> «الأيام» خاص
شرع الإسلام الصوم، فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من بعض الأطعمة
والأشربة ? بل اعتبره خطوة إلى حرمان النفس دائما من شهواتها المحظورة
ونزواتها المنكورة. وإقرارا لهذا المعنى قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "
من لم يدع قول الزور ? والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه "
وقال: "ليس الصيام من الأكل والشرب ? إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك
أحد ? أو تجهل عليك ? فقل: إنى صائم " . والقرآن الكريم يذكر ثمرة الصوم
بقوله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
[البقرة/183]".
وإذا
كبَح الصوم المعاصي نال العبد منزلة راقية في العبودية لله ؛ لأنَّ الصوم ـ
الذي يراد به مجرد الإمساك عن الطعام والشراب ـ يستطيعه كثير من الناس ،
بيدَ أنَّه ـ سبحانه ـ أراد من عباده أن يكون صومهم منقياً لهم من المعاصي
وما دار في فلكها، وقد ذكر الإمام ابن حجر العسقلاني أنَّ العلماء:" اتفقوا
أنَّ المراد بالصيام صيام من سلم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً "
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وهو الصادق المصدوق حيث
يقول:"رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظُّه من قيامه
السهر".
ولهذا فإنَّ هؤلاء الذين فرَّطوا بصيامهم يعتبرون محرومين في
شهر الصوم ، مفلسين في شهر الجود والإحسان ، وقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلَّم مرَّة لأصحابه :" أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من
لا درهم له ولا متاع . فقال : إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة
وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا،
وضرب هذا . فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته ، قبل أن
يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه . ثم طرح في النار"
فلا معنى
لظاهر الصيام إن لم تتأدب النفوس.. ومن صام في نهار رمضان، ولم يصم لسانه
من غيبة الآخرين وهتك أعراضهم، ولم تصم يده من إيذاء الآخرين والنيل منهم،
ولم يصم قلبه من الأحقاد والغلِّ على إخوانه المسلمين، فإنَّ صيامه ناقص،
وفيه تفريط كبير لحدود الله.
وممَّا يعجب له المطَّلع على أحوال بعض
العوام حيث يحفظ هؤلاء حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في صحيح
مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ :(الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة،
ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهنَّ) ثم يقفون عند هذا الحدِّ، وينسون أو
يتناسون تكملة هذا الحديث:( إذا اجتنبت الكبائر).
وما معنى
حقيقة الصيام إن كان المرء يصوم عن الطعام والشراب، ولكنَّه لا يصوم عن
السباب والفحش والبذاءة باللسان، ولا يصوم عن غض البصر عمَّا حرَّم الله؟!
ذكر
الإمام ابن رجب ـ رحمه الله ـ أنَّ بعض السلف قال:" أهون الصيام ترك
الشراب والطعام، وقال جابر رضي الله عنهما: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك
ولسانك عن الكذب والمحارم ، ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم
صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء!!"