كلمة في الشهر الكريم

>
شهر الصيام شهر تظهر فيه معالم فضله وعطائه - جل جلاله - على عباده؛ ففيه يفتح الله لعباده من أبواب العفو والصفح والتوبة والمغفرة ما لا يكون في غيره، ويهيئ لهم من الأسباب ما يعينهم على ذلك في هذا الشهر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" رواه الترمذي وصححه الألباني. يفعل ذلك كله - سبحانه وبحمده - تهيئة لجوٍ مناسب للعبادة يعين المسلم على أدائها.

وجعل صلى الله عليه وسلم الصيامَ وقايةً من دخولِ النار فقَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ" رواه أحمد.

ومن جوده - سبحانه - أنه جعل الصيام يشفع للصائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْته الطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْته النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيَشْفَعَانِ" رواه أحمد وغيره، وقال الألباني: حسن صحيح.

ومن جوده - سبحانه - على الصائم في هذا الشهر وغيره أن الصائم إذا خُتم له بالصيام بأن كان آخر أعماله أو مات صائماً دخل الجنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَ دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه أحمد وصححه الألباني. ومن جوده - سبحانه - في هذا الشهر أَنَّ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، و"مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" متفق عليهما، و"مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه البخاري، و"مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا ينقصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" رواه الترمذي وصححه الألباني.

ومن أعظم الجود أن يجود الله على عبيده بالعتق من النار عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ" رواه الترمذي وصححه الألباني.
قد فتح لكم الباب وهيئة لكم أسباب المغفرة والرحمة فلا تبخلوا على أنفسكم ولا تحرموها من جود الله تعالى عليكم: عن مالك بن الحويرث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ" رواه ابن حبان وقال الألباني حسن صحيح.

ومن جوده - تعالى - عليكم في هذا أن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فانه يصب على أهله العطاء صبا عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" رواه الترمذي وهو حديث صحيح.

• ومن أعظم جوده - سبحانه - على عباده في هذا الشهر أن جعل فيه ليلة عظيمة قال عنها في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [سورة القدر].

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يُبَشِّرُهُمْ: " قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَيُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مِنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " شعب الإيمان.

* جود النبي العدنان صلى الله عليه وسلم في رمضان:
أما جود النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن سمت روحه و نهلت من معين جود الجواد -جل جلاله- فلا بد أن يتصف بصفاته و هي الجود فقد كان نبيك - صلى الله عليه وسلم - من أجود الناس فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ " أخرجه البخاري ومسلم.

وإنما كان جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان خاصةً أكثر لثلاثة أسباب:
السبب الأول: لمناسبة رمضان، فإنَّ رمضان شهر تضاعف فيه الحسنات،
وترفع فيه الدرجات، فيتقرب فيه العبيد إلى مولاهم بكثرة الأعمال الصالحات.

السبب الثاني: كثرة قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان، والقرآن فيه آيات كثيرة في الحث على الإنفاق في سبيل الله،
والتقلل من الدنيا والزهد فيها والإقبال على الآخرة، فيكون في ذلك تحريك لقلب الإنسان
لأن ينفق في سبيل الله، وحري بكل من يقرأ القرآن أن يكثر من الصدقة في سبيل الله.

السبب الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى جبريل في كل ليلة،
ولقاؤه لجبريل من باب مجالسة الصالحين، ومجالسة الصالحين تزيد في الإيمان وتحث على الطاعة،
فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصدقة في رمضان.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى