أولوية مواجهة التطور العسكري الحوثي

> بشير عبد الفتاح

>
في خضم مساعيها الحثيثة لتعزيز قدرات ذراعها العسكري المتمثل في الانقلابيين الحوثيين، أضحت الأزمة اليمنية مناسبة إستراتيجية لتسليط الضوء على أهمية الطائرات المسيَّرة (درونز) ودورها في مسرح العمليات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، بعدما هرعت ميليشيات الحوثيين الانقلابية لاستخدامها، بإيعاز ودعم من إيران، فيما آلت قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن على نفسها تفكيك ذلك التحالف (الإيراني - الحوثي) البغيض وإجهاض مخططه المقيت، بعدما بات الطرفان يقوضان استقرار المنطقة ويهددان الأمن والسلم الدوليين.

فلما كانت الطائرات المسيَّرة، سواء الاستطلاعية منها أو القتالية، تتسم بمزايا إستراتيجية لافتة، كونها غير باهظة الكلفة، كما أنها تتمتع بقدرة فائقة على تحديد أهدافها، وإصابتها بدقة بالغة، ببرمجتها، عبر كومبيوتر لوحي أو هاتف نقَّال. وخلافاً للطائرات الحربية التقليدية، بمقدور الـ(درونز) تنفيذ عمليات نوعية خاطفة من دون خسائر، إذ يصعب رصدها من قِبل الرادارات الثابتة كونها لا تحتاج للتحليق على ارتفاعات شاهقة، فقد عملت الميليشيات الحوثية على استخدامها في مواجهة السعودية وتحالف دعم الشرعية بغية إلحاق الأذى بالمدنيين والأهداف العسكرية على السواء، أملاً في تحسين موقفها القتالي الحرج الذي يتدهور يوماً تلو آخر.

وعلى مستوى الداخل اليمني، وفي مطلع العام الجاري، أكدت قوات التحالف شن ميليشيات الحوثيين هجوماً بطائرة مفخَّخة استهدف عرضاً عسكرياً للجيش اليمني في قاعدة العند في محافظة لحج، التي تعد أكبر قاعدة عسكرية في البلاد، وكان المتمردون سيطروا عليها عام 2015، واستعادتها القوات الشرعية في العام ذاته. وذكرت مصادر عسكرية يمنية أن الطائرة التي كانت تحمل متفجرات إيرانية الصنع، انفجرت فوق منصة العرض، ما أودى بحياة ستة جنود على الأقل، وأدى إلى إصابة أربعة مسؤولين كبار.

أما على الصعيد الإقليمي، فأعلن تحالف دعم الشرعية أنّ الدفاعات الجوية السعودية تصدّت مراراً لمحاولات الميليشيات الحوثية التابعة لإيران، استهداف جنوب المملكة بطائرات مسيَّرة. وفي 14 مايو الماضي، شنَّت الميليشيات الانقلابية هجوماً بطائرات مسيَّرة مفخَّخة ضدّ محطتي ضخ لخط الأنابيب شرق - غرب الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط في المنطقة الشرقية إلى ميناء (ينبع) على الساحل الغربي. وفي 23 مايو الماضي، قال مسؤولون سعوديون إن الدفاعات الجوية دمَّرت طائرة مسيرة أطلقها ميلشيات الحوثيين باتجاه مطار نجران جنوبي المملكة. وكانت وسائل إعلام موالية للحوثيين قد أفادت بأن مسلحي الحركة استهدفوا بطائرة مسيرة مرابض للطائرات في مطار نجران.

وأماط تحالف دعم الشرعية في اليمن اللثام عن تورط “الحرس الثوري” الإيراني في تزويد الميليشيات الانقلابية بـقدرات عسكرية نوعية من صواريخ باليستية “كروز” وطائرات من دون طيار، بما يمكنها من استهداف بقاع مدنية حيوية داخل السعودية. وأكد الناطق باسم التحالف العقيد تركي المالكي، أن ميليشيات الحوثيين حصلت من طهران على طائرات مسيّرة من طراز “شاهد 129” و “أبابيل تي”، والتي تسميها الميليشيات الحوثية “قاصف 1”. وأكد تقرير للجنة خبراء الأمم المتحدة في اليمن تجميعها من مكونات تم شحنها من الخارج إلى اليمن، وأنها متطابقة في التصميم والأبعاد والقدرات مع مكونات طراز “أبابيل تي”، التي تصنعها الشركة الإيرانية لصناعة الطائرات المسيرة. وكشف تحالف دعم الشرعية كذلك عن استخدام الحوثيين المنشآت المدنية والأحياء السكنية لإخفاء تلك الطائرات ومستودعات تجميعها وصيانتها، في خرق واضح لقانون النزاع المسلح واتفاقات جنيف.

لم تتورع الميليشيا الانقلابية الإرهابية المدعومة من إيران عن استخدام المعسكرات القريبة من الأحياء السكنية والمرافق المدنية كمناطق عسكرية ومستودعات للتصنيع العسكري، وورش لتجميع الصواريخ الباليستية وتركيبها، إضافة إلى تركيب الطائرات المسيرة وتفخيخها، وورش صناعة الألغام والعبوات المبتكرة، إضافة إلى تخزين الأسلحة على أنواعها، فضلاً عن استخدام المدنيين دروعاً بشرية في انتهاك واضح وصريح للقانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية. وبينما لا تزال صعدة وعمران تحوي مستودعات لتخزين الصواريخ الباليستية، قامت ميليشيات الحوثيين في أواسط شهر أبريل  الماضي، بتخزين طائرات من دون طيار قرب أحياء مأهولة في صنعاء وتثبيت منصاتها في المناطق السكنية، كما أقرت الميليشيات الإرهابية بإطلاق طائرات مسيرة من دون طيار تحمل متفجرات من نوع “قاصف 1” ضد أهداف مدنية حيوية في أقصى الجنوب الغربي للمملكة كمطار أبها وشركة “أرامكو” للنفط والغاز في جيزان وخميس مشيط.

وترجع المصادر العسكرية السعودية لجوء الحوثيين للاعتماد على الطائرات المسيرة إلى نجاح تحالف دعم الشرعية في الإجهاز على معظم ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تم تزويد الحوثيين بها، وافتقادهم للقدرة على إعادة بنائها مع تزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية علي إيران أخيراً. ولم يعد بوسع طهران استخدام طيرانها المدني لتزويد الحوثيين بالصواريخ والأسلحة مثلما كانت تفعل قبل انطلاق “عاصفة الحزم” في عام 2015. فبعد انقلابهم وسيطرتهم على العاصمة صنعاء عام 2014، أبرم الحوثيون اتفاقاً مع خطوط “ماهان إير”، أقام “الحرس الثوري” بموجبه جسراً جوياً بين طهران وصنعاء لتزويد الانقلابيين بالأسلحة تحت ذريعة إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، ما اضطر مقاتلات التحالف إلى قصف مدرج مطار صنعاء وإجبار الطائرات الإيرانية على العودة.

وفي رد منها على استخدام الحوثيين مطار صنعاء المدني ومنشآت قرب مركز سكني تابع للأمم المتحدة لأغراض عسكرية تتصل بتجميع وتطوير الطائرات المسيرة وإطلاقها، أكدت قيادة القوات المشتركة للتحالف الداعم للشرعية التزامها اتخاذ الخطوات الكفيلة كافة بإنهاء تهديد الحوثيين للأمن الإقليمي والدولي، عبر قطع طريق حصولهم، أو أي من التنظيمات الإرهابية الأخرى، على مكونات وتكنولوجيا الطائرات المسيرة. وبناء عليه، نفذت قيادة القوات المشتركة للتحالف سلسلة من العمليات العسكرية النوعية لتدمير الشبكة الخاصة بالقدرات والمرافق اللوجيستية لتلك الطائرات وأماكن وجود الخبراء الأجانب العاملين فيها، علاوة على مركز دعم لوجستي لعمليات الطائرات المسيرة شرق صنعاء، إضافة إلى برجين للاتصالات لتسيير الطائرات من دون طيار، ما أسفر عن إسقاط عشرات منها في سيئون وتدمير عدد من مستودعات تجميعها وتطويرها وصيانتها.

وخلال الشهر الجاري، أعلنت الدفاعات الجوية السعودية تمكنها من اعتراض عدد من الطائرات المسيّرة أطلقتها الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران باتجاه مدينة خميس مشيط وإسقاطها، وبعد أيام على سقوط مقذوف على مطار أبها، أعلن الناطق باسم قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، أن قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي والقوات الجوية الملكية السعودية تمكنت من اعتراض خمس طائرات من دون طيار وإسقاطها، بعدما أطلقتها ميليشيات الحوثيين الإرهابية المدعومة من إيران باتجاه مطار أبها الدولي ومدينة خميس مشيط جنوب المملكة.

وبينما لا يتوانى الإرهاب الحوثي الإيراني عن انتهاك الشرائع والمواثيق والقوانين والأعراف والمبادئ الإنسانية كافة، يأبى تحالف دعم الشرعية في مسعاه الدؤوب للتصدي لذلك الإرهاب عبر تقويض قدرات الانقلابيين الحوثيين من الصواريخ والطائرات المسيَّرة، إلا الحرص على مراعاة الاعتبارات الإنسانية والمبادئ القانونية عبر اتخاذ الإجراءات الوقائية والتدابير الناجزة التي تكفل ترسيخ دعائم السلم والأمن الدوليين مع ضمان حماية المدنيين والأهداف الحيوية وتجنيبهم أية أضرار جانبية، بما يتوافق مع مبادئ القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية. فبعدما اعتبرت واشنطن خروق الحوثيين العدوانية المدعومة إيرانياً بالصواريخ والطائرات المسيرة، تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي وانتهاكاً لقراري مجلس الأمن الدولي (2216) و(2231)، كما تُطيل أمد الصراع في اليمن، أكد مندوب المملكة لدى مجلس الأمن أن التعاون الإيراني - الحوثي على ممارسة الإرهاب العابر للحدود، والانتهاك المتواصل لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرارات (2140) و(2216) و(2231) و(2451) و(2452)، من شأنه أن يعطي الحق القانوني للرياض وتحالف دعم الشرعية في اليمن لاتخاذ إجراءات طارئة وآنية لردع ذلك الإرهاب الإيراني الحوثي، وفقاً للقانون الدولي الإنساني وأنظمته المرعية.

“الحياة”​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى