سقايات الماء بوادي حضرموت.. عمل إنساني منذ قديم الزمان وفي تزايد مستمر

> تقرير/ خالد بلحاج

>
تُبنى على امتداد الطرق وأمام المنازل والمزارع  في الوادي
عند زيارتك لمحافظة حضرموت لا داعي أن تحمل معك قوارير الماء الباردة، لسببين اثنين، الأول: لأنها ستفقد برودتها سريعاً نتيجة ارتفاع درجة الحرارة الشديدة، والآخر: لأنك ستجد مئات من «السقايات» منتشرة على امتداد جوانب الطريق في وادي المحافظة مروراً بوادي العين ودوعن والقطن وشبام والحوطة وسيئون إلى أن تصل إلى مدينة تريم والمناطق الأخرى المجاورة لها.
سقايات بُنيت بمختلف الأشكال والأحجام على ضفتي الطريق وأمام المنازل والمزارع والمحال التجارية، لتروي ظمأ العطشان من المارة والمسافرين طوال العام، من دون أي مقابل.

تطور وانتشار
إنها مبادرة إنسانية مضى عليها مئات السنين، توارثها أبناء المحافظة جيلاً بعد جيل، وصارت إحدى المميزات لمدن وادي حضرموت، وما تزال تزداد انتشاراً وتطوراً وتميزاً، يوماً بعد آخر.
وبعدما أن كان يُنقل إليها الماء على الأكتاف، ويخزّن وسط إناء ترابي أو في القِرب المصنوعة من جلود الأغنام، وتبريدها يعتمد على الرياح، تم اليوم إيصال المواسير من خزانات المياه، إضافة إلى جهاز كهربائي لتبريدها، فضلاً عن التفنن في زخرفتها ومدها بمصابيح ليتمكن المسافر أو المارين ليلاً من رؤيتها.

جمال معماري وثقافة أصيلة
وتُعد السقايات في وادي حضرموت مرفقاً حيوياً وإنسانياً هاماً، تنتشر منذ القدم في داخل المدن وأطرافها وعلى طرق السفر، ولها دلالات وأبعاد إنسانية ودينية واجتماعية عميقة، كما أنها تعد من أهم المصادر الماثلة لتوثيق التراث والهوية الحضرمية حالياً، وعلاوة على ذلك فإنه لكثير من جيل أواخر القرن الماضي، لهم العديد من الذكريات الجميلة مع هذه أو تلك السقاية، فقد كان دورها مرتبطاً بمرافق وبطبيعة الحياة اليومية في عموم الوادي.

وسقايات الماء في وادي حضرموت ثقافة مجتمعية عربية أصيلة، اشتهر بها أهالي جنوب الجزيرة العربية، وتندرج في إطار الأعمال الإنسانية التي تنسجم مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وصفاته الحميدة المتوارثة لدى العرب منذ القدم، كإغاثة الملهوف وسقيا ابن السبيل.
وهي عبارة عن مبانٍ صغيرة ذات طابع تراثي، تنتشر على طول وادي حضرموت، تُبنى كصدقات جارية ضمن مشاريع الوقف الخيري، التي يحرص الأهالي على القيام بها، بغرض توفير المياه بشكل دائم لعابري السبيل.

ماء بارد
ويستطيع أي شخص مار بها أن يروي عطشه بشربة ماء باردة، من هذه السقايات الواقعة في ساحات بالقرب من المساجد، وعلى الطرقات الرئيسة، وعلى الطرقات الممتدة بين قرية وأخرى، والفاصل بينها ما يقارب كيلومتراً واحداً أو كيلومترين.
وبالرغم من امتداد تلك السقايات على طول الوادي، إلا أن السقايات المنتشرة في مدينة سيئون هي الأبرز، لشهرة المدينة بوفرة المياه العذبة.

وتبنى السقايات على حساب بعض الأفراد على سبيل الصدقة والحسنة، وقد يقوم بها الولاة المحليون لتدخل في إطار خدمة الطريق، وتعد جزءاً من العمارة الإسلامية التقليدية، وتمتاز بنمطها المعماري التراثي، ودلالاتها الاجتماعية والإنسانية.
ولعبت السقاية، فيما مضى مع طبيعة الحياة والقيم الأخلاقية، دوراً هاماً، فقد كانت أهميتها توازي أهمية الماء للحياة، وهناك جوانب لا تقل أهمية عن ذلك. فمثلاً الورع وطهارة المال ودقة الاجتهاد في الموقع، نقى العمل خلال البناء ووقّف الأوقاف اللازمة لاستمرارية السقاية أمداً طويلاً، فهناك سقايات قائمة منذ مئات السنين تؤدي وظائفها على أكمل وجه إلى اليوم، وذلك بفضل هذه المنظومة المتكاملة التي قل نظيرها اليوم.

أوقاف
ومن المعروف أنه من طبيعة الإنسان الحضرمي تعلقه وحماسه للأعمال الخيرية النزيهة، فجميع هذه السقايات، على كثرتها، تمتلك أوقافاً وأموالاً طائلة، بددت أكثرها وعطلت معظم مبانيها، وفي هذا تركزت الدراسات حول إمكانية إعادة وظائف هذه المرافق ذات الطابع الديني والإنساني والجمال العمراني، وكذا معرفة مصير هذه الأوقاف والأموال.
وعادة ما تُبنى السقايات بشكل مستطيل تزين أركانها بزخارف متدرجة إلى أسفل، وكثيراً ما تغطى أحواضها بقبة أو اثنتين، مبنية من الطين المدعم بأعواد الخشب من أشجار العلب (السدر)، فيما تدهن الواجهات بالنورة (الجير المحروق الأبيض)، ويكتب عليها تاريخ البناء وعبارات أخرى.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى