - على صراع مع حضرموت وكثيراً ما هوجمت حتى أحتلت، شبوة العاصمة القديمة لحضرموت أنقل عنها ما كتبه الباحث الفرنسي جان فرانسوا بروتون في المركز القومي للأبحاث الثقافية بباريس وملحق ثقافي بسفارة فرنسا باليمن - سابقاً - والمقالة بالنص:

«عرف المؤلفون الإغريق واللاتين منذ القرن الرابع قبل الميلاد مدينة باسم (ساباتا) أو (سابوتا) كانوا يظنونها قائمة على جبل عال حافلة بروائع المعابد والقصور واقعة غير بعيد عن المناطق المنتجة للطيوب، وكانوا يفترضون أن اللبان المستخرج بأجمعه ينقل على ظهور الجمال وأن كهنة سيان يقتطعون منه جزءاً قبل السماح بتوصيله بعيداً. كان بطليموس يسمي هذه المدينة (العاصمة)، كما أن كتاب الطواف يسجل في القرن الأول أن الملك كان يقيم فيها غير أن أيّاً من هؤلاء الكتاب لم يسبق له أن عبر البحر الأحمر وصحاري الجزيرة العربية كما فعلت في عام 26 - 25 قبل الميلاد كتائب إيليوس غالوس، وفي رأي المؤرخين الكلاسيكيين أن منتجات الطيوب وحدها هي أساس رخاء (العربية السعيدة) وأن الاتجار بها يفسر الوضع الجغرافي الهام التي اكتسبته مدنها غير أن ثروة شبوة عاصمة مملكة حضرموت خلال ما يقارب ألفاً من السنين تبدو ذات أصل أكثر تعقيداً إذ لا يبدو موقع شبوة للوهلة الأولى صالحاً لتحقيق ازدهارها، فقد استقرت المدينة عند منطلق وادي عرمة وهو مجرى ماء مؤقت ذو أهمية ضئيلة بالمقارنة مع وادي بيحان أو ذنة الجوف، في حين أن المرتفعات المحيطة بها غير صالحة للزراعة أو لتربية المواشي المكثفة هي أراض صيد أو تربية نحل، حقاً إن شجر الأكاسيا والعناب يكثر من حول شبوة كما يشهد استخدامه في العمارة، غير أن العديد من المستقرّات القديمة لابد وأن تكون مزروعة به وأخيراً فإن شبوة بمعزل عن طريق العبور الكبير الذي يمثله سهل حضرموت.

على أن الحاضرة تتمتع بمؤهلات كبرى للنجاح فهناك في المقام الأول وضعها الممتاز على منعطف عدّة دروب بعضها يحاذي المرتفعات الجبلية والأخرى تؤدي مباشرة عبر ممرات بين التلال إلى الجوف وإلى نجران ثم إن المدينة تستكمل هذه الشبكة بإقامتها طرقاً مبلّطة تربطها عبر وديان حجر إلى المحيط الهندي ورخيه في قلب حضرموت، كما أن شبوة فضلاً عن ذلك تشتمل على العديد من مناجم الملح سهلة الاستغلال التي يتواجد أكبرها تحت الأرض، وأخيرا فإن الهضاب الوعرة التي تأخذ شكل مثلث واسع تؤلف موقعاً استثنائياً ذا مناعة طبيعية ولن تتوانى المدينة عن الاستفادة من هذا الدفاع الطبيعي فبنت خطاً مزدوجاً من الأسوار يحيط الأول وهو مستقيم ذو أبراج تتوالى على مسافات متساوية بالأرض المعمرة في حين يتابع الثاني كالحراب خط ذرى المرتفعات عندئذ يستطيع منخفض السبخة المركزي ذو المداخل الحصينة أن يستقبل القوافل.

بدأ تاريخ مدينة شبوة عند عتبة النتؤ الصخري الجنوبي للمدينة بمعزل عن السيول وقد ارتبط المستقر الذي تطور في بداية الألف الثاني بممارسة زراعة مرويّة ولا شك، لكن آثارها المجزّأة لا تسمح بتقدير أهميتها ثم إن طوراً من الانحطاط ساد من القرن الخامس عشر - القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع قبل الميلاد تبعه بدايات تاريخ جنوب الجزيرة العربية نحو القرن الثامن - القرن السابع قبل الميلاد مرحلة من البناء فإلى جانب المباني من الطوب بنيت على وجه الاحتمال كما هو الأمر في ريبون أولى البيوت ذات القاعدة الحجرية، وتلك هي التي استرعت انتباه المستكشفين سان جون فيلبي. St.John philby الذي تعرّف على الموقع في عام 1936م والماجور هاميلتون Majmor Hamilton الذي حاول بعد سنتين من ذلك أن يستخرج إحدى هذه المباني وجاكلين بيرين Jacqueline pirenne الذي دشّنت البعثة الفرنسية عام 1975م.


تؤلف مدينة شبوة المثل العمراني الوحيد المعروف إلى الآن بسبب مستوى آثارها الوفيرة فهي تعد في الواقع ما يقارب 120 ركن بناء من الحجر بارتفاع يتراوح بين متر وثلاثة أمتار ومن عشرة إلى اثنتي عشر متراً جانباً وإذا كان فيلبي قد لمح طبيعة هذه الأبنية فإن حفريات بعضها سمحت بمعرفة وظيفتها إنها أركان بناء عالية تشتمل على جدران داخلية تحدد صناديق ملأى بمواد مختلفة كما أنها ترسم على نحو تقريبي مخطط البناء ومن المثير للفضول أن البنى العليا مشيدة على هيكل من الخشب الحامل لقد كشفت في الحقيقة شقق جدران سليمة عُثر عليها عن تجميع منتظم للعوارض الخشبية العريضة مُلئت المسافات الفاصلة بينها بالطوب الخام الممزوج بملاط من الطين.

ربما كان بعض المباني من هذا النمط معابد لكن معظمها كانت بيوتاً ومنذ عام 1938م كان ليونارد وولي Leonard woolley يقارنها بالمساكن العالية في حضرموت التي تشمل على طابق أرضي مخصص للتخزين وللإصطبل وعدّة طوابق للسكن أو للاستقبال ذات نوافذ ضيقة كان يمكن في العصور القديمة أن يكون لبيوت شبوه شأن بيوت العديد من المدن مظهراً مماثلاً ولما كانت هذه البيوت تؤلف في بعض المناسبات ملاجئ على الرغم من التحصينات العمرانية للمدينة فإنها بيوت غنية لشخصيات قوية وتكشف النقوش أحياناً عن أسماء مثل نمر، مرثد، مالكان، الذين بنوا بيتهم يفد في القرن الثالث. هل يمكننا تقدير عدد سكان المدينة؟ إذا افترضنا أن هناك في القرون الميلادية الأولى بين 150 و170 بيتاً داخل الأسوار يسكنها عشرة أشخاص وسطيا فإن شبوة لن تعد أكثر من ألفي نسمة سكاناً وإذا كان الحساب معقولاً وهذا العدد محتملاً فإنه يشير إلى العدد التقريبي لسكان عواصم جنوب الجزيرة العربية ويمكن لأكثر هذه المباني اتساعاً أي ذلك الذي يقوم على 39م×57م مع بعض التحفظ أن يكون القصر الملكي شقير.


يتألف هذا القصر منذ الأصل من مبنى مركزي تسبقه باحة محاطة من جوانبها الثلاثة بمبان واطئة ولما كان قد مر في نحو عام 230 ميلادية فقد أعيد بناؤه بالطريقة ذاتها ولم يُعدَّل سوى الباحة وحدها كما أن المبنى المحيط بالباحة يرتفع فوق طابق وله قاعة مغطاة ذات سقف بصناديق وفرجات واسعة مفتوحة على الباحة كل واحد من هذه الفتحات تشمل على عمود مركزي مزين بزخارف نباتية ويعلوه تاج مزدوج تزينه عنقاء برأس أسدة ذي قرنين.

على الرغم من صيرورته قصراً ضخماً في وقت متأخر ومن ملحقاته فإن هذا القصر لا يؤلف حياً معزولاً ولا حياً مقدساً، فالمباني المدنية والدينية مقامة حسب الطبوغرافيا أو حسب ملكيات الأراضي وهي مفصولة بمساحات غير منتظمة تستخدم للمرور لكنها لا تشتمل على أي مبنى يمكن أن يتطابق مع متجر ما وليس هناك أي سوق داخل الأسوار من نمط (الأغورا agora)، كما أنه ليس هناك أي مخزن مرتبط بتجارة اللبان مما أمكن التعرف عليه».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى