إسكندر.. رحلة الخلود

> علي ناصر محمد

>
ما إن أهدأ من حزنٍ حتى يداهمني حزن أشد وأعمق، بموت صديق أو رفيق أو عزيز، وكأن هذا الحزن يأبى أن يفارقنا.. ها هو الموت يداهمني من جديد ويفجعني بموت الصديق العزيز إسكندر شاهر، على نحو غير متوقع، فيزيد من حزني أحزاناً ومن فاجعتي بوفاته فاجعة، وكأنه يؤكد لي ولنا جميعا: هيهات لهذا الحزن أن يغادر الوطن والمواطن، وكأنه يسكننا في أقصى حالاتنا في الحزن وفي الفرح.

هل حقاً غادرنا إسكندر شاهر، ذلك الإنسان الهادئ الوديع المثقف الدبلوماسي الذي لا تفارق الابتسامة وجهه؟!
هل حقاً غادرنا بعد أن ابتسمت له الحياة مؤخراً بعد رحلة تعب ومعاناة طويلة حفر خلالها في الصخر فتزوج وأنجب، وحصل على وظيفة في السلك الدبلوماسي، وحين اعتقد أن الزمن قد ابتسم له، وأن معاناته الشخصية قد انتهت، أو كادت، حتى داهمه المرض على نحو سريع وأسْلمه إلى الموت ليوقع الألم والحزن في قلوب أسرته وأصدقائه وقلوبنا جميعاً؟
فجعنا بوفاة الصديق العزيز إسكندر شاهر الذي تعرفت إليه لأول مرة في دمشق، وكان حينها ملاحقاً من قِبل السلطات في صنعاء والسفارة في دمشق بسبب مقالاته وكتاباته في الصحف اليمنية، ونقده للسلطة والفساد. حاول البعض إغراءه وإسكاته بالمال ولكنه رفض أن يقبض المال ويخسر القرّاء كبعض الصحفيين والصحف. وإسكندر من أسرة معروفة ومثقفة في اليمن تحمل نفس الأهداف والمبادئ، ويحمل في قلبه قضية الوطن والمواطن أينما كان.

لقد عينته مستشاراً في المركز العربي للدراسات الإستراتيجية واحتجّت السفارة اليمنية في دمشق، وكذلك بعض الشخصيات والمشايخ في اليمن، لكنني لم أعرهم أي اهتمام، لأنني كنت مقتنعاً بصحة مواقفه الوطنية، وهو الذي لم يستسلم للتهديد والإغراءات المالية، وصمد رغم شحة الإمكانيات، وإقامته في دمشق للدراسة والعمل وتحصله بعد ذلك على شهادة الماجستير. ثم غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لطلب اللجوء السياسي واستمرت الاتصالات بيني وبينه وعلمت منه أنه لم يطِب له المقام بعيداً عن الوطن وعاد إلى سورية، وبعدها إلى مصر ليرتبط بابنة الصديق جعفر الخامري د. روزا.

ولا زلت أتذكر زيارتنا للأديب والشاعر عبد الرحمن الأبنودي في منزله بالإسماعيلية، والكلام الجميل الذي كتبه عن هذا اللقاء بأسلوبه الرائع في مقال تحت عنوان “ الأبنودي وناصر وأنا” عام 2013م.

التحق بعد ذلك بالملحقية الإعلامية والثقافية في تونس وحظي باهتمام الجميع في السفارة وعلى رأسهم السفير عبد الناصر باحبيب، وخلال عمله في تونس أقام علاقات واسعة مع المؤسسات الإعلامية والثقافية ومع سفارات الدول الأخرى في العاصمة تونس.

بوفاته خسرت صديقاً عزيزاً؛ بل خسر الوطن أحد كفاءاته وأبنائه الأبرار.
نتقدم بأحرّ التعازي القلبية لزوجته وأسرته وكل محبيه في اليمن وخارجه.
المجد والخلود للفقيد.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى