خصوم الحوثي جبهة متعددة سياسيا واجتماعيا لكنها بلا حليف سياسي

> كتب/ ميساء شجاع الدين

>
بينما شهدت المعارك بين الحوثيين والتحالف هدوءاً في جبهة الساحل الغربي حول ميناء الحديدة بعد اتفاقية ستوكهولم في 13 ديسمبر 2018، بدأت عدة معارك جانبية كاشفة لتعقيدات الصراع الداخلي باليمن بمعزل عن بعده الإقليمي، وكانت أبرز هذه المعارك هي معركة حجور بين الحوثيين وقبائل حجور في محافظة حجة بأقصى الشمال، والتي استمرت قرابة شهرين منذ يناير حتى سقوط المنطقة تحت سيطرة الحوثيين في 8 مارس الماضي، ورغم حسم المعركة إلا إنها كانت ذات دلالة لأنها شكلت تهديداً جدياً ضد الحوثيين في قلب مناطق نفوذهم وتطرح تساؤلات كثيرة حول قدرة الحوثيين على السيطرة والتحكم بمناطقهم.

معركة حجور وقعت قرب معقل الحوثيين في صعدة، ورغم فارق القوة العسكرية لصالح الحوثيين وحصارهم الشديد للمنطقة قرابة شهرين تأخر حسمهم للمعركة شهرين بسبب تعدد دوافع قتال قبائل حجور السياسية والمذهبية والخارجية واستماتة المتحاربين. تتصاعد أهمية المناطق التي تسكنها قبائل حجور بسبب المعارك الحدودية بين الحوثيين والسعودية. تقع حجور في أقصى الشمال ولها حدود مع محافظتي صعده (مركز الحوثيين) وعمران (مدخل صنعاء الشمالي)، ومديرية حرض وهي نقطة حدودية مع السعودية. تسعى السعودية لتشكيل منطقة حدودية عازلة، خاصة بعد استيلاء الجيش الموالي للحكومة الشرعية على مثلث عاهم في مديرية حرض الحدودية في منتصف نوفمبر 2018، فيما يعد اختراق عسكري مهم. بالتالي صارت السيطرة على مناطق قبائل حجور أمرا ملحا وضروريا، بالأخص جبال كشر والعبيسة، فهي المنطقة التي يمر منها الطريق الإسفلت الوحيد الذي يربط بين صعده (مركز إمداد الحوثيين) ومنطقة حرض الحدودية وكذلك تربط بين صعده وسهل تهامة (الساحل الغربي) وكذلك بين صعدة ومحافظة عمران (المدخل الشمالي للعاصمة صنعاء).

تصاعد التوتر بين الحوثيين والقبائل بعد مقتل علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر 2017، إذ كان الرئيس السابق يمثل الجناح القبلي الأقوى في التحالف بين الحوثيين والقبائل، والذي كان قائماً على بعض الأهداف السياسية المؤقتة مثل الأعداء المشتركين والرغبة المشتركة في تقويض العملية السياسية بالمرحلة الانتقالية، كما تجمعهم العصبية المناطقية، فالزيدية كان يمثل الحوثي بعدها الإيديولوجي المذهبي وكذلك البعد الهاشمي أي آل البيت (أي من يدعون نسبهم للرسول محمد من خلال ابنته فاطمة)، الذين تخصهم الزيدية بالقيادة الدينية والسياسية ولهم أيضاً حظوة اجتماعية. بينما كان الرئيس السابق يمثل البعد القبلي لتلك المناطق حيث كان يمتلك شبكة تحالفات قبلية واسعة تتجاوز المذهب، خاصة إن بعض قبائل تلك المناطق سنية أو تحولت للسنية مؤخراً مع توسع المد السلفي في العقود الأخيرة.

خلال فترة حكم الرئيس السابق صالح، كانت هذه المناطق عسكرياً تقع تحت نفوذ قائد الفرقة الأولى مدرع علي محسن الأحمر وهو حليف للإخوان المسلمين. كما سبق وأن شهدت هذه المناطق معارك بين القبائل والحوثيين في أولى مراحل توسع الحوثيين شمالاً إثر إحكام سيطرتهم على محافظة صعدة خلال الانتفاضة الشعبية التي شهدتها اليمن في العام 2011، وانتهى الاقتتال بوساطة قبلية نجحت في يناير 2012، يقضي الاتفاق بعدم تدخل الحوثيين في هذه المناطق مقابل أن تلزم القبائل مناطقها، وهو الاتفاق الذي تبادل الطرفان اتهامات نقضه حيث تتباين الروايات حول بدء اندلاع المعارك الأخيرة في يناير الماضي.

يتهم الحوثيون بعض المشايخ القبليين خاصة الشيخ فهد الدهشوش، وهو شيخ من حزب المؤتمر (الحزب الذي أسسه الرئيس السابق علي صالح)، باستلام أموال من السعودية للدفع بقبائل حجور لنقض اتفاقهم مع الحوثيين من خلال استحداث عدة نقاط أمنية لم تكن موجودة. بينما قالت قبائل حجور إن مقاتلين حوثيين تسللوا لتلك المنطقة، وكذلك إن بعض الموالين للحوثيين وهم أسرة جحاف (أسرة هاشمية وليست قبلية) بدأت تجلب سلاحاً بشكل كثيف وملفت لقريتهم جحاف مما أثار أبناء المنطقة من قبائل حجور.

من الأرجح أن أسباب اندلاع هذه المعارك الأخيرة قد تكون محلية مثل احتكاكات عادية بين مساندين للحوثي وخصومه، لكن توسعها واستمرارها بهذا الشكل وفشل الوساطات القبلية التقليدية يعزو لتراكم عوامل الصراع بسبب الثارات والمعارك السابقة وأهمية حسم وضع المنطقة إستراتيجياً، وكذلك تدخل العامل الخارجي، حيث قام التحالف (السعودية تحديداً)، وإن كان متأخراً، بعد شهر من بدء المعارك في 19 فبراير بخمس عمليات إنزال جوي من معدات طبية وسلاح وأغذية إضافة للأموال التي تلقاها بعض المشايخ القبلييين، وكانت هذه الإمدادات مهمة من حيث الدعم بالذخيرة والسلاح في وقت كانت المنطقة محاصرة من قِبل الحوثيين مما أطال من أمد المعارك لكنه أيضا تسبب في صراعات حول توزيع هذه الإمدادات وخلق مطامع كثيرة لدى البعض وتصارع للاستيلاء عليها.

من بين العوامل التي ساهمت في إذكاء الصراع البعد العقائدي المذهبي، فأبرز قادة القتال ضد الحوثيين كان القائد السلفي أحمد الزعكري والمعروف بأبي مسلم الزعكري، الذي قتله الحوثيون 10 مارس 2019. كان أبو مسلم الزعكري من المناطق الجبلية (كشر) في محافظة حجة، أي من القبائل الزيدية، لكنه أصبح سلفياً من تلامذة دار الحديث بدماج في صعدة. يعتبر الحوثيون تأسيس هذا المعهد العام 1979 على يد الشيخ هادي بن مقبل الوادعي في صعدة استفزازاً للخصوصية المذهبية الزيدية لصعدة، خاصة إن سلفيي دماج كانوا يكفرون الزيود، كما كان أحد أسباب التحولات المذهبية التي تعرضت لها المناطق الزيدية. هذا وقد كان الزعكري خاض عدة معارك ضد الحوثيين من قِبل أثناء حصارهم لقرية دماج لترحيل السلفيين من 2011 حتى تم إجلاء السلفيين لصنعاء في يناير 2014.

لا يمكن المبالغة كثيراً بالبعد العقائدي، فأبو مسلم الزعكري كان على علاقة جيدة مع الحوثيين بعد بدء ضربات التحالف على اليمن في مارس 2015 حتى مقتل الرئيس صالح في ديسمبر 2017، وكان يقاتل ضمن القوات الموالية للرئيس السابق صالح. هذا أيضاً لا يلغي الدوافع القبلية، فقبائل حجور كانت تدافع عن استقلاليتها وأراضيها، وهذه مسألة غاية في الأهمية لدى القبائل رغم تعدد مشايخ قبائل حجور، وهذه كانت نقطة استفاد منها الحوثي وهو التصارع المشيخي بينهم.

جبهة خصوم الحوثي متعددة سياسياً واجتماعياً، وهي حركة بلا حليف سياسي، لكن الحوثي نجح دوما في هزيمة شبكة خصومة الواسعة بسبب تبايناتها وصراعاتها، وكانت معركة حجور كاشفة في هذا الجانب، حيث انهزم كل خصوم الحوثي في معركة حجور الذين كانوا يتشكلون من قبائل وقوات سلفية وكذلك قوات موالية لأحزاب (المؤتمر والإصلاح) ورغم دعم التحالف بسبب الانقسامات في جبهة خصوم الحوثي وهي انعكاس لانقسام التحالف بين الإمارات والسعودية، حيث تدعم السعودية الحكومة الشرعية التي يغلب عليها فصيل الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) بينما تدعم الإمارات طرفي السلفيين وحزب المؤتمر، الذي كان موالي للرئيس السابق صالح، ويعاديان الإخوان.

هذه الخلافات ظهرت إعلامياً أكثر بعد انتهاء المعركة، حيث بدأ كل طرف يلوم الآخر، فبعد المعركة ظهر مسؤول حكومي - وزير سابق ومحافظ حالي صالح سميع - من حزب الإصلاح يدعو لخروج الإمارات من التحالف لأنها لا تهدف لعودة الحكومة الشرعية، ربما يفسر هذا التصور إن منطقة حجور هي أحد مناطق نفوذ نائب الرئيس علي محسن، وبالتالي الهزيمة فيها سوف يؤكد حقيقة إن علي محسن يفشل في تحقيق أي نصر عسكري بمناطق نفوذه.

بينما السلفيين وأنصار صالح الذين تبنتهم الإمارات اتهموا الإصلاح بخذلان حجور بحجة أنهم يتحكمون بقرار الحكومة الشرعية من خلال نفوذهم فيها، مدللين بذلك عدم تحرك معسكر القائد يحيى صلاح (التابع لجيش الحكومة الشرعية والأقرب لمواقع القتال)، وكذلك بعض الفصائل السلفية التي كانت قريبة من موقع القتال بسبب عدم إصدار أوامر من الحكومة الشرعية، مشيرين إلى نفوذ نائب الرئيس علي محسن الأحمر، قد يفسر هذا التصور أيضا خشية الإصلاح من سيطرة السلفيين على المنطقة.

معركة حجور حسمها الحوثيون لصالحهم مثبتين أنهم لا يزالون القوة الوحيدة المسيطرة على المناطق الشمالية طالما خصومه من قبائل وميليشيات سلفية وأحزاب سياسية في حالة تنازع مقابل طرف متماسك، لكن هذا لا يعني إن هذه المعارك ستكون الأخيرة التي تواجه الحوثيين بسبب السخط الشعبي العام من طريقة إدارة الحوثيين لمناطق سيطرتهم، وكذلك اعتمادهم الكلي على العنف للسيطرة والحفاظ على سلطتهم مما يراكم الثارات، لتظل أسباب الاقتتال الداخلي متعددة وحاضرة متداخلة مع الصراع الإقليمي.

«مركز كارينيغي»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى