مآلات اتفاق ستوكهولم.. الحاضر في التصريحات الأممية والغائب عن التنفيذ

> علي ربيع

> عززت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، من قناعات كثير من المتابعين للشأن اليمني حول عدم إمكانية تنفيذ اتفاق السويد بين حكومة الشرعية والجماعة الحوثية، لجهة عدم رغبة إيران في دفع الجماعة الموالية لها للتنفيذ وتحويل ملف الحديدة إلى ملف للابتزاز الإقليمي والدولي.
ومع أن قناعات السياسيين اليمنيين كانت منذ البداية تدرك أن الاتفاق المرعي دولياً سيكون مجرد حبر على ورق، بسبب إلمامهم بطبيعة الجماعة الحوثية التي لم تفِ بأي وعد قطعته منذ تدحرجها من صعدة لاجتياح اليمن وحتى اتفاق السويد في 13 ديسمبر الماضي، فإن تصريحات بومبيو جاءت لتقطع الأمل الأخير الذي كان يحدو الشرعية في استعادة الحديدة وموانئها سلمياً تحت الضغط الأممي والدولي.

ويعتقد ناشطون سياسيون تحدثوا أن الجماعة الحوثية كانت أكبر مستفيد من اتفاق السويد الذي وفر عليها كلفة المواجهة العسكرية ومكنها من تثبيت وجودها الانقلابي في مدينة الحديدة وموانئها، كما منحها الوقت الكافي لترتيب صفوفها وتوسيع هجماتها في جبهات أخرى، بعد أن توقفت معركة الحديدة في 18 ديسمبر الماضي بموجب الهدنة الأممية التي أعقبت الاتفاق.
وكان بومبيو اتهم إيران بتوجيه الحوثيين بعدم الانسحاب من الحديدة، وإلى التخلي عن الالتزامات التي تعهدوا بها في ستوكهولم ومواصلة القتال.

وقال الوزير الأمريكي، خلال لقاء حول السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية نظمته صحيفة «ذا هيل» الأمريكية: «الحوثيون يواصلون رفض الامتثال للاتفاقيات التي وقعوا عليها في ستوكهولم، ويرفضون الانسحاب من مدينة وموانئ الحديدة هذا لأن جمهورية إيران الإسلامية اختارت توجيههم للقيام بذلك».
وفي حين لا يلوح أي أفق حتى الآن لتنفيذ الاتفاق على الرغم من التفاؤل الأممي في أحاديث المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن جريفثس، تعتقد الحكومة الشرعية، كما هو في حديث وزير خارجيتها خالد اليماني، أن فشل الاتفاق ليس خياراً بالنسبة لها، وإنها ترى أن تنفيذه سيشكل نقلة نوعية في مسار السلام.

الحوثيون والاحتماء بالأمم المتحدة
وفي هذا السياق يؤكد الكاتب والإعلامي اليمني، وضاح الجليل، أنه بعد مرور أربعة أشهر ونصف الشهر من اتفاق السويد، لم يبقَ منه شيء، سوى بند وقف إطلاق النار.
وحتى هذا البند بحسب الجليل «يصب في خانة الانقلابيين الحوثيين، أما سوى ذلك فإن الاتفاق باء بالفشل، وإن تجنبت الأطراف المعنية والمشرفة على تنفيذه إعلان ذلك»، على حد قوله.

وحول فهمه للمكاسب الحوثية من الاتفاق يتابع الجليل بالقول: «الحوثيون عززوا من نفوذهم في مناطق سيطرتهم داخل المدينة وخارجها، وحفروا الخنادق استعداداً لمعركة ما بعد إعلان فشل الاتفاق، وتعزيز نفوذهم ليس اعتباطياً ولا مرتجلاً، بل يأتي ضمن حسابات عسكرية وسياسية».
وأضاف: «الملاحظ أن تعزيزاتهم تتركز في اتجاه مديرية التحيتا ومدينة الحديدة، حيث يبدو أنهم يستعدون لتنفيذ هجمة عسكرية على خطوط إمداد الجيش الوطني في الساحل الغربي جنوب مدينة الحديدة لقطع خطوط الإمداد مع القوات الحكومية في مدينة الحديدة، ومن ثم تنقض ميليشياتهم في المدينة لاستعادة ما خسرته هناك».

أما على الصعيد السياسي؛ فيعتقد الجليل أن «الحوثيين يأملون في أن يتحول وجود الأمم المتحدة إلى درع يحتمون بها من هجمات الجيش والتحالف».
وعن المآلات الممكنة بعد كل هذا التعثر يعتقد الجليل أنه «لم يعد أمام الحكومة والتحالف سوى الضغط بمختلف أشكاله، إما لتنفيذ اتفاق الحديدة، أو لتنفيذ عقوبات بحق المعرقلين، ولا توجد عقوبة أشد من استئناف العمليات العسكرية دون أي تحفظات دبلوماسية أو الرضوخ لأي ضغوط دولية».

التشبث بالوهم
ويذهب الباحث والكاتب السياسي اليمني، ثابت الأحمدي، إلى أبعد من ذلك، إذ يقول: «إن اتفاق ستوكهولم هو الجنين الذي ولد ميتاً»، ويرى أنه «من الجولات التي كانت إلى التنزه والتسالي أقرب منه إلى المفاوضات بين الدولة والانقلابيين».
ويضيف الباحث الأحمدي: «المتفاوضون أنفسهم لم يكونوا يتوقعون منه أي نجاح من أول وهلة، لأكثر من سبب، منها أن الحوثي لن يسلم الحديدة وسيقاتل فيها إلى آخر نفس، لأن أهميتها لا تقل عن أهمية صنعاء، خاصة وهي مرتبطة بساحل بحري يزيد طوله عن (440) كيلومترا، ومنه يتلقون المساعدات التي تمدهم إيران بها عبر إريتريا».

ويجزم الأحمدي أنه غير متفائل إطلاقاً بأي جديد حول اتفاق ستوكهولم، ويقول: «لا جديد في ستوكهولم أساساً، أما من يعلق عليه شيئاً فهو واهم وغير مدرك لخفايا الكواليس وما يعتمل في المشهد».

الاتفاق يحمي الحوثيين
ويؤكد الكاتب والناشط اليمني، همدان العلي، ما ذهب إليه الآخرون بطريقته في فهم جوهر الاتفاق، إذ يقول: «اتفاق ستوكهولم ما بقي منه فقط أنه أصبح مادة للتناول الإعلامي، أما في الميدان فلم يبقَ منه شيء، فقد تم تجزيء الاتفاق، مع ذلك لم يتم تطبيق أي تفاصيل فيه، لا الانسحاب من الميناء والمدينة، ولا تبادل الأسرى والمختطفين، ولا إيقاف إطلاق النار».
وعلى الرغم من أن الاتفاق جاء في الأساس لحماية المدنيين من مخاطر الحرب والعمليات العسكرية وكان ذلك، بحسب العلي، الدافع الأساسي لقبول الاتفاق، أنه «منذ التوقيع عليه يسقط يومياً ضحايا مدنيون بسبب قصف الحوثيين وانفجار الألغام».

ويتابع العلي: «هذا الأمر يجعلنا نقول بكل ثقة إن الاتفاق فشل، لكننا نؤمن في المقابل بأن الأمم المتحدة والدول الراعية للاتفاق لن تعلن ذلك كما لن يقبل الحوثي تطبيق هذا الاتفاق، وسيبقى الحال كما هو ليكون الحوثيون هم المستفيد الأول من هذا الوضع».
وحول ما إذا قررت الحكومة الشرعية عدم المضي وراء الأوهام التي جاء بها «ستوكهولم»، يقول العلي: «عندما تقرر الشرعية والتحالف المضي في عملية تحرير المدينة يكون الأمر قد أصبح أكثر تعقيداً، وهذا ما تريده الدول الراعية للاتفاق، وهو حماية الحوثيين وفرضهم أمراً واقعاً». ولم يفوّت العلي الفرصة ليدعو «الشرعية لإدراك مخاطر عدم الإسراع في عملية تحرير الحديدة». ويقول موجهاً الخطاب إلى الحكومة: «عليها أن تقوم بواجبها الوطني واستعادة المدينة وإنقاذ سكانها».

الاتفاق اغتاله الحوثيون
ولا يبتعد الباحث السياسي والكاتب اليمني، د.فارس البيل، عما طرحه سابقوه، فهو يقر بـ «أنه لم يتبقَ شيء من اتفاق ستوكهولم سوى أحاديث المبعوث الدولي»، بل يذهب إلى القول: «إن الاتفاق كان قد انتهى مع انتهاء الثلاثة الأيام الأولى المخصصة للانسحاب من الموانئ».
ويرى الباحث البيل أن «العودة الآن لاتفاق السويد باتت أصعب من خلق اتفاق جديد. بما يعني أننا أمام موت حقيقي لهذا الاتفاق أو اغتيال من طرف ميليشيا الحوثي، في حين ما تزال الأمم المتحدة تنكر الحادثة وتتستر على الحقيقة»، بحسب تعبيره. وحول المآلات الممكنة في الوقت الحالي للاتفاق، يؤكد د. البيل أنها تبدو مرتبكة، ويعلل لذلك بقوله: «يصعب تطبيق مراحل الاتفاق بعد انقضاء كل هذه المدة وبعد أن خلقت ميليشيات الحوثي أرضاً مختلفة في الحديدة وتشكيلات عسكرية مضاعفة».

ويرى البيل أن أمام الأمم المتحدة الآن «أن تبحث عن تعديلات وإجراءات جديدة تنقذ الاتفاق ولو في مراحل أولى، أو أن تذهب إلى خلق اتفاق جديد يستفيد من كل هذا التعثر وإن يكن متواضع الآمال».
ودون هذا الصنيع من الأمم المتحدة يرجح البيل أنها «ستذهب إلى حالة من الجمود دون إعلان الفشل، وحينها سيكون القرار للمنتصر على الأرض». على حد تعبيره.

وكان المبعوث الدولي، مارتن جريفثس، أعلن، خلال إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، أن الشرعية والجماعة الحوثية وافقا على الخطة الأممية الخاصة بالانسحاب وإعادة الانتشار في المرحلة الأولى، مشيراً إلى أهمية الإسراع بالاتفاق على الجزء الثاني من الخطة.
وبينما يبدو من الصعوبة أن تقبل الشرعية بالذهاب إلى أي جولة جديدة من المشاورات التي يقودها جريفثس قبل تنفيذ اتفاق السويد، وبخاصة ما يتعلق بالحديدة، تبدو المهمة الأممية في نظر أغلب المتابعين للشأن اليمني أشبه بالمستحيلة، وبخاصة مع تمسك الحوثي بفهمه الخاص للاتفاق وإصراره على بقاء الحديدة وموانئها في قبضة جماعته أمنياً وإدارياً.

«الشرق الأوسط»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى