الفتوحات الإسلامية.. فتح الحيرة

> إعداد/ هاشم الخضر السيد

> هي معركة وقعت بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد والإمبراطورية الفارسية سنة 12 هـ الموافق 633م وانتهت بانتصار المسلمين. وفتح الحيرة كان حدثا هاما في فتوحات العراق، وذلك لأنها مدينة قديمة للفرس، فكيف تم ذلك؟ وما النتائج المترتبة على فتح الحيرة؟
بعد أن فتح خالد بن الوليد رضي الله عنه قصر الخورنق توجه إلى "الحيرة"، وهي الحلم الذي يتسابق عليه المسلمون، وكانت الحيرة مدينة عظيمة من مدن العراق بل هي أكبر مدينة في جنوب العراق، وتقع هذه المدينة على نهر الفرات في مواجهة سواد العراق، أو في مواجهة الجزيرة بين نهري الفرات ودجلة على مسافة تكاد تكون قريبة من المدائن على مقدمة الصحراء، وعلى حدود تقترب من الشام ويمر عليها نهر الفرات الذي تأتيه السفن التجارية من السِّنْدِ والهِنْد والصِّين؛ فهذه المدينة من المدن المهمة جدًّا، وفيها من القصور والمباني الفاخرة الكثير، ويسكن معظمها نصارى العرب ولكن يحكمها الفرس، إذ كان يحكمها "آزاذبه" الذي كان أميرًا فارسيًّا عليها؛ لأنها كانت موالية للفرس منذ فترة طويلة منذ أن تملكها أو ترأس عليها النعمان بن المنذر وحتى هذه اللحظة، فهي مدينة قديمة وعظيمة في الفرس؛ ولذلك جعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ملتقى الجيشين في الحيرة.

وصول الجيش الإسلامي
وصلت جيوش خالد بن الوليد ذات الثمانية عشر ألف مقاتل إلى الحيرة فوجدوا فيها أربعة حصون:
الحصن الأول: يُسمى القصر الأبيض، وكان فيه إياس بن قبيصة، وهو رجل نصراني، وكل أمراء الحصون من النصارى أيضًا، وحصن آخر يُسمى قصر العبسيين كان فيه رجل يسمى عدي بن عدي المقتول، وحصن ابن مازن فيه حيري بن أكان، وحصن ابن بقيلة وكان فيه عمرو بن عبد المسيح، وكان أكبر هؤلاء الأمراء، وفي بعض الروايات أنه تجاوز الأعوام المائة.

كانت هذه الحصون الأربعة من الشدة والمناعة، بحيث إن أهلها يستطيعون أن يمكثوا فيها أيامًا وشهورًا دون أن يكونوا بحاجة إلى الخروج منها.
وعندما وصل خالد بن الوليد إلى الحيرة وجد جميع أهل الحيرة متحصنين داخل هذه الحصون الأربعة بعد أن تركهم (آزاذبه) بجيشه وانصرف إلى المدائن.

جعل خالد بن الوليد لنفسه قاعدة بعيدة عن القصور، وأرسل مجموعة من أمهر قواده لحصار هذه الحصون، فأرسل ضرار بن الأزور لحصار القصر الأبيض، وأرسل ضرار بن الخطاب لحصار قصر العبسيين، القصر الثالث قصر ابن مازن عليه ضِرَار بن مُقرِّن وهو أحد الإخوة العشرة، أولاد مقرن المزني، ثم جعل خالد بن الوليد حصار القصر الرابع قصر ابن بقيلة إلى المثنى بن حارثة.

بدء الحصار
وتقدمت الجيوش الأربعة لحصار هذه الحصون، وأرسل خالد بن الوليد إلى أهل هذه القصور الأربعة رسالةً تدعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، وأعطاهم مهلة يومًا يبدأ الضرب بعده.

بعد مرور المهلة بدأ المسلمون يرمون القصور بالأسهم والنبال، فسمعوا أهل القصور يقولون: عليكم بالخزازيف. وهذه الكلمة جديدة على المسلمين لا يعرفون معناها، ولكنهم ابتعدوا عن مرمى أهل هذه القصور، ثم ظهرت الخزازيف وهي عبارة عن مقاليع ضخمة تقذف كرات من الخزف، صُنِعَتْ هذه الكرات من الطين وأوقدت عليها النيران حتى أصبحت خزفًا فهي تشبه قنابل أو أحجارًا ضخمة تُقذَف بالمقاليع على جيش المسلمين، وكان من حُسْنِ تقدير المسلمين الابتعاد عن مرمى هذه القصور فلم تصبهم هذه الخزازيف بشيء، وكانت قوة الرمي عند المسلمين أقوى وأعظم، فكانت سهامهم تصل إلى داخل هذه القصور؛ فتصيب مَنْ بها من الناس ولا تفرِّق هذه الأسهم بين جندي وبين رجل غير مقاتل وبين راهب في معبد لا تفرق بين أحد؛ لأنها تسقط داخل القصور، فعندما كثرت الإصابات خرج الرهبان من ديارهم وقالوا: يا أهل القصور، والله ما يقتلنا إلا أنتم، فليس لكم إلا الاستسلام. وبالفعل اجتمع أهل هذه القصور الأربعة على الاستسلام، وكان أولهم استسلامًا أكبرهم سنًّا؛ عمرو بن عبد المسيح وأرسل إلى خالد بن الوليد رسالة يخبره فيها برغبته في التفاوض معه على الجزية.

دعوة الأمراء إلى الإسلام
بعد أن أعلنت هذه الحصون استسلامها خرج من كل حصن أميرُه، فأرسل أمراء الحصار من المسلمين مع كل أمير من أمراء الحصون الأربعة رسولاً ليوصله إلى خالد بن الوليد، وظلوا هم على حصار الحصون لئلا يكون هناك خديعة للمسلمين من أهل هذه الحصون، وقابل خالد بن الوليد كل أمير منهم على حدة، ثم قابلهم مجتمعين، وتحدث معهم وقال لهم: ماذا تريدون؟
قالوا: ما لنا بحربكم من حاجة، ولكن ندفع الجزية.

فقال لهم: والله إن الكفر لَفَلاةٌ مُضِلَّة (أي كالصحراء المتسعة التي يَضِلُّ من يسير فيها)، فعجبًا لكم كيف تُستَذَلُّون بأعجمي وتتركون العربي؟!
وحزن خالد بن الوليد على عدم إسلامهم، ووافق على الجزية، وهو -كما نرى- كان الأحبَّ إليه أن يسلم هؤلاء القوم ويتركهم وحالهم، ولكنهم أبوا أن يسلموا وأصرُّوا على ما هم عليه من الكفر والضلال.

قدَّر خالد بن الوليد الجزية عليهم بعد أن قام بعدّهم وأخرج منهم المسنّين، فوصلت الجزية إلى مائة وتسعين ألف درهم في السنة، وسمِّي هذا صلح الحيرة، وكتب عهدًا بذلك على أن يمنع المسلمون عنهم الأذى سواء من المسلمين أو من غيرهم، فلو أن الروم أرادوا حرب أهل الحيرة فعلى المسلمين أن يردوهم عنهم، وإلا فلا جزية عليهم، وذلك لأن الجزية مقابل الحماية، ووافق أهل هذه القصور الأربعة وأعطوا خالد بن الوليد مائة وتسعين ألفًا من الدراهم بعد أن جمعوها في أكثر من شهر من أهل هذه القصور ممن يستطيعون القتال.
 
عدل المسلمين ونزاهتهم
ووافق هذا الأمر عيدًا عند الفرس يُسمَّى عيد النيروز حيث كانوا في مدخل الصيف -وكان عندهم عيد آخر في مدخل الشتاء يُسمَّى (عيد المهرجان)- وكان من عادة الفرس في هذه الأعياد أن يذهبوا إلى القرى التي يمتلكونها من العرب، فيعطيهم العرب الهدايا أمنًا لجانبهم (أي إتاوة تُفْرَض على العرب من جانب الفرس)، وكان أهل الحيرة ممن تعودوا هذا الأمر؛ فأعطوا خالد بن الوليد من هذه الهدايا الكثير، إضافة إلى الـ 190.000 درهم، وعندما أرسل خالد هذه الهدايا والـ 190000 ألف درهم إلى أبي بكر الصديق في المدينة المنورة؛ أَبَى أبو بكر الصديق إلا أن تُحْتَسَب هذه الأموال من الجزية، وتُردُّ لهم بقية هذه الأموال.

وبالفعل أُعِيدت الأموال الزائدة إلى أهل الحيرة، وكان لهذا الأمر أثر عظيم على أهل الحيرة الذين انتقلوا من المجوسية ومن النصرانية إلى الإسلام.
وبهذا فتح خالد بن الوليد أعظم مدينة في جنوب العراق، واتخذها قاعدة له ينطلق منها إلى غيرها من الأماكن.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى