خلفية إستراتيجية لمشروع مركز الموانئ الدولي والخدمات اللوجستية العالمية

> د.باسم المذحجي

> هل تمتلك اليمن القدرة على بناء مشروع القرن؟
د. باسم المذحجي
د. باسم المذحجي
إن المستقبل لا يقدم نفسه على طبق من ذهب، بل يجب على الإرادة اليمنية الفاعلة القادرة على التغيير والإنجاز أن تكون جزءاً أساسياً من الواقع اليمني القادم، تحدد أهدافها وتعمل على إنجازها من خلال رؤية إستراتيجية متكاملة تربط بين الواقع والمستقبل بكل تحدياته وأزماته ومخاطره. فإن لم يخطط اليمنيون لمستقبلهم فسوف يخططه لهم الآخرون، وكل بديل من البدائل ينطوي على ثمن وتكلفة، وأي مستقبل يختاره اليمنيون يستدعي دفع الثمن، والاختيار الحاسم يتمثل في وحدة اقتصادية بينية بوصفها طوق النجاة من الأخطار التي تهدد مجمل المحافظات اليمنية مستقبلاً. والمطلوب هو مشاركة اليمنيين كأفراد وجماعات وأحزاب وحكومات ورجال أعمال وأكاديميين ومثقفين في العمل من أجل وضع القواعد والأسس لتكوين كيان إستراتيجي تنموي جامع.

اليمن بلد تقع في موقع التقاء آسيا بأفريقيا، ولا يفصلها سوى 3 كم عن مرور ناقلات النفط الضخمة وشاحنات الحاويات العملاقة في ممر مائي طوله 6 كم وعمقه 150م، لكنها (أي اليمن) تفتقد إلى رأس مال سياسي وشرعي مرضيّ عنه من قبل الشعب اليمني، وذلك قاد سابقاً إلى إفشال مشروع جسر معلق منذ 22 فبراير 2008، بعد أن كُشف عن مخطط لإنشاء جسر بحري يربط بين اليمن وجيبوتي عبر المضيق، وإذا نجح هذا المشروع سيكون هذا الجسر هو أطول جسر معلق في العالم. ويقال إنه سوف يتم بناء مدينة تربط ما بين الدولتين اليمن وجيبوتي يربطها الجسر المعلق، وسوف يتم تسمية هذا المدينة (مدينة النور AL-Noor City)، وحالياً قد بدأ المشروع المرحلة الأولى من جمهورية جيبوتي، وذلك لسهولة المعاملة والعون من قبل الحكومة الجيبوتية، بعكس الحكومة اليمنية فإن المشروع لقي بعض الصعاب وبعض المطالب من قبل الشيوخ في اليمن، هذا ما جعل المشروع يبدأ من جيبوتي.

أحد مفاتيح الخلاص للأزمات والمشاكل المتراكمة هو اجتراح عقد اجتماعي جديد يقوي الشراكة التنموية ويخلق فرص عمل، ويجلب رساميل المال، بحيث تتوحد الطاقات وتتحصن فيه الجماعات الوطنية، بدلاً من زجها في صراعات عبثية ومتطرفة، وبذلك تحدد الأهداف المرحلية والإستراتيجية عبر توفير أرضية مشتركة لمجتمع أمن ومستقر.

بات الجميع يعلم بأن هناك نوعين من المشاريع في الشرق الأوسط: منها التخريبية، ومنها البناء، لكنني هنا كباحث عربي يمني مسلم سأقدم منظورات إستراتيجية تخالف ما طرحه شمعون بيريز في كتابه الشهير المسمى الشرق الأوسط الجديد، فهو ينظر لليمن بأنها جزء من نظام اقتصادي إقليمي، لكن الحاصل بأن اليمن هي مركز الموانئ الدولي والخدمات اللوجستية العالمية، وبالتالي هي مركز اقتصاد العالم بينما الأشقاء في باكستان ودول الخليج ينظرون إلى اليمن بأنها امتداد لـ "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني".

خلفية إستراتيجية
أ - وصف المشروع:
ليس ممراً مائياً، ولا جزءاً من مشروع إقليمي، بل هو خليج باب المندب الذي يمتلك مواصفات طبيعية، بدون توسعة صناعية لأكبر عمق ودائرة دوران لممر ملاحي في العام، حيث حددت آخر دراسة تم القيام بها في 2014 بأن خليج باب المندب يستطع تشغيله عبر عشرين محطة، تحقق فيها المحطة الواحدة مثالية المواصفات الدولية والعلمية التالية:
1. غاطس: 23م.
2. عدد المراسي 12 مرسى قابلا للزيادة.
3. طول الرصيف 3000م، قابلا للزيادة.
4. روافع الرصيف 40 رافعة قابلة للزيادة.
5. يتصل بأكثر 620 ميناء في 123 بلدا.
6. المساحة 115 هكتاراً قابلاً للزيادة.

مشروع مركز الموانئ الدولي والخدمات اللوجستية العالمية
أكبر بكثير من كل عروض العالم وفيه نحن اليمنيين نفرض رؤيتنا، ولسنا نكيف أنفسنا بتبني رؤيات خارجية، فالغاطس يسمح لرسو سفن الشحن العملاقة لأكثر من عشر سفن في ذات رصيف الخليج، فالمشروع لا يعتمد على التصنيع، فالدول من حولنا تصنع نظراً لأن المشروع يعتمد على الموقع ويعتمد على السكان ويعتمد على خفض كلفة التخزين بفعل أجواء الحجرية المعتدلة والسياحية.

ب - تمويل المشروع:
1. وضع ملايين الدولارات كرأس مال في بنوك جيبوتي.
2. تبنيه من قبل المملكة العربية السعودية وجعله سندات مدمجة تطرح في السوق المالية الدولية لتنفيذ مشاريع التطوير العقاري، وشبكات المياه، وأبراج الاتصالات، وإنتاج الطاقة، والمواصلات كبداية لتأسيس المشروع.

رؤية إستراتيجية
بعد أن سرت على طول الشريط الساحلي الممتد من جزيرة رأس عمران في لحج حتى سواحل ذوباب في تعز، ومررت في مدن الأشباح الساحلية، أدركت حينها بأن لدينا مساحات ساحلية شاسعة تحقق استغلال طاقات الشباب، وأدركت كذلك بأن القدر من فائض الدخل لدى البيوت التجارية اليمنية يمكنها إحداث تنمية في الساحل، لتبقى صعوبة الحصول على التمويل أصبح أحد العوامل الهامة المعوقة لنمو المشروعات هناك، لكن أولويات أي استثمار لابد أن تضع تصوراً شاملاً وتتجاوز عقبات الروتين واستثمارات جادة تخطط في مختلف المجالات مثل: المجال السياسي، والمجال المالي، والمجال الأمني والحماية، والمجال التشغيلي.

السياق الإستراتيجي والمنطقي
أ- قضايا خاصة بالبلد
تبرز قضية ذات خطورة وأهمية كبيرة، وهي ضعف الفلسفة أو ضعف الفكر الاقتصادي اليمني الذي يمكن أن يحدد الإطار القانوني والتشريعي، ويضع أصول السياسات الاقتصادية وقواعدها، ويمنع مخاطر عدم الاستقرار السياسي، والميل إلى تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة المناطقية والحزبية، وتخطي ضعف العلاقات بين اليمن والدول العربية المجاورة، فضلاً عن التأثيرات الخارجية التي تمنع بعض أصحاب القرار من أن يكونوا أسياد قرارهم.

- هناك علاقة بين فلسفة الفكر الاقتصادي الذي تتبناه اليمن وبين التشريعات الإدارية والسياسية المؤثرة في عملية التنمية الاقتصادية.
- هناك علاقة بين البيئة السياسية المتمثلة بالسلطة الشرعية صاحبة القرار وبين قراءة نتائج المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في مجال الموانئ والخدمات اللوجستية.

- هناك علاقة بين القرار السياسي ومشاريع التكتلات الإقليمية والعالمية والأسواق المشتركة وانعكاساتها على الاقتصاد اليمني.
- هناك علاقة بين البيئة السياسية وحركة الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال في اليمن.

- هناك علاقة بين التخطيط والبحث العلمي للدولة اليمنية وبين التنمية الاقتصادية.
- هناك علاقة بين سيادة الثقافات غير الاقتصادية وتخلف البنيان الاجتماعي وارتفاع مستوى الأمية وانخفاض التعليم وتأخر المرأة والانفاق البذخي، وبين التخلف الاقتصادي وصعوبات التنمية الاقتصادية.

- هناك علاقة بين الأمن السياسي والقومي للدولة اليمنية وعملية التنمية الاقتصادية.
- هناك علاقة بين الديكتاتورية في الحكم والتبعية في القرار وعدم الاستقرار السياسي وبين التنمية الاقتصادية.

ب. السياق المنطقي لمشاركة اليمن في مشروع باكستان الصين
قد سبق للأشقاء في باكستان زيارة اليمن في الفترة من 1 - 2 فبراير 2008، وأتذكر عندما زار السيد محمد ميان سومرو اليمن، وهو رئيس وزراء الحكومة الانتقالية الباكستانية، والوفد المرافق له، أجرى خلالها عدداً من المباحثات تناولت العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بينهما في مختلف المجالات.. حيث تم مناقشة أسباب انخفاض واردات الأدوية الباكستانية في اليمن، وكان النقاش مفتوحاً ولم ينتبه الأشقاء في باكستان أن اليمن في ذلك الوقت بدأت تنتج الدواء محلياً، وانتشرت المعامل والمصانع، والتاريخ يعيد نفسه اليوم بأن لديهم فكرة بأن اليمن تشرف على ممر مائي، لكنهم لا يعلمون حقيقة أن اليمن لديها رؤية مختلفة لا يدركها العرب والعالم من حولنا، بأن هناك دراسات تم إجراؤها بأن اليمن مركز الموانئ الدولي والخدمات اللوجستية العالمية في خور خليج ذوباب النافذ إلى الساحل اليمني وليس الممر المائي، وبذلك فاليمن مركز وليست ملحقاً أو تابعاً.

ج. إسهام المشروع في الأهداف العليا لليمن.
مبادرات جديدة/ منتجعات متكاملة/ بنية تحتية استثمارية سياحية ملحقة.
1. نموذج الشمال اليمني: تمويل من مأرب النفطية وتنفيذ من المجلس المحلي بتعز.

2. نموذج تعزي: مجموعة هائل سعيد أنعم وإخوان ثابت وبحماية من اللواء 35 مدرع.
3. نموذج الجنوب اليمني "العربي": رساميل أبناء يافع وحضرموت وبحماية من قبائل الصبيحة والضالع.

4. نموذج عربي: إماراتي سعودي مشترك.. أي واحد من الأربع النماذج منفردة أو مجتمعة تتقدم لمشروع خليج باب المندب فكلها خيارات ناجحة وكلها تصب لصالح كل اليمنيين وخصوصاً أبناء الحجرية.
ملحوظة: دول الخليج وعلى رأسها الإمارات لا تخشى إذا نفّذ اليمنيون هذا المشروع بأنفسهم، بل الخوف أن يعمل اليمنيون على تطويره لصالح أعداء الإمارات، أو بناء نقاط الخلافات الإقليمية.

هـ. البدائل المدروسة وأسباب الرفض.
- ليس الهدف من سياسة الاستثمار هو الاختيار بين الاستثمار المحلي والأجنبي، وإنما الربط بينهما عن طريق سلسلة القيمة المضافة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. ويعني هذا أنه يجب ألا يقتصر تركيز الإصلاح التنظيمي على القوانين المحلية، ولكن ينبغي أن يسعى أيضاً لتحقيق الترابط بين هذه القوانين واتفاقيات الاستثمار الدولية التي تحكم على نحو متزايد الإنتاج على المستويين المحلي والدولي.

- جهود التكامل الإستراتيجي بين اليمنيين.
- الاستثمار ليس صفقة، وإنما هو علاقة، من الضروري أن تتجاوز إستراتيجية سياسات الاستثمار مسألة جذب الاستثمارات المبدئية، فهذا مجرد جزء ضئيل من الأمر برمته، وتأتي الفوائد الحقيقية التي تتحقق لليمنيين في مرحلة تالية في العلاقة، عندما ينجح مشروع خليج باب المندب في الاحتفاظ بالاستثمار وبناء علاقات قوية مع أنشطة الأعمال المحلية.

- ليست جميع أنواع الاستثمار متماثلة، فالأنواع المختلفة من الاستثمار لها آثار مختلفة على التنمية الاجتماعية، الاقتصادية، ومن ثم تستلزم سياسات مختلفة.
هل يستوفي المشروع المعايير الإقليمية للجاهزية في التنفيذ؟

أهم النقاط الرئيسية التي يجب على الدولة توفيرها هي الأمن الكامل للمستثمر الأجنبي، ومن ثم الإعفاء من الضرائب، وخاصة في الخمس السنوات الأولى عند البدء في الاستثمار، ومن ثم عدم تحديد المستثمر بالعمالة المحلية.
الحديث عن خليج باب المندب مركز الموانئ الدولي والخدمات اللوجستية العالمية.

أولا - توفير المناخ المناسب للاستثمار وهي تشمل:
1 - الأمن والاستقرار.

2 - المرونة في القوانين والإجراءات والبعد عن الروتين.
ثانياً - تقديم الخدمات والاستشارات للمستثمر قبل وأثناء مشروع الاستثمار.

ثالثاً - العمل على جذب مستثمرين جدد مع إبراز نقاط نجاح المستثمرين الحاليين.
رابعاً- من أهم العوامل التي تشجع أي مستثمر هي وضع قوانين محددة وعدم تغييرها من وقت لآخر والوضع الأمني المستقر والمناخ الجيد للكسب من وراء استثماراته.

* هناك الكثير والكثير مما يجب على الدولة اليمنية في الشمال اليمني والجنوب العربي عمله لتشجيع الاستثمار الأجنبي مثل:
1 - تحديد من هو المستثمر.
2 - تحديد أقل حجم للاستثمار.
3 - تحديد سياسات الاستثمار ومجالاته التي تحتاجها اليمن.
4 - تعيين موظفين ذوي كفاءة للتعامل مع المستثمر من كل قطاعات الأعمال التي يحتاج المستثمر أخذ التصاريح منها، وجعلهم جميعاً في مكان واحد والكل يفهم بدقة دوره وعمله وواجبه تجاه المستثمر.

5 - يكون هناك من يشرح للمستثمر كل الجوانب المحيطة بهذا الاستثمار من حجم وعمالة ومكان وتكلفة تقريبية لكل بند من البنود، حتى الماء والكهرباء والغاز إذا لزم.
6 - تسهيل حركة التعامل مع البنوك مع تحديد المعايير بالنسبة لإدخال الأموال إلى اليمن.

7 - تحديد قانون العمل والعمال بالنسبة للمستثمر والعمالة، بحيث يعي من البداية أن عمله لن يجير حساب العاملين وأن الواجبات منوطة بالحقوق.
8 - توفير المناخ الآمن للاستثمار في حدود مناطق الاستثمار في المناطق المحررة.

9 - تحديد أسلوب محاسبة المستثمر بصورة واضحة، سواء على الرخصة أو بنظام الضرائب.
10 - يفضل أن يكون هناك نظام تمليك الأرض لمدد طويلة حتى يشعر المستثمر بالأمان.

الجديد بأنها فكرة إستراتيجية وفق دراسات واقعية، وقد حان وقتها، ويستطيع اليمنيون تنفيذها، وتستطيع الشركات والمؤسسات الكبرى في العالم تنفيذها، وبمساعدتنا ستكون أعانتنا على تنفيذ حلمنا ومساعدة أنفسنا. بالفعل ليست أحلاما وردية بل واقعاً، ولقد حانت فرصة تاريخية لرجالات الدولة في اليمن لكي تقفز في طريقة التفكير وإحداث نقلة نوعية في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر. ولابد أن تكون الخلفية الاقتصادية هي مهندس العلاقات السياسية المستقبلية.

وأخيراً أرجو أن أكون قد وفقتُ في إضافة عمل يخدم بلدي الجمهورية اليمنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى