الجولان: لماذا يتعذر تكرار انتصار 1982؟

> عندما أعلنت إسرائيل قانون ضم الجولان، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وأتبعته بخطوات عملية بهدف فرض الجنسية الإسرائيلية على السكان المتبقين في الجولان المحتل، اجترح المجتمع الجولاني الصغير آنذاك، معجزته التاريخية، وأفشل هذا القرار بالعصيان المدني والإضراب اللذين استمرا ما يقارب الستة أشهر. وأرغم ذلك إسرائيل على التخلي عن مشروعها بفرض الجنسية الإسرائيلية، وما يستتبعه كالخدمة الإجبارية وغيرها من حلقات الأسرلة. وجعل الإضراب الكبير، الجولان، في صدارة العناوين الإخبارية العربية والعالمية. بفضل التضحيات التي بذلها المجتمع الأهلي آنذاك، عاد الجولان ولو شكلياً، إلى الأجندة الوطنية للدولة السورية، التي كانت قد تجاهلته رسمياً حتى ذلك الحين.

ورغم المهانة التي يستشعرها الجولانيون اليوم، مع إعلان قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أرضهم، إلا أنه من الجلي أنهم لا يجدون في أنفسهم تلك القدرات والظروف التي مكنتهم من الانتصار العام 1982. فمن ناحية، لا خصم مباشراً في المعادلة، إذ يقبع رئيس أكبر دولة عظمى في اقاصي الأرض، ويوقع فرمانه المهين من هناك. ومن ناحية أخرى، يعيش السوريون عموماً حالة غير مسبوقة من الهزيمة والعجز والتبعية والتي أوصلهم إليها "نظام الممانعة" ومعارضاته معاً، ما لا يُبشر بأي نوع من أنواع المقاومة.

الجولان أيضاً لم يعد ذلك المجتمع الأهلي المتماسك الذي كانه في العام 1982، عندما كانت القرارات تُتخذ في الخلوات حيث اجتمع الوجهاء من المتدينين والزمنيين معاً، لتُعمّم على كافة القرى وتنفذ بالتزام كامل، وبخروق ضئيلة تكاد تقارب الصفر.
المجتمع الجولاني اليوم يبدو أكثر تعقيداً، وهو يضم الموالي والمعارض والمنتفع من السلطات على جانبي الحدود. كما أن حالة العجز الوطنية أنتجت شريحة كبرى من اللامبالين من كافة الأجيال. هذا عدا عن نجاحات متفاوتة حققها تيار الأسرلة المتنامي في السنوات الأخيرة على أصعدة متعددة. وتبدو محاولة الإتيان بموقف مجتمعي موحد مسألة غاية في التعقيد والصعوبة.

يبدو أن الأكثر قدرة دائماً على الاصطفاف والحشد، لإعلان رفض قرار الرئيس الأميركي، هم موالو النظام في الجولان الذين اصطفوا كعادتهم، تعلوهم صور بشار الأسد. وامتنع المعارضون عن الحضور، بسبب هذه الصور بالذات. ولا يبدو أن مفاوضات قد جرت للوصول إلى موقف موحد، أو الوقوف على أرضية مشتركة، مثلما حدث يوم انتخابات السلطات المحلية ومحاولة شرعنتها من قبل الاحتلال قبل أشهر.

الأسير المحرر وئام عماشة، قال لـ"المدن"، إن التلفزيون السوري هو الذي سعى لذلك الموقف الضعيف، الذي أقيم في ساحة مجدل شمس، قبل يومين، من خلال مراسليه في الجولان، ولم يسمح بالتنسيق مع أي جهات او أطراف أخرى في المجتمع الجولاني، وأصر على رفع صور السفاح بشار الأسد في الموقف، ما دفع بالكثيرين للعزوف عن المشاركة.
وعن إمكانية تنظيم موقف جامع، قال عماشة: "هناك حالة غليان في الشارع الجولاني ولا ندري ما يمكن أن يحصل، والأمور مفتوحة، لا أستغرب أبداً حالة غضب ستعم الشوارع".

وفي سياق ردود الأفعال، عبّر كثيرون من أهالي الجولان، عن رفضهم واستنكارهم لقرار ترامب، كما عبر العديد منهم عن استيائهم من رد فعل كثير من السوريين الذين يرون في الاحتلال الإسرائيلي حبل نجاة للجولانيين من البطش الأسدي؛ متناسين دور إسرائيل الخطير في إجهاض الثورة السورية، ورغبتها الواضحة في الإبقاء على نظام الأسد المطيع في السلطة، ومتناسين مئات آلوف الجولانيين الذين طردوا من منازلهم وقراهم في الجولان، وما زالوا يعيشون في أسوأ الظروف في مخيمات اللجوء.

يبقى السؤال لدى الجولانيين عما ستحمله الأيام المقبلة، وما ستكونه تداعيات الاعتراف الأميركي على حياتهم اليومية. فالمسألة بالنسبة لإسرائيل، أكبر بكثير من دعاية انتخابية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما يتصور البعض، وهي بالتأكيد ستترجم إلى خطوات إسرائيلية على الأرض من الصعب تقدير مداها الآن.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى